بحث حول خصائص الدولة

حقوق
حقوق
تتمثل خصائص الدولة في السيادة و الشخصية المعنوية أو القانونية :
I – السيادة

تعريف السيادة [1]: يمكن تعريف السيادة بأنها سلطة سياسية آمرة، نابعة من ذات الدولة، و قادرة على تنظيم نفسها، و على فرض توجيهاتها، دون أن تكون خاضعة داخليا أو خارجيا لغيرها، فهي في الداخل أعلى السلطات التي تملك أمر الحكم فيما ينشأ بين الأفراد و الوحدات الداخلية من خلافات، و هي كذلك لا تخضع ماديا و لا معنويا لسلطة أخرى مهما كان نوعها.
و تقوم سيادة الدولة على عدة خصائص :
– سيادة شاملة : يقصد بها لأنها تنطبق على جميع سكان الدولة باستثناء المتمتعين بالإمتيازات أو الحصانة الديبلوماسية.
– سيادة دائمة : أنها تتعدى في أعمار القائمين عليها و النظام الدستوري الذي تعمل في إطاره.
– سيادة لا تقبل التجزئة : و معنى ذلك أنه في الدولة الواحدة سواء كانت دولة موحدة أو مركبة و سواء كانت تأخذ بالنظام المركزي أو اللامركزي فإنها في كل الحالات ذات سيادة واحدة.
– سيادة مطلقة : أي أن الدولة داخل حدودها تمثل أعلى سلطة عامة لا مكان لسلطة أخرى منافسة لها و أنها خارج حدودها لا تخضع لسلطة أعلى منها.

مظاهر السيادة :
– السيادة الإيجابية و السيادة السلبية :
السيادة السلبية يقصد بها عدم خضوع سلطة الدولة لأي جهة أخرى مهما كان نوعها، أما المفهوم الإيجابي للسيادة فهو الذي يبرر سلطة الدولة بكل ما تقوم به من حق الأمر و النهي و الزجر في الداخل و تمثيل الدولة و ترتيب حقوق و إلتزامات لها و عليها في الخارج.
– السيادة الداخلية و السيادة الخارجية :
يقصد بالسيادة الداخلية حق الأمر في مواجهة كل سكان الدولة أما السيادة الخارجية فيقصد بها عدم خضوع الدولة لسلطة أجنبية فيما عدا ما تلتزم به في مجال علاقاتها مع الدول الأخرى طبقا لقواعد القانون الدولي و يعبّر عن السيادة الخارجية بمصطلح الإستقلال.
– السيادة الشخصية و السيادة الإقليمية :
في السابق كانت السيادة حق شخصي للملك و لهذا فإن قوانين الدولة كانت تطبّق على مواطنيها و لو كانوا مقيمين خارج إقليمها و هو ما يعبّر عنه بالسيادة الشخصية و قد هجرت هذه النظرية و حاليا يأخذ بمفهوم السيادة الإقليمية أي أن سلطة الدولة يتحدد مجالها في نطاق حدود إقليم الدولة.

من هو صاحب السيادة ؟
المقصود بهذا التساؤل هو تحديد صاحب السلطة السياسية ذات السيادة، لا شك أن الدولة هي صاحبة السلطة السياسية العليا و هذه السلطة تكون مجردة و مستقلة في وجودها عن الأشخاص الممارسين لها و هم طبقة الحكام في الدولة فهم مجرد أداة في يد الدولة تمارس من خلالهم مظاهر سلطتها.
و إذا كانت الدولة شخصا معنويا مجردا فإن السلطة فيها لابد أن تنسب إلى صاحب محدد يمارسها بصورة فعلية فمن هو الصاحب الفعلي لهذه السلطة السياسية ذات السيادة ؟
في هذا الصدد قيلت نظريتان هما :
1- نظرية سيادة الأمة : مضمون هذه النظرية أن السيادة تكون للأمة بإعتبارها وحدة مجردة مستقلة عن سائر الأفراد المكونين لها، فالسيادة لا تكون لفرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات و إنما تنسب إلى الشخص الجماعي الذي يشمل مجموع الأفراد و هذا الشخص هو ما يعبر عنه بكلمة الأمة.
النتائج المترتبة :
* السيادة تمثل وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة فما دام أن الأمة هي شخص واحد فإن السيادة تكون كذلك واحدة غير مجزئة و يترتب عن ذلك الأخذ بمبدأ “الديمقراطية النيابية” أو “الديمقراطية غير المباشرة”.
* الإنتخاب يعتبر وظيفة و ليس حقا من الحقوق السياسية و هذا ما يتوافق مع الأخذ بمبدأ “الإقتراع المقيد”.
* النائب في البرلمان يعتبر ممثلا للأمة بأسرها و ليس ممثلا لناخبي دائرته.
* القانون يكون تعبيرا عن إرادة الأمة.
الأمة تشمل الأجيال الماضية، الحالية و المستقبلية.
الإنتقادات الموجه لهذه النظرية :
* كان لهذه النظرية فائدة في الحد من سلطات الملوك لكنها حاليا أصبحت عديمة الجدوى.
* تؤدي هذه النظرية إلى الإعتراف بالشخصية القانونية للأمة و هذا غير مقبول من الناحية القانونية.
* أنها تؤدي إلى الإستبداد مادام أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة و ليس تعبيرا عن إرادة الأغلبية.

2- نظرية سيادة الشعب :
مضمون هذه النظرية أن السيادة تنسب إلى الشعب بإعتباره مكوّن من مجموعة من الأفراد و من ثم تكون السيادة حق لكل فرد من أفراد الشعب أي أنها تكون مجزئة على أفراد الشعب بالمفهوم السياسي.
النتائج المترتبة عن نظرية سيادة الشعب :
يترتب عنها عدة نتائج هي :
* السيادة تكون مجزأة بين الأفراد و بالتالي يكون لكل فرد حقا ذاتيا في مباشرة السلطة و هذا ما يتماشى مع نظام الديمقراطية المباشرة و شبه المباشرة.
* الإنتخاب يعتبر حقا و ليس وظيفة و هذا المبدأ يتماشى مع نظام “الإقتراع العام”.
* النائب في البرلمان يعتبر ممثلا لدائرته الإنتخابية و من ثم يمكن للناخبين إعطاء تعليمات ملزمة للنائب كما أنه يكون مسؤولا أمامهم عن تنفيذ وكالته و يلتزم بأن يقدم لهم حسابا عنها كما يحق للناخبين عزل النائب من وكالته في أي وقت.
* القانون يكون تعبيرا عن إرادة الأغلبية الممثلة في هيئة الناخبين و من ثم يتعيّن على الأقلية الإذعان لرأي الأغلبية دون إعتبار ما إذا كانت هذه الإرادة أكيدة و دائمة أم لا.
النقد الموجه لهذه النظرية :
إذا كان الإتجاه الحديث في الدساتير قد اتجه إلى الأخذ بمبدأ سيادة الشعب لكونه أكثر تحقيقا للديمقراطية إلا أنه هناك إنتقادات وجهت لهذه النظرية :
* يترتب عن الأخذ بمبدأ سيادة الشعب تبعية النواب لجمهور ناخبيهم و هذا ما قد يؤدي إلى تحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
* هذه النظرية تقول بتجزئة السيادة على أفراد الشعب و هذا يؤدي إلى وجود سيادتين سيادة مجزأة بين الأفراد و سيادة الدولة بإعتبارها شخص معنوي.
و على العموم فإن معظم الدساتير حاولت التوفيق بين النظرتين و ذلك بالأخذ بمبادئ من كليهما كالأخذ بالإقتراع العام و إلغاء الوكالة الإلزامية و إعتبار النائب ممثلا للأمة أو للشعب.
Ii- الشخصية المعنوية : القانونية
* تعريف الشخصية المعنوية :
هي جماعة من الأشخاص يضمهم تكوين يسعى إلى تحقيق هدف معين أو مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق غرض معين يمنحها القانون صفة الشخصية فتكون شخصا مستقلا و متميزا عن الأشخاص الذين يساهمون في نشاطها أو يستفيدون منها كالدولة، الولاية، و الشركات … تمييزا لها عن الأشخاص الآدميين و البعض عرّفها بأنها تشخيص قانوني للأمة.
و الإعتراف للدولة بالشخصية القانونية يعني أنها وحدة قانونية مستقلة و متميزة عن الحكام و المحكومين لها طابع الدوام و الإستقرار لا تزول بزوال الحكام و سلطة الدولة و تقوم على أساس تحقيق مصالح الجماعة.

* النتائج المترتبة على شخصية الدولة :
1- الأهلية القانونية للدولة : مادام أن الدولة كائن قانوني قائم بذاته و مستقل عن الحكام و المحكومين لابد أن يسلم لها بقدرات قانونية مستقلة تمكنها ليس من إتيان أعمال مادية فقط بل من ممارسة مختلف التصرفات القانونية و هو ما يطلق عليه بالأهلية القانونية سواء كانت :
أهلية وجوب : و يقصد بها صلاحية الشخص لكسب الحقوق و تحمل الإلتزامات و هي تختلط بالشخصية وجودا و عدما. (الجنين في بطن أمه يملك أهلية وجوب ناقصة).
أهلية أداء : صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي من شأنها أن تكسبه حقا أو تحمله دين.
و بما أن الدولة كغيرها من الأشخاص المعنوية لا تستطيع أن تمارس بذاتها ما تخوله لها أهليتها القانونية من أعمال و تصرفات و إنما يمارس هذه الأعمال نيابة عنها و باسمها أشخاص آدميون و هم الحكام طبقا لما ينص عليه الدستور و تتميز أهلية الدولة بخاصيتين هما :
– تصرفات الإرادة المنفردة و
– قدرة القهر المادي أو إمتياز التنفيذ المباشر.
2- الذمة المالية : معناه مجموع ما يكون للشخص من حقوق و إلتزامات مالية، و بإعتبار الدولة شخص قانوني لها ذمة مالية خاصة بها و مستقلة عن الذمة المالية للأعضاء المكونين لها و لممثليها الذين يتصرفون باسمها و من ثم فإن الحقوق و الإلتزامات التي ترتبها تصرفات حكام الدولة باسمها و لحسابها لا تعود إلى الذمة المالية لهؤلاء الحكام و لكنها تكوّن حقوق و إلتزامات لحساب الدولة ذاتها (يمكن للدولة أن تكون دائنة أو مدينة).
3- وحدة الدولة و ديموماتها : المقصود بأن الدولة تمثل وحدة قانونية واحدة هو أن تعدد سلطاتها العامة من تشريعية و تنفيذية و قضائية و كذلك تعدد ممثلي الدولة و تعدد الأجهزة و الأشخاص التي تعبر عن إرادتها و تعمل باسمها لا يغيّر من وصفها كشخص قانوني واحد، و المقصود بأن الدولة تمثل وحدة قانونية دائمة فيعني أن وجود الدولة كشخص قانوني و إستمرارها لا يتأثر بتغير الأشخاص الممثلين لها أو بتغير نظام الحكم فيها، و ما يبرر إستمرار الدولة و ديمومتها إعتبارها شخصا قانونيا مستقلا و متميزا في وجوده و حياته عن وجود و حياة الأفراد المكونين له أو الممثلين له و أنها تستهدف أغراضا تتجاوز عمر جيل بذاته من أجيال شعبها.
يترتب على صفة ديمومة الدولة الآتي :
– الحقوق التي تثبت للدولة في مواجهة الغير و كذلك الإلتزامات التي تتعهد بها الدولة لصالح الغير تبقى واجبة النفاذ للدولة أو عليها مهما حدثت التغيرات التي تصيب الشكل الدستوري أو تغيّر الحكام.
– المعاهدات و الإتفاقات التي تبرمها الدولة مع غيرها من الدول تبقى قائمة و واجبة النفاذ مادامت الدولة قائمة بغض النظر عن تغيّر ممثليها.
– القوانين التي تصدرها السلطات المختصة في الدولة تبقى هي الأخرى قائمة و واجبة النفاذ مهما تغيّر النظام الدستوري إلى أن يتم تعديلها أو إلغائها صراحة أو ضمنا وفقا للإجراءات المحددة لذلك.

[1] السيادة تعني عدم التبعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *