النظريات المفسرة لنشأة القانون الدستوري .
تعريف القانون الدستوري
إن دراسة العلم الدستوري تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث كان الايطاليون أول من ادخل دراسته في معاهدهم ثم انتقل إلى فرنسا سنة 1834 .
و نجد أن هذا المصطلح مكون من كلمتين : أولا القانون و الذي هو مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة الآمرة و المكملة و الملزمة . فالقانون ليس مجرد تقنين للعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة و ضابط للسلوك الإنساني ، فهو في نفس الوقت وسيلة لتطوير هذه العلاقات باتجاه إيديولوجي معين ، فالقانون هو عمل سياسي يعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية السائدة في الدولة . و يقسم الفقهاء القانون إلى قسمين خاص و هو ينظم العلاقات بين الأفراد كالقانون التجاري و المدني ، وهو الأقدم و القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدولة و الأفراد سواء كانوا مواطنين أو أجانب كالقانون الدستوري و الإداري و الدولي ، وهو الأحدث . نظرا لان القانون العام يفترض وجود دولة دستورية ، وبالتالي لا يمكن أن يتطور في دولة استبدادية .
أما كلمة دستور في اللغة الفرنسية تعني التأسيس أو التكوين établissement أو institution ، ونجد أن كلمة دستور ليست كلمة عربية الأصل فهي كلمة فارسية تعني الدفتر أو السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك و ضوابطه، و بذلك فإن الكلمة تستخدم للدلالة على القواعد الأساسية التي يقوم عليها تنظيم من التنظيمات ابتداء من الأسرة و الجمعية و النقابة و انتهاء بالدستور العام للدولة .
يمكن لنا أن نقول أن القانون الدستوري هو أكثر فروع القانون العام حداثة لأنه أكثر تعبيرا عن مفاهيم الديمقراطية و الحرية و المساواة من غيره من القوانين ، ولذلك فإن عمر القانون الدستوري لا يتجاوز مائتي سنة و هو يعود إلى الثورتين الأمريكية و الفرنسية .
و بالتالي يمكننا أن نعرف القانون الدستوري بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يحدد القواعد القانونية المتعلقة ببنية الدولة و طريقة ممارسة السلطة السياسية . و بالتالي فهو يشمل كل ما يتصل بالدولة في أساسها و تكوينها و شكلها ، فكل ما يتعلق بوجود الدولة و مقوماتها و عناصر تكوينها و طرق ممارسة السلطة فيها يندرج تحت مفهوم القانون الدستوري .
الفرق بين القانون الدستوري و علم السياسة
هما علمان متكاملان و إن اختلفا في موضوعهما ، موضوع علم السياسة هو دراسة الظواهر السياسية مستقلة عن القواعد القانونية المنظمة لها ، ففي الانتخابات مثلا يهتم القانون الدستوري بدراسة مختلف جوانب التشريع الانتخابي ، بينما يهدف علم السياسة إلى معرفة العوامل المؤثرة في سلوك الناخبين . و يمكن لنا أن نعرف علم السياسة بأنه العلم الذي يدرس الظواهر السياسية المتعلقة بممارسة السلطة بهدف معرفتها و دون الحكم عليها من منطلق عقائدي . و هذا التكامل بين القانونين ناتج عن ضرورة علم السياسة من اجل دراسة النظم الدستورية و معرفة خصائصها .
المعيار الشكلي للقانون الدستوري
يقصد بالقانون الدستوري طبقا للمعيار الشكلي القواعد التي تتضمنها الوثيقة المعروفة باسم الدستور ، وبالتالي فأي وثيقة تخرج عن إطار الدستور تعتبر غير دستورية ، غير أن هذا المعيار منتقد في أن هناك بعض الدول كانجلترا لها دستور غير مكتوب أي عرفي ، إضافة إلى أن الدستور في بعض الأحيان يتضمن قواعد ليست ذات طبيعة دستورية . مثلا المادة 54 من الدستور الجزائري ” الرعاية الصحية حق للمواطنين….” .
المعيار الموضوعي للقانون الدستوري
يعتمد هذا المعيار على الموضوع أو المضمون بصرف النظر عن الشكل .و بناءا عليه يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد التي لها طبيعة دستورية أيا كان مصدرها سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية أو نظمت بقوانين عادية .
غاية القانون الدستوري
إن غاية القانون الدستوري هي تحقيق تعايش سلمي بين السلطة و الحرية ، فالسلطة هي ظاهرة اجتماعية ضرورية لحفظ النظام الاجتماعي ، و الحرية هي حاجة دائمة و متجددة عند الإنسان بهدف الانعتاق من قيود الحكم . و نجد أن الحاجة إلى السلطة و الحرية هي من ثوابت كل تنظيم اجتماعي في أي زمان أو مكان . و مسألة التوفيق بين السلطة و الحرية هي نسبية ناتجة عن عدة عوامل كالتاريخية مثلا أي تطور العادات و الأفكار و العلوم و العامل الخلقي الفلسفي أي مجموعة القيم و المفاهيم السياسية . و كل نظام سياسي يدعي انه يعطي الحل الأمثل في التوفيق بين السلطة و الحرية حتى النظم الاستبدادية لا تستطيع نظريا تجاهل هذا الموضوع نظرا لما للحرية من قدسية في نفوس المواطنين . و نجد أن وسائل الحكم التي أوجدها القانون الدستوري ليست سوى محاولات لتحقيق المصالحة بين السلطة و الحرية ، تختلف باختلاف الإيديولوجيات القائمة
أصل نشأة الدولة
إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1 – النظريات الغير عقدية
أ- نظرية القوة و الغلبة : إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter bagehot و Jencks و oppenheimer … و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون او معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة الى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي : يرى دعاة هذه النظرية ان الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت الى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة الى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين .
ج- النظرية الماركسية : يرى ماركس ان ظهور الدولة او السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الانسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، اما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن ان نقول ان النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث ان الدولة هي أداة إكراه و ان استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .
2- النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي )
تنطلق هذه النظرية على أساس ان الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل او بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيطي و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :
أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 . يرى هوبز ان الإنسان ليس اجتماعيا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل الا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد الا ان الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى الى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على ان يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد ان هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
ب- جون لوك john Locke 1632-1704 يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الالهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و اخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب اخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فاذا جاوزها الى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778 لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال الى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ ارادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الافراد فقط و لكن على اساس ان لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
3- نظريات اخرى
أ- نظرية الوحدة ل gelenick : يقول هذا الفقيه بان التقاء او تطابق إرادتين يمكن ان يحدث نوعان من العلاقات القانونية : العقد و الفيريبارونغ vereinbarung ، فالعقد هو توافق إرادات تريد كل منها الحصول على مصالح او أشياء مختلفة ، و لذلك فالدولة لا يمكن ان تنشأ بواسطة عقد لان الإرادات لا تتجه الى موضوع واحد فضلا على ان العقد ينشا وضعية قانونية ذاتية و ليست موضوعية كالدولة التي لا تكون الا نتيجة للفيرينبارنغ الذي يقصد به النتيجة المحصل عليها بفعل مشاركة عدة ارادات مجتمعة من اجل تحقيق هدف واحد مشترك هو إنشاء الدولة .
ب- نظرية النظام القانوني للفقيه النمساوي kelsen : ينطلق هذا الفقيه من فكرة ان الدولة هي نظام هرمي مركزي ، كل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاخرى الى ان تصل للدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سبقه ، هذا الاخير هو افتراض فقط بأنه موجود .
ج- نظرية السلطة المؤسسة للفقيه burdeau : يرى بان الدولة لا وجود لها الا اذا انتقلت السلطة السياسية من الجهة المسيطرة عليها (اشخاص طبيعية) الى كيان مجرد (شخص معنوي) فتنفصل الدولة عن الحكام و تندمج في التنظيم المجرد الدائم الذي هو الدولة ، ومن هنا فلا وجود للدولة الا حين تتحول السلطة من فعلية الى قانونية ، وهذا لا يكون الا بعمل قانوني يغير طبيعة السلطة السياسية و ينشئ الدولة ، هذا العمل هو الدستور .
د- نظرية المؤسسة لموريس هوريو : ينطلق من ان الدولة جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من افراد مسيرين من قبل حكومة و تهدف الى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي و ان تشكيلها يتم على مرحلتين ، الأولى تقبل الأفراد لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة مثقفة ، اما الثانية تتمثل في دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة في تحقيق المشروع لإقامة الدولة .
ه- البيعة في الإسلام : حاول البعض تشبيهها بالعقد غير انه هناك فرق في ان البيعة أسلوب واقعي لإقامة الدولة او تجديد و تغيير الحاكم ، والبيعة لا تتم الا على أساس ثنائية الطرفين و يعتبر الرضا ركنا جوهريا لصحتها ، والحاكم في الدولة الإسلامية يشترط فيه صفات خلقية و كذلك كونه بعد المبايعة و توليه الإمارة لا يتحصل على أي امتياز يجعله أحسن من غيره .
تعريف الدولة :
التعريف اللغوي :
الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا.
ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة ، وقد ورد لفظ الدولة في القرآن الكريم في قوله تعالى : كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ الآية.
– التعريف الاصطلاحي :
تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.
إن دراسة العلم الدستوري تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث كان الايطاليون أول من ادخل دراسته في معاهدهم ثم انتقل إلى فرنسا سنة 1834 .
و نجد أن هذا المصطلح مكون من كلمتين : أولا القانون و الذي هو مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة الآمرة و المكملة و الملزمة . فالقانون ليس مجرد تقنين للعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة و ضابط للسلوك الإنساني ، فهو في نفس الوقت وسيلة لتطوير هذه العلاقات باتجاه إيديولوجي معين ، فالقانون هو عمل سياسي يعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية السائدة في الدولة . و يقسم الفقهاء القانون إلى قسمين خاص و هو ينظم العلاقات بين الأفراد كالقانون التجاري و المدني ، وهو الأقدم و القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدولة و الأفراد سواء كانوا مواطنين أو أجانب كالقانون الدستوري و الإداري و الدولي ، وهو الأحدث . نظرا لان القانون العام يفترض وجود دولة دستورية ، وبالتالي لا يمكن أن يتطور في دولة استبدادية .
أما كلمة دستور في اللغة الفرنسية تعني التأسيس أو التكوين établissement أو institution ، ونجد أن كلمة دستور ليست كلمة عربية الأصل فهي كلمة فارسية تعني الدفتر أو السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك و ضوابطه، و بذلك فإن الكلمة تستخدم للدلالة على القواعد الأساسية التي يقوم عليها تنظيم من التنظيمات ابتداء من الأسرة و الجمعية و النقابة و انتهاء بالدستور العام للدولة .
يمكن لنا أن نقول أن القانون الدستوري هو أكثر فروع القانون العام حداثة لأنه أكثر تعبيرا عن مفاهيم الديمقراطية و الحرية و المساواة من غيره من القوانين ، ولذلك فإن عمر القانون الدستوري لا يتجاوز مائتي سنة و هو يعود إلى الثورتين الأمريكية و الفرنسية .
و بالتالي يمكننا أن نعرف القانون الدستوري بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يحدد القواعد القانونية المتعلقة ببنية الدولة و طريقة ممارسة السلطة السياسية . و بالتالي فهو يشمل كل ما يتصل بالدولة في أساسها و تكوينها و شكلها ، فكل ما يتعلق بوجود الدولة و مقوماتها و عناصر تكوينها و طرق ممارسة السلطة فيها يندرج تحت مفهوم القانون الدستوري .
الفرق بين القانون الدستوري و علم السياسة
هما علمان متكاملان و إن اختلفا في موضوعهما ، موضوع علم السياسة هو دراسة الظواهر السياسية مستقلة عن القواعد القانونية المنظمة لها ، ففي الانتخابات مثلا يهتم القانون الدستوري بدراسة مختلف جوانب التشريع الانتخابي ، بينما يهدف علم السياسة إلى معرفة العوامل المؤثرة في سلوك الناخبين . و يمكن لنا أن نعرف علم السياسة بأنه العلم الذي يدرس الظواهر السياسية المتعلقة بممارسة السلطة بهدف معرفتها و دون الحكم عليها من منطلق عقائدي . و هذا التكامل بين القانونين ناتج عن ضرورة علم السياسة من اجل دراسة النظم الدستورية و معرفة خصائصها .
المعيار الشكلي للقانون الدستوري
يقصد بالقانون الدستوري طبقا للمعيار الشكلي القواعد التي تتضمنها الوثيقة المعروفة باسم الدستور ، وبالتالي فأي وثيقة تخرج عن إطار الدستور تعتبر غير دستورية ، غير أن هذا المعيار منتقد في أن هناك بعض الدول كانجلترا لها دستور غير مكتوب أي عرفي ، إضافة إلى أن الدستور في بعض الأحيان يتضمن قواعد ليست ذات طبيعة دستورية . مثلا المادة 54 من الدستور الجزائري ” الرعاية الصحية حق للمواطنين….” .
المعيار الموضوعي للقانون الدستوري
يعتمد هذا المعيار على الموضوع أو المضمون بصرف النظر عن الشكل .و بناءا عليه يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد التي لها طبيعة دستورية أيا كان مصدرها سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية أو نظمت بقوانين عادية .
غاية القانون الدستوري
إن غاية القانون الدستوري هي تحقيق تعايش سلمي بين السلطة و الحرية ، فالسلطة هي ظاهرة اجتماعية ضرورية لحفظ النظام الاجتماعي ، و الحرية هي حاجة دائمة و متجددة عند الإنسان بهدف الانعتاق من قيود الحكم . و نجد أن الحاجة إلى السلطة و الحرية هي من ثوابت كل تنظيم اجتماعي في أي زمان أو مكان . و مسألة التوفيق بين السلطة و الحرية هي نسبية ناتجة عن عدة عوامل كالتاريخية مثلا أي تطور العادات و الأفكار و العلوم و العامل الخلقي الفلسفي أي مجموعة القيم و المفاهيم السياسية . و كل نظام سياسي يدعي انه يعطي الحل الأمثل في التوفيق بين السلطة و الحرية حتى النظم الاستبدادية لا تستطيع نظريا تجاهل هذا الموضوع نظرا لما للحرية من قدسية في نفوس المواطنين . و نجد أن وسائل الحكم التي أوجدها القانون الدستوري ليست سوى محاولات لتحقيق المصالحة بين السلطة و الحرية ، تختلف باختلاف الإيديولوجيات القائمة
أصل نشأة الدولة
إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1 – النظريات الغير عقدية
أ- نظرية القوة و الغلبة : إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter bagehot و Jencks و oppenheimer … و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون او معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة الى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي : يرى دعاة هذه النظرية ان الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت الى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة الى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين .
ج- النظرية الماركسية : يرى ماركس ان ظهور الدولة او السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الانسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، اما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن ان نقول ان النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث ان الدولة هي أداة إكراه و ان استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .
2- النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي )
تنطلق هذه النظرية على أساس ان الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل او بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيطي و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :
أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 . يرى هوبز ان الإنسان ليس اجتماعيا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل الا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد الا ان الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى الى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على ان يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد ان هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
ب- جون لوك john Locke 1632-1704 يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الالهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و اخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب اخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فاذا جاوزها الى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778 لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال الى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ ارادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الافراد فقط و لكن على اساس ان لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
3- نظريات اخرى
أ- نظرية الوحدة ل gelenick : يقول هذا الفقيه بان التقاء او تطابق إرادتين يمكن ان يحدث نوعان من العلاقات القانونية : العقد و الفيريبارونغ vereinbarung ، فالعقد هو توافق إرادات تريد كل منها الحصول على مصالح او أشياء مختلفة ، و لذلك فالدولة لا يمكن ان تنشأ بواسطة عقد لان الإرادات لا تتجه الى موضوع واحد فضلا على ان العقد ينشا وضعية قانونية ذاتية و ليست موضوعية كالدولة التي لا تكون الا نتيجة للفيرينبارنغ الذي يقصد به النتيجة المحصل عليها بفعل مشاركة عدة ارادات مجتمعة من اجل تحقيق هدف واحد مشترك هو إنشاء الدولة .
ب- نظرية النظام القانوني للفقيه النمساوي kelsen : ينطلق هذا الفقيه من فكرة ان الدولة هي نظام هرمي مركزي ، كل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاخرى الى ان تصل للدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سبقه ، هذا الاخير هو افتراض فقط بأنه موجود .
ج- نظرية السلطة المؤسسة للفقيه burdeau : يرى بان الدولة لا وجود لها الا اذا انتقلت السلطة السياسية من الجهة المسيطرة عليها (اشخاص طبيعية) الى كيان مجرد (شخص معنوي) فتنفصل الدولة عن الحكام و تندمج في التنظيم المجرد الدائم الذي هو الدولة ، ومن هنا فلا وجود للدولة الا حين تتحول السلطة من فعلية الى قانونية ، وهذا لا يكون الا بعمل قانوني يغير طبيعة السلطة السياسية و ينشئ الدولة ، هذا العمل هو الدستور .
د- نظرية المؤسسة لموريس هوريو : ينطلق من ان الدولة جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من افراد مسيرين من قبل حكومة و تهدف الى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي و ان تشكيلها يتم على مرحلتين ، الأولى تقبل الأفراد لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة مثقفة ، اما الثانية تتمثل في دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة في تحقيق المشروع لإقامة الدولة .
ه- البيعة في الإسلام : حاول البعض تشبيهها بالعقد غير انه هناك فرق في ان البيعة أسلوب واقعي لإقامة الدولة او تجديد و تغيير الحاكم ، والبيعة لا تتم الا على أساس ثنائية الطرفين و يعتبر الرضا ركنا جوهريا لصحتها ، والحاكم في الدولة الإسلامية يشترط فيه صفات خلقية و كذلك كونه بعد المبايعة و توليه الإمارة لا يتحصل على أي امتياز يجعله أحسن من غيره .
تعريف الدولة :
التعريف اللغوي :
الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا.
ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة ، وقد ورد لفظ الدولة في القرآن الكريم في قوله تعالى : كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ الآية.
– التعريف الاصطلاحي :
تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.