وجدناهم منهمكين في أداء عملهم، الانضباط والهدوء سيدا الموقف. فالخطأ غير مسموح، غير أن التركيز مطلوب، لأن الأمر يتعلق بوثائق مهمة، هي أوراق إجابات المترشحين لامتحان شهادة البكالوريا لهذه الدورة… فكل ثانية، دقيقة ولحظة جد مهمة في حياة الأساتذة المصححين طيلة فترة التصحيح، لأن مستقبل أزيد من 600 ألف مرشح بأيديهم.. هي لحظات قضيناها بأحد مراكز التصحيح بالجزائر العاصمة.
مغادرة المركز ممنوعة.. إلا برخصة
وصلنا في حدود الساعة الحادية عشرة ونصف إلى مركز التصحيح، دخلنا المركز فكان الهدوء يعم أرجاءه، مشينا بضع خطوات في ممر عريض مضيء بإنارة مضعفة، لتقابلنا أقسام التدريس في الطابق السفلي، التي تم تحويلها إلى قاعات للتصحيح، حسب المواد والشعب، غير أن المشهد الذي لفت انتباهنا أن الجميع كان منشغلا بأداء مهامه، وكل واحد منهم كان يضع بجانبه سلم التنقيط، خاصة بالنسبة إلى الذين باشروا عملية “التصحيح النموذجي”، فيما فضلت “النساء” تعليقه قبالتهم لتسهيل المهمة، في حين كان البعض الآخر منهم يستعدون للانطلاق في العملية بعد استلامهم لكيس الأوراق الذي عادة يضم بين 160 و180 ورقة إجابة. وفي حديث جمعنا ببعض الأساتذة المصححين أنهم قد أنهوا دراسة سلم التنقيط وتوزيع النقاط بحضور رؤساء لجان المواد، الذي شرعوا فيه أول أمس الأحد، لكي لا يكون هناك اختلاف في الرؤى عند انطلاق عملية التصحيح الفعلية، مؤكدين بأنهم قد شرعوا أمس في “التصحيح النموذجي”، الذي يكون بطريقة جماعية لاكتشاف الفوارق بين التصحيحين الأول و الثاني، في الوقت الذي أكدوا بأن الوثائق التي تصحح بصفة جماعية توضع جانبا في “بنك المواضيع” ولا يعاد تصحيحها.
وأضاف أحد المصححين أن التصحيح عادة ينطلق في السابعة صباحا، ويستمر إلى الثانية والنصف زوالا، غير أن هناك مصححين آخرين يفضلون الانطلاق في أداء مهامهم في ساعة مبكرة خاصة أساتذة العلوم الإسلامية، نظرا إلى أن هذه المادة تعد مشتركة بين جميع المترشحين في مختلف الشعب، في حين إن هناك أساتذة آخرين يفضلون إضافة ساعات للتصحيح لإنهاء العملية في ظرف قياسي. موضحا بأن الأستاذ المصحح ممنوع من مغادرة المركز إلا لأسباب طارئة وبترخيص يوقع عليه رئيس لجنة المادة ورئيس المركز.
وخلال الجولة التي قمنا بها بالمركز، اقتربنا من مصحح آخر، الذي صرح لنا بأن العلامات التي سجلها الأساتذة المصححون في ثلاث مواد مميزة لشعبة تسيير واقتصاد، وهي: قانون، مناجمنت واقتصاد، خلال “التصحيح النموذجي”، الذي يدوم يوما واحدا، تحضيرا للتصحيح الرسمي، أغلبها جيدة وممتازة، بحيث تحصل معظم المترشحين على العلامة 10 فما فوق، وهناك حتى من تحصل على العلامة 18 على 20، مؤكدا بأن تلك الأوراق التي صححت “بطريقة جماعية” لا يعاد تصحيحها لأنها قد خضعت لنفس معايير وهي تصحيحان اثنان، ليتم تحويلها إلى “بنك المواضيع”، فيما علق محدثنا على العلامات بأنها تبعث على الارتياح والتفاؤل بتحقيق نتائج جيدة في امتحان شهادة البكالوريا. في الوقت الذي أكد محدثنا بأنه لم يتم تسجيل فوارق بين التصحيحين الأول والثاني، على اعتبار أن الفارق في النقاط عادة ما يكاد يكون منعدما لدى المترشحين الممتازين والضعفاء.
وفي نفس السياق، أضاف محدثنا بأن المدة التي يستغرقها المصحح في تصحيح ورقة إجابة تتراوح بين 4 و5 دقائق، خاصة في الشعب العلمية، أين يستهلك المترشح أوراق إجابات كثيرة نظرا إلى طبيعة التمارين، خاصة في التصحيح الأول الذي يكون عادة أطول من الثاني، لأن المصحح قد لا يكون قد تعود على سلم التنقيط.
“التأشير” على ورقة المترشح وعلامات دفتر التنقيط ممنوع
وأكد مصحح آخر أن الأستاذ المصحح مطالب باتباع عدة خطوات في شكل تعليمات، وبالتالي فهو ممنوع من التأشير على ورقة إجابة المترشح حتى ولو كان التأشير بقلم رصاص، عدم نقل رقم الإغفال على المسودة، وتدوين علامات المترشح في المسودة وعند القيام بجمعها تنقل مباشرة على “دفتر التنقيط” الذي يتضمن عادة جداول، فكل علامة توضع في جدول معين. في الوقت الذي شدد محدثنا بأنه لا خوف على أوراق المترشحين لأن أي مصحح سيولي اهتماما كبيرا لأي وثيقة توضع بين يديه.
غادرنا، مركز التصحيح، وتركنا الأساتذة منهمكين في أداء عملهم، على اعتبار أن التصحيح الفعلي ينطلق اليوم، وقد أكدوا لنا بأن أي مصحح سيحافظ على الأوراق “كوثيقة رسمية” مهمة، أين سيراعي في التصحيح مصلحة المترشح بالدرجة الأولى، ليبقى المستفيد رقم واحد هو التلميذ، فحتى وإن كان خط المترشح رديئا ومبعثرا فإنه سيحصل على حقه حتى وإن بذل المصحح جهدا مضاعفا.