قالت وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط رمعون، أنا أمازيغية جزائرية عرّبها الإسلام ومسلمة، مؤكدة أنها استغربت كثيرا مستوى التلفيق والإنتقادات التي طالتها، ورفعت في هذا الحوار لجريدة الشروق من سقف تحديها لمنتقديها، عندما أكدت أن ليس بإمكان أحد أن يعقدها، لأنها لم تأت إلى الحكومة لتولّي منصب وإنما لأداء مهمة بعينها، تحدثت لـ »لجريدة الشروق« عن أصولها وكشفت أولوياتها على رأس القطاع، وتعهدت أن لا بكالوريا سياسية مادامت على رأس القطاع، ملمحة بثورة قادمة في المناهج والبرامج التعليمية، وفصلت في أمر العتبة التي وقّعت شهادة وفاتها هذه السنة بعد أن اعتبرتها السبب المباشر في نسبة الرسوب في السنة أولى جامعي التي تصل إلى 80 بالمائة، وتكشف لأول مرة مقترحات نظام الإنقاذ. وعن الدروس الخصوصية، قالت إنها واقع لن يغيره سوى ميثاق أخلاقيات المهنة، واعترفت أن الدروس الخصوصية، سوق تخضع للقاعدة الأساسية التي تحكم السوق، وهي قاعدة العرض والطلب.
بعد يومين فقط، سيكون قرابة نصف مليون تلميذ على موعد مع امتحانات البكالوريا، ما جديد امتحانات هذا الموسم؟
منظومة التعليم في الجزائر، تمكنت من اكتساب الخبرة في تنظيم الإختبارات النهائية للمستويات الثلاثة، ما يسمح لنا اليوم بالحديث عن آلة تحكمها ميكانزمات واضحة، خاصة بالنسبة لإمتحان شهادة البكالوريا، الذي نحرص أن لا تشوبه شائبة، ورهان قطاع التربية هذه السنة تلخص في تأمين امتحان البكالوريا، وهنا أفضل أن أقف قليلا لأقول أن سيناريو محاولة الغش، الذي شهدته بعض مراكز الإمتحانات في مادة الفلسفة لن يتكرر، فليس هناك من هو فوق القانون، وقد تعمدنا هذه السنة وضع مرفق يعتبر بمثابة الدليل مع وثيقة استدعاء المترشح، تضمنت قائمة بالمسموحات والمحظورات على التلاميذ، إلى جانب التحسيس بالعقوبة في حالة ضبط المترشح بمحاولة الغش، وهي العقوبة المتعارف عليها أنها تمتد إلى حرمان الطالب لمدة 5 سنوات، وهنا أفضل أن أنصح المترشحين بعدم رهن حظوظهم في محاولات أكيد أنها ستكون فاشلة.
تقصدون أنكم ستضربون بيد من حديد ضد أي محاولة غش؟
أقصد أن لا أحد فوق القانون، والجميع يجب أن يخضع للقانون، فبكالوريا الجزائر الوحيدة التي تؤطر من قبل مجموعة من الوزارات بما فيها وزارات سيادية كالداخلية والدفاع، أي أسلاك نظامية، وهنا أؤكد أنني زرت المركز الوطني لامتحان البكالوريا، وذهلت لدقة التحضيرات التي يشرف عليها الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات، بداية من كيفية إعداد المواضيع التي تستغرق أحيانا مدة سنتين والتي تأتي من القاعدة وتصل إلى القمة عبر مسار صحيح ينطلق من الثانويات ويعبر عبر مديريات التربية ويصل إلى المركز الوطني، وبعد تمحيص ودراسة، يتم الفصل في أمر مواضيع البكالوريا التي تشكل سببا لحجز 120 أستاذ بمركز الإمتحان إلى مدة تصل شهرا كاملا، وهذا لمحاربة الغش وإقرار مبدأ التكافؤ والمساواة بين جميع المترشحين.
إذا تؤكدون أن كل الثغرات أغلقت ولا مجال لأي محاولة غش؟
نحن من المجتمع الجزائري، نشأنا وترعرعنا على بعض التصرفات تعد في صلب مجتمعنا، تختصر في كلمة “اتهلّى” أي التوصية، وعندما تطبق القانون تصبح شخصا منبوذا عند أصحاب التوصية، لذا أؤكد أن لا محاباة ولا “أتهلّى”، والإجراءات العملية اتخذت، وسيرفع بكل مركز إجراء تعداد الحراس إلى ثلاثة، إلى جانب اعتماد ملاحظين للإستئناس بكل مركز إجراء، إلى جانب الوثيقة الجديدة التي تم اعتمادها لتسجيل عمليات مغادرة كل مترشح لقضاء حاجة أو الاستراحة، وأعتقد أن هذه الوثيقة ستقلص من محاولات المترشحين الخروج من القسم، كون الوثيقة التي يوقعها المترشح ومختلف المسؤولين بالمركز ممكنة الاستخدام في حالات الشبهة للتحقيق.
ما هي توقعاتكم لنسبة النجاح هذه السنة، وهل أنتم متفائلون؟
مستحيل أن نتوقع نسبة نجاح في امتحانات شهادة البكالوريا، وحتى وإن اعتمدنا على المؤشرات والمعطيات المتوفرة لدى الوزارة حول الموسم الدراسي، لن يمكننا التخمين، فالعملية ليست متعلقة “بكرة سحرية”، وإنما النتائج دائما متعلقة بالظروف المحيطة بالموسم الدراسي، وجهود المترشحين، وإن كانت المشكلة في السنوات الأخيرة تكمن في فرار المترشحين أو تلاميذ الأقسام النهائية من الثانويات نحو مراكز الدروس الخصوصية، وأحيانا الغياب عن الثانوية يكون السبب الرئيسي في عدم تلقي الدرس، كون الدروس الخصوصية وحدها لا تكفي، وهنا يقع الإشكال في عدم تطابق المقرر الدراسي والعتبة التي تشكل مرجعية تحديد مواضيع الامتحانات للمترشحين، ويضع هنا التلاميذ أنفسهم في ورطة بسبب الغياب عن المدرسة، ولو كانت بحسن نية، وليس بسبب الإهمال إعتقادا منهم أن الدروس الخصوضية ستمكنهم من التحضير الجيد.
أطراف أحيانا تصف نتائج البكالوريا بالسياسية، هل نتائج هذه السنة ستكون سياسية؟
البكالوريا هو أهم عقبة يجب أن يجتازها التلميذ بسلام، وهنا أتعهد أن النتائج ستكون فعلية وحقيقية، وكل من عمل وجدّ سيحصل على الشهادة، وفقا للمعايير التي تحكم هذا الامتحان، وأهمها المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المترشحين، ولا مجال للسياسة في البكالوريا ولا المدرسة ولا جميع الامتحانات.
بالعودة إلى الدروس الخصوصية، هل بإمكان الوزيرة أن تقضي عليها؟
هنا لا مجال للتغليط ولا للمزايدة، الدروس الخصوصية هي واقع وسوق، تخضع لنفس المبدأ الذي يحكم السوق وهو العرض والطلب، ومادام هناك طلب فالعرض سيبقى قائما ويتزايد، ومادام التلميذ بحاجة إلى تلقين، وبقينا أسرى منهج التعليم الحالي ستستمر الدروس الخصوصية.
سابقكم على رأس القطاع وعد بالعودة إلى نظام الإنقاذ، هل تعتقدون بجدوى ذلك؟
للتو استلمت الوزارة، وأنا أؤمن أن المقاربة التشاركية أفضل طريقة للعمل، ملف الإنقاذ شكل لأجل دراسته وأبعاده لجنة عمل وضعت نصب عينيها، مجموعة من الفرضيات منها الإنقاذ عند معدل معين أو اعتماد دورة إستدراكية أو ما يعرف بدورة ثانية للبكالوريا، كما تضمنت الفرضيات إمكانية تنظيم دورة واحدة على سنتين، إلى جانب فرضية أخرى تتعلق بإعتماد وثيقة تقويمية لمسار التلميذ في المرحلة الثانوية تشكل دعما، وهي مجموعة من الفرضيات ستوسع الإستشارة فيها على كل الشركاء، بما في ذلك أولياء التلاميذ، ولم لا التلاميذ ايضا، لأن دراسات أجريت أكدت أن التلميذ على مختلف مراحل عمره واع، وبالإمكان إشراكه أو على الأقل الإعتماد على رغباته.
ما رأيكم في نظام العتبة، ولماذا تعتقدون أن هذا النظام أخفق في تحقيق أهدافه؟
نظام العتبة أخفق وأتبث عدم نجاعة، وأستطيع أن أقول أنه في الفترة القصيرة التي التحقت بها بالوزارة، ولقائي 10 نقابات تنشط في القطاع، هناك إجماع من الأسرة التربوية وجميع شركائها أن نظام العتبة ضرب مصداقية البكالوريا في الصميم، ولم يعط أي نتائج، وعندما تفرض العتبة يعني إسقاط دروس من المقرر، كيف لتلميذ مثلا لم يتلق درس المتتاليات أن يواصل دراسته الجامعية، ودليل آخر على إخفاق نظام العتبة نسبة الرسوب في السنة الأولى جامعي يتراوح بين 70 إلى 80 بالمائة، وهذه نسبة تستدعي أن نقف عندها وندق ناقوس الخطر.
تقصدون أن زمن العتبة انتهى وولّى؟
أتعهد أن لن تكون عتبة السنة المقبلة، والمفاوضات مع النقابات يكاد يكون مفصولا فيها، والمحضر ومطالب الأساتذة قيد التجسيد ولن نجد أي مشاكل مع شركائنا من نقابات في الدخول المدرسي القادم، لأنه أعتقد أن كل المشاكل تكون قد أنهيت.
كنتم ضمن تشكيلة لجنة بن زاغو لإصلاح قطاع التربية، لو طلبنا من الوزيرة تقييما للقطاع اليوم، ماذا تقولون؟
فعلا، كنت ضمن لجنة بن زاغو التي جمعت العديد من الأطياف، وكانت ثرية جدا في مكوناتها، من باحثين إلى بيداغوجيين إلى سياسيين إلى فئات أخرى، كلها ساهمت في تقرير اشتغلنا عليه لتسعة شهور، إلا أن تطبيقه على الواقع لم يتم، واكتفينا فقط بتطبيق هوامش الإصلاح دون الذهاب إلى عمق الإصلاح حفاظا على توازنات معينة، فالتخوف من ردود الأفعال والنتائج يحبط الإصلاح، وهنا أقول لا يوجد إصلاح دون مقاومة، ولا إصلاح دون غضب بعض الأطراف، ولا إصلاح دون تأطير فعلي وعملي، والعمل على مجموعة من المعايير معروفة دوليا، ومع ذلك أرفض مصطلح إصلاح الإصلاح، وهناك فوج عمل يعمل على ذلك، وستكون ندوة وطنية شهر جويلية القادم، وما انتهت إليه اللجنة سيشكل مشاورات مجتمع ليس مشاورات قطاع فقط.
أشيع أنكم كنتم من الرافضين للغة العربية في لجنة بن زاغو، هل هذا صحيح؟
أبدا، لم أكن ضد اللغة العربية بالمفهوم الإجمالي، وأنا من المدافعين أن العربية اللغة الأم، واللغة الأساسية في التعليم، إلا أن بعض الملاحظات وبعض الإنتقادات مني في تفاصيل الأمور، وكيفية التلقين، وتحبيب التلميذ فيها إلى جانب انفتاحه على اللغات الأخرى أثارت زوبعة ضدي.
ما هو تصوركم للقطاع، وما هي أولوياتكم؟
أعتقد أن مجموعة من المحاور أو الخطوات وهي ثلاثة تعد بمثابة عماد الإصلاح، أولها إعادة النظر في صياغة المناهج المدرسية والكتب، وثانيها مواصلة عملية التكوين والتأطير وتلقي المعارف، وآخرها الحكامة، فالإصلاح بدون مخطط نموذجي وتأطير ليس إصلاحا، والتصحيح بدون تكوين ودون مراعاة الجانب الدينامكي والمهنية لن يكون إصلاحا، والإصلاح هو خطوات تكاملية وتجانسية، التجانس والمقاربة بالمشاركة والأخذ بعين الإعتبار آراء الشركاء من أساتذة ونقابات وأولياء التلاميذ ضرورة.
أثار تعيينكم على رأس القطاع ضجة في الداخل والخارج، حول أصولكم، ما صحة حما تم الترويج له عن أصولكم اليهودية؟
بلغني ذلك، وتابعت بأسف ما قيل عن أنني يهودية، وأنا أرفض أن أنزل إلى هذا الحضيض في المستوى، لست يهودية، أنا عربية أصولي أمازيغية، مثلي مثل أي جزائري، وأؤكد أنا جزائرية مسلمة، أجمع بين هذا المزيج الذي يشكل جزائرية أي واحد منا في الداخل والخارج، من نعتوني باليهودية الأصول تعمدوا أن يهملوا أنني حفيدة بن غبريط، مؤسس ومنشئ مسجد باريس في سنة 1920م، وكان رجلا عظيما، ومغاربي الأبعاد، جزائري المنشأ، درس بتونس، وعمل بالمغرب، وتوفي ودفن قرب المسجد الذي شيده خدمة للدين وتخليدا للجزائريين.
تأثرتم للحملة التي طالتكم حول أصولكم اليهودية؟
أنا أبدا لم أتأثر بالأمر، وأنا أقولها وأكررها “لن يعقدني أحد”، ولدي من التكوين والمعارف والدراية وصقل الشخصية ما يكفي ليحصنني من أي تأثير، وإنما ما حزّ في قلبي صدمة أحفادي، وبكل صراحة المجتمع ينتظر لغة الصدق والوضوح وليس لغة الضرب تحت الحزام.
طالتكم حملة بسبب لكنتم في اللغة العربية، وعدم تحكمكم فيها، ماذا تقول الوزيرة؟
أظن أن موضوع اللغة العربية يجب أن يكون بعيدا عن الديماغوجية والأيديولوجية، وليس لأن الشخص يختلف معك في موضوع ما يعني تكفيره أو جعله هدفا لك، وأرفض خطابات الـسبعينات، أنا في منصبي كوزيرة كلفت بمهمة، يجب احترام الإنتقادات ووجهة نظر الآخر، والرأي الآخر لم يكن أبدا سلاحا يشهر في وجه الآخرين، هناك نضج في المجتمع، أنا لم أعط ظهري يوما لبلدي، وفي وقت كان البعض يدرس أبناءه بالخارج، ليس لدي أي عقدة سواء كانت اللغة العربية أو غيرها، المهم أن تجسد البرامج والأهداف، أبنائي تعلموا بالمدارس الجزائرية وتحديدا المدرسة العمومية وتخرجوا من جامعات جزائرية ولا مجال ليزايد عليّ أحد.
مسقط رأسكم سيدتي من تلمسان، وهناك أقاويل طويلة وعريضة عن تمثيل هذه الولاية التي ينتمي إليها الرئيس في الحكومة، ألا يحرجكم التعيين بمثل هكذا عامل جهوي؟
ممكن الحديث عن الجهوية عندما تغيب الكفاءة، إلا أنني أعتقد أنه من السذاجة والأحكام غير المؤسسة والحجج الواهية أن تعطى مثل هذه القراءات والإتهامات، لعملية الإختيار، ولماذا يأتي تعييني مؤخرا فقط، وأنا كنت موجودة طيلة السنوات القادمة بالبلد وأمام أعين الرئيس، أقول لأصحاب هذه الإتهامات الواهية التي لا دليل لها أن الكفاءة لا تترك مكانا للجهوية، لأنها أقوى وأبقى منها، ونطلب أن يمهلونا فقط حتى نبين بالدليل والحجة أن معيار الإختيار كان الكفاءة، نحن من جيل نؤمن بالوطن، ونؤمن بالمساواة بين جميع مكوناته من الشرق والغرب والشمال والجنوب.