يواصل، المدير العام السابق للديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، علي صالحي، في الجزء الثاني من الحوار، تقديم شهاداته حول الامتحانات الرسمية لاسيما امتحان شهادة البكالوريا، التي وصفها “بجهنم”، ومعاناته سنوات الجمر، حيث حاول الإرهابيون اختطاف ابنه، والتهديدات التي كان يتلقاها يوميا بتصفيته جسديا، ورغم ذلك لم يتراجع واختار مواصلة مشواره المهني..”جنرال” الامتحانات صالحي تطرق أيضا إلى “نظام الإنقاذ” وكشف لنا بأن الوزير بن بوزيد اقتنع بمشروعه لكنه غادر الوزارة فيما بعد، وأمور أخرى ستطالعونها في هذا الحوار
تعرضت لضغوطات كبيرة سنة 2013، لما تورط نحو 4 آلاف مترشح في ممارسة الغش الجماعي في اختبار مادة الفلسفة شعبة الفلسفة، ما حدث آنذاك بالضبط؟
كل شيء نتساهل معه إلا قضية الغش في الامتحانات، خاصة إذا تعلق الأمر بامتحان شهادة البكالوريا، بتطبيق القوانين لا غير، ولو تساهلنا لكانت البكالوريا قد فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد، أما الذين خدعوني ولم أتفطن لخداعهم، لن أسامحهم إلى يوم القيامة، المهم، يوم الحادثة أي في اليوم الثالث من امتحان شهادة البكالوريا، اتصلت بالوزير بابا أحمد عبد اللطيف، ونصحته بتأجيل التصريح لوسائل الإعلام إلى غاية الإعلان عن نتائج البكالوريا، وهو بالفعل ما حدث، وحينها أعطيت تعليمة بعدم تصحيح أوراق إجابات هؤلاء المترشحين الذين ثبت تورطهم في الغش الجماعي في اختبار مادة الفلسفة، وتصنيفهم ضمن قائمة الغشاشين بتطبيق عقوبة الإقصاء لمدة 5 سنوات كما ينص عليه قانون البكالوريا، لأنهم مترشحون متمدرسون، وذلك بناء على تقارير الأساتذة الحراس، الذين أكدوا بأن هؤلاء المترشحين قد مارسوا الغش الجماعي والمنظم باستعمال الهواتف النقالة وأمور أخرى مع إحداثهم للفوضى وخروجهم للساحة.
ألا تعتقدون سيدي بأنكم قد ظلمتم بعض المرشحين؟
لم نظلم أحدا، لأن الغش مورس بطريقة جماعية ومنظمة، فحتى الذين لم يستخدموا الهاتف النقال للاتصال بمن هم خارج المركز فقد غشوا بطرق أخرى، إلى درجة أن الأساتذة الحراس قد عجزوا عن التحكم في الوضعية، وبالتالي لم يكن بوسعنا القيام باستثناءات.
تحدثت عن 5 سنوات إقصاء، كيف تقلصت العقوبة إلى سنتين فقط؟
فعلا أنا اتخذت قرار بإقصاء هؤلاء الغشاشين مدة 5 سنوات، حسبما ينص عليه القانون، ولكي لا تفقد الشهادة مصداقيتها، لكن ما حدث أن وزير التربية بابا أحمد عبد اللطيف آنذاك، وبعد صدور القرار اتصل بي عقب استقباله لبعض المترشحين الذين احتجوا على قرار الإقصاء، وطلب مني فتح باب الطعون أمامهم، أخبرته حينها أنه لا يوجد شيء اسمه طعون في البكالوريا، لكنني أوضحت له بأن هناك إجراء آخر يمكن اتخاذه يتمثل في مراجعة العلامات، غير أن الغريب في الأمر أن الوزير قام بتشكيل لجنة أعتبرها موازية، لأن التحقيق في الغش قام به الديوان وأشرف عليه وفصل فيه طبقا للقوانين، والأغرب من كل هذا أن الوزير لم يشرك الديوان في التحقيق، لتشرع تلك اللجنة في عملها الذي استمر أكثر من شهر، بعدما طلبوا مني الوثائق وسلمتها لهم، والله لم أكن راضيا في قرارة نفسي عن تلك اللجنة، لأنه في تلك الحالة أصبح الديوان متهما، لتقترح تلك اللجنة في آخر المطاف على الوزير تقليص مدة العقوبة من 5 سنوات كاملة إلى سنتين، ووافق على مقترحهم وهو ما تم تطبيقه على أرض الواقع.
كيف كانت علاقتك بالوزير السّابق عبد اللطيف بابا أحمد الذي عمر بالقطاع 19 شهرا؟
علاقتي بالوزير بابا أحمد كانت عادية جدا، كان منطويا على نفسه، لا يستدعيك لمناقشتك أو لاستشارتك في أي أمر كان، فحتى عند وجود مشاكل لا يتصل بك، وحتى إن اتصل فإنه في كل مرة كان يستخدم وسائط، فكنا نتلقى التعليمات ونبلغ بالقرارات عن طريق رئيس الديوان المعين بالنيابة.
هل سلسلة القرارات التي اتخذها بابا أحمد المتعلقة بالإقالات والإحالات على التقاعد كانت صائبة و منطقية أو أنها مجرد قرارات “ارتجالية” لأنه كان في كل مرة يحيل شخصا على التقاعد أو بالأحرى يقيله لا يقوم بتعويضه؟
القرارات التي اتخذها آنذاك قد أحدثت اختلالا في الوزارة، لأن تسيير مصالح بمديرين مهمة صعبة “وياربي تمشي الأمور”، فما بالك بمديريات من دون مديرين وأخرى تسير بالتكليف، ورغم ذلك فالأمور تخصه لوحده كوزير.
صحيح أنك جددت استقالتك 5 مرات، بن بوزيد رفض ذهابك وغادر الوزارة قبلك، وبابا أحمد وافق عليها ووقعها؟
صحيح، جددت استقالتي 5 مرات، بمعدل مرتين في السنة، وفي مرات عديدة كنت أطلب الذهاب إلى التقاعد، وفي عهد الوزير السابق بابا أحمد عبد اللطيف قدمت الاستقالة 3 مرات، ومرة واحدة للأمين العام السابق، دون ذكر المرات العديدة التي قدمت فيها استقالتي شفويا، وما أرغب في قوله أنني أتذكر جيدا اليوم الذي تم فيه تسليم المهام للوزير بابا أحمد عبد اللطيف، سنة 2012، حين أخبر الوزير الأسبق أبو بكر بن بوزيد الوزير بابا أحمد بحضوري وحضور إطارات الوزارة، بأنني أرغب الذهاب إلى التقاعد ونصحه آنذاك بأن يمنعني من الذهاب، وبعدما استلم بابا أحمد مهامه لم أرغب في فتح ملف تقاعدي معه، انتظرت قليلا، أكملت السنة حضرت للامتحانات الرسمية، وانتظرت حتى الإعلان عن النتائج، وفي منتصف شهر جويلية 2013 بعثت المراسلة رقم 01 للوزير أطلب فيها إحالتي على التقاعد وشرحت له في 6 أوراق الأسباب، لم أتلق أي إجابة، وفي شهر ديسمبر وجهت له مراسلة رقم 02، جددت فيها طلبي، لكنني للأسف لم أتلق أي رد، لأوجه له مراسلة رقم 03، ومباشرة بعد تلك المراسلة استدعاني رئيس الديوان بالنيابة وطلب مني التراجع عن قرار التقاعد واستكمال الموسم الدراسي 2013/2014، لكنه وبتاريخ 15 جانفي أعلمني رئيس الديوان بأنه قد تم تكليف إبراهيم عباسي لتسيير الديوان بالنيابة، فرحت لأنني فعلا تعبت، وسلمت عباسي كل شيء، الملفات، الوثائق حتى مفاتيح السيارة، وبقيت أنتظر صدور قرار إحالتي على التقاعد لأنني عينت بمرسوم إلى غاية أن صدر إنهاء مهامي في الجريدة الرسمية شهر ماي.
هذا يدفعني للقول بأن علاقتك ببابا أحمد كانت متوترة؟
لا يناقش أحدا ولا يستدعي أحدا، والدليل على ذلك أنني وجهت له ثلاث مراسلات فلم يرد علي ولم يستدعني حتى، بل كان يكلف رئيس الديوان للاتصال بي.
بكالوريا الجزائر، في أي خانة تصنفها؟
شهادة البكالوريا الجزائرية معترف بها في كل الدول، لمصداقيتها، لأنه بإمكان الطلبة التسجيل بالشهادة في أي جامعة، وهذا لا يعني بأنه لا توجد نقائص، فالنقائص موجودة حقيقة وعملنا لتحسينها، لأن المشكل الأول والأخير الذي كنا نواجهه في امتحان شهادة البكالوريا هو الأساتذة الحراس، لأن بعضهم لا يؤدي عمله على أكمل وجه، ففي كل موسم دراسي كنا نصطدم بعدم اهتمامهم ولامبالاتهم، لذلك اتخذت عديد الإجراءات، فرفعت عدد الحراس بالقاعة الواحدة من حارسين اثنين فقط إلى 5 حراس، ثم قمت بإضافة حراس مساعدين ولجأت بعدها إلى فئة الملاحظين الذين كنا نستقدمهم من ولايات أخرى، وفعلا لعبوا دورا هاما في تحسين الوضعية بمراكز الإجراء، لأن الأمور بمراكز التصحيح والتجميع كانت تسير بطريقة جيدة ولم نسجل يوما تجاوزات.
بالعودة قليلا إلى الوراء وبالضبط سنة 2008، وفضيحة تزوير شهادة بكالوريا، آنذاك تم اتهام أخيك الذي كان يشغل رئيس مصلحة التمدرس والامتحانات بمديرية التربية للجزائر شرق بالتواطؤ في عملية التزوير، فما تعليقك؟
منذ نحو 7 سنوات، أخبرني وزير التربية الوطنية الأسبق أبو بكر بن بوزيد، آنذاك بأنه تم اكتشاف شهادة بكالوريا مزوّرة منحت لأحد المترشحين، على مستوى مديرية التربية للجزائر شرق، الذي تم إنجاحه رغم أنه راسب، وأن والدة المترشح الراسب هي من أخبرت الوزير لأنها لما توجهت إلى الجامعة لتسجيل ابنها، لم تقبل منها لأنهم اكتشفوا بأنها مزورة، وحينها نصبت لجنة للتحقيق في القضية، ومباشرة قمت برفع دعوى قضية ضد الشخص المزور الذي أبلغت عنه تلك السيدة، وقدمت ملفا كاملا للعدالة، لأن القضية تمس بشخصي كمدير للديوان والديوان كهيئة رسمية، وقد تم استدعاؤنا وتم التحقيق مع الجميع بمن فيهم أنا، وبخصوص أخي فأنا لم أتهمه ولم أبرئه، لأن العدالة قالت كلمتها وفصلت في القضية وحكمت على الشخص المزور بـ3 سنوات حبسا نافذا، وأما أخي فحكمت عليه المحكمة بسنة حبسا غير نافذ.
بابا أحمد قبل ذهابه كان قد أعلن عن العودة لنظام الإنقاذ، لكنه غادر الوزارة ولم يحقق رغبته، فهل أنت من المدافعين عن الإنقاذ أو أنت ضده؟
قبل الحديث عن نظام “الإنقاذ”، أود التطرق للمشروع الذي أعددته في عهد وزير التربية أبو بكر بن بوزيد، وكان الهدف منه إعادة النظر في امتحان شهادة البكالوريا، والذي تضمن شقين اثنين، فالشق الأول هو إجراء الامتحان في سنتين أي على مرحلتين، فالبكالوريا الأولى تجرى في السنة ثانية ثانوي في المواد الثانوية حيث يتم الاحتفاظ بتلك العلامات، على أن يتم إجراء البكالوريا الثانية في السنة الثالثة ثانوي في المواد الأساسية فقط وحتى الدروس التي تمنح للمترشحين تشمل فقط المواد الأساسية، على أن يتم جمع العلامات المسجلة في السنتين الأولى والثانية، ومن يحصل على معدل 10 فما فوق يعد ناجحا، وأما الذين يحصلون على معدل بين 9 و9 .99 على 20، يجتازون “دورة استدراكية”، في مادتين اثنتين فقط، على أن يتم الإعلان عن تلك المادتين يوم إجراء الامتحان ليكون بإمكان التلاميذ الذين حققوا نتائج ضعيفة تحسين مستواهم بالمراجعة، وفي هذه الحالة فالتلميذ ينجح بمجهوداته وفقط، وبهذه الطريقة يمكننا الرفع من نسبة النجاح وتحسين النوعية، لأن التلميذ يتلقى دروسه في المواد الأساسية في الفترة الصباحية فقط، وأما الفترة المسائية تخصص فقط لدروس الدعم ومساعدة التلاميذ الذين يواجهون مشاكل في فهم ومتابعة الدروس، بحضور أساتذتهم بصفة إجبارية.
لكن ما أود الإشارة إليه هو أنني عرضت المشروع على بن بوزيد وكان تقريبا مقتنعا به، إن لم أقل أنه أصبح مقتنعا به، ولو ظل وزيرا للتربية الوطنية كنا سنبدأ فيه، ورغم ذلك ولما جاء بابا أحمد للوزارة قدمت له نسخة عن المشروع لكنه ظل حبيس الأدراج ولم ير النور لحد تاريخ اليوم.
وبخصوص الإنقاذ، أنا من المدافعين عنه، لكن تطبيقه لابد أن يخضع لمجموعة من الشروط، أبرزها إجراء الدورة الاستدراكية للمترشحين الحاصلين على معدل بين 9 و9.99 من 20، لكن للأسف لم أحصل على أي رد من قبل الوزير بابا أحمد عبد اللطيف لا بالرفض ولا بالقبول.
ما هي المحطات التي ستظل عالقة وراسخة في ذهن جنرال البكالوريا بعد 40 سنة من العطاء بلا حدود؟
يبتسم، يتوقف عن الحديث للحظات..يتنهد، ثم يجيب، صعب جدا العمل في ديوان للمسابقات والامتحانات وأنا قضيت فيه 21 سنة، خاصة بالنسبة للشخص الذي يعمل بحب وإخلاص، كنت ألتحق بمكتبي بالديوان في حدود الساعة السادسة صباحا وأكمل عملي في الساعة السابعة مساء، لأن الاجتماعات التي كنا نعقدها تبدأ على الساعة الواحدة وتستمر إلى غاية الخامسة مساء، فلم نكن ننام، وكنت لما أزور رئيس ديوان الوزارة السابق أحسن لاغا كان يقف ويقدم لي تحية عسكرية كيف وهو الذي كان يلقبني بالجنرال، يتنهد مرة أخرى.. طيلة مشواري وأنا مدير للديوان، استفدت من عطلة سنوية مرتين فقط، وأحيانا عطلتي السنوية لا تتجاوز يومين، وأما سائر الأيام فكنت أشتغل ليلا ونهارا بلا توقف، وفي إحدى السنوات دخلت المستشفى وأجريت لي عملية جراحية، فاضطررت حينها التوقيع على بعض الوثائق المستعجلة وأنا على السرير بالمستشفى، كذلك حادثة أخرى ستظل عالقة بذهني سنوات التسعينيات أو سنوات الجمر، فلا يمكن أن أمسحها من ذاكرتي، ذلك اليوم الذي حاول فيه الإرهابيون خطف ابني فكنت يوميا أتلقى تهديدات بالقتل وفي كل مرة كنت أغير فيها رقم الهاتف الأرضي إلا وكان الإرهابيون يحصلون عليه، فلم يتوقفوا عن تهديدي وتهديد عائلتي، والحمد لله ربي ستر ووصل بهم الأمر في يوم من الأيام إلى الاتصال بعائلتي وأبلغوهم بأنهم قد قتلوني، ويومها كنت قد خرجت من المنزل لزيارة أحد أصدقائي وفي طريقي إليه التقيت بصديق آخر لي وأخذنا الوقت، فلم أصل إلى منزل صديقي في الموعد المحدد، ولحظتها اتصل الإرهابيون بمنزلي وأخبروا زوجتي وأولادي بأنهم قد قضوا علي، فقامت عائلتي بالاتصال بصديقي ليخبرها بأنني لم أزره، ولك أن تتصوري ما حدث يومها، صراخ، بكاء ونواح، حتى دخلت عليهم فلم يصدقوا بأنني حي أرزق. والله تعذبت كثيرا سنوات الإرهاب.
ألا تحن إلى أيام الديوان؟
في السنوات الأخيرة كنت أتمنى آلاحالة على التقاعد، لأنني تعبت كثيرا، ولم أصدق اليوم الذي قام فيه الوزير بابا أحمد بتعيين عباسي على رأس الديوان، فأوجه الشكر له لأنه وافق على تقاعدي، ووقع على طلب إحالتي على التقاعد.
لو طلبت منك في يوم من الأيام الوزيرة الجديدة نورية بن غبريط العودة إلى القطاع لتولي منصب مدير ديوان الامتحانات والمسابقات، فهل ستقبل؟
قبل أن أجيبك على سؤالك، بودي أن أقول بأن الوزيرة الجديدة لم أشتغل معها، فقبل مجيئها كنت قد غادرت الوزارة، بعد صدور قراري في الجريدة الرسمية، وبعد أيام قليلة من تنصيبها وصلتني دعوة لتكريمي مع 10 من إطارات الوزارة المتقاعدين، قبلت الدعوة وبالفعل قامت بتكريمي، وبالمناسبة أوجه شكرا خاصا لها عما بدر منها، وبارك الله فيها، لأن التكريم قد أثر فيّ فعلا، فأناس كثيرون اشتغلت معهم ولم أسمع منهم حتى كلمة شكر ولا كلمة طيبة.. يتوقف عن الحديث ثم يواصل..أنا لم أشتغل مع الوزيرة ورغم ذلك تذكرتني وكرمتني على مجهوداتي، واغتنمت الفرصة وأخبرتها بأنني تحت تصرفها في أي وقت تطلبني، وتحتاج إلي ليس كمدير للديوان وإنما لتقديم الاستشارة والنصائح ومن دون مقابل.
هل غادرت الديوان بعد 21 سنة من العطاء بأجر محترم؟
لا يهم الراتب، لأن ظروفي المادية قبل التحاقي بالديوان كانت حسنة، فراتبي كمدير للديوان الوطني للامتحانات والمسابقات أقل مرتين من راتب نائب مدير في الوزارة، ولو كنت أبحث عن الثراء لما قبلت أن أشتغل كمدير للديوان طيلة هذه السنوات.