رغم إصدار وزارة التربية الوطنية، مرسوما ينص على حظر الدروس الخصوصية، إلا أن هذه الظاهرة مستمرة والإقبال عليها متزايد من التلاميذ والأساتذة على حد سواء. إذ ثمة عوامل عدة جعل المرسوم الوزاري غير قابل للتطبيق، على الأقل في الوقت الراهن، ومن ذلك وجوب صدور نصوص تطبيقية للمرسوم، واستحداث آليات عملية تتيح للجهات المعنية بتنفيذه التحرك. إضافة إلى أن تلك الجهات، سيما مصالح الأمن، لم تتلق أية تعليمات بهذا الخصوص. وفي ظل تمسك الأولياء والأساتذة، بالدروس الخصوصية، فإنه من الصعوبة بمكان، مسح هذه الظاهرة من المعادلة التربوية.
وزارة التعليم الموازية من دون وزير .. أساتذة يعترفون:
“أبناء وزراء ورجال أمن ومديري تربية يتزاحمون على الدروس الخصوصية”
بالرغم من أن وزارة التربية الوطنية، جمدت مؤقتا المرسوم المتعلق بمنع ممارسة الدروس الخصوصية من طرف الأساتذة والمعلمين، في كل الأطوار التعليمية، إلا أن مجرد إثارة هاته القضية التي دخلت المجتمع بقوة وصارت أمرا واقعا ارتضاه الجميع وغرق في أوحاله يعد نقطة نحو غما تقنين هذه الظاهرة أو إزالتها نهائيا، رغم أن ما زرع في عهد وزير التربية السابق السيد أبو بكر بن بوزيد عندما صارت الدروس الخصوصية وزارة تربية موازية، لا تبدو له أغصان حان قطافها.
الأولياء يشتكون.. ولكنهم جميعا ضد قرار الحظر
على بعد ساعات عن عطلة نوفمبر الفارطة، وهي أول الفرص للأساتذة، لكي يضعوا الطلبة على سكة الدروس الخصوصية، رغم التحذيرات التي تحاول توقيف هذا الغول الذي التهم الأموال والوقت، وقطع نهائيا شريط الثقة بين الأستاذ وتلميذه، حيث صار المعلم يرى تلميذه مبلغا ماليا وصار التلميذ يرى أستاذه مستغلا وجشعا، واشتد البحث على مشارف عطلة نوفمبر 2013 عن معلم أو أستاذ للابن أو الابنة، وهو ما يشجع الأساتذة الذين صاروا يمارسون في مجملهم هذه المهنة الموازية، التي يقدمون فيها حقيقة ما يملكون وليس ما يقدمون في الأقسام، والأمرّ أن المستوى التعليمي في انحدار منذ أن أصبحت الدروس الخصوصية وزارة تعليم قائمة بذاتها من دون أن تنضم للحكومة، وقليلون هم الأساتذة والتلاميذ الذين يدخلون في عطلة نوفمبرية مدفوعة الأجر من وزارتهم فقط دون الخوض في الدروس الخصوصية، إذ دبت منذ بداية العطلة الحركة بشكل كبير في المدارس الموازية التي قدمت على مدار أسبوعي التوقف للتلاميذ دروسا خصوصية وطبعا بمقابل، عرف ارتفاعا كبيرا منذ سبتمبر 2013، وحتى حكاية 800 دج التي كانت مخصصة للتلميذ الواحد تبخرت الآن وارتفع عدد التلاميذ في القسم الواحد لينافس الأقسام العادية، ومن النادر أن نجد الآن تلميذا واحدا لا يدعم نفسه بالدروس الخصوصية، حتى في المدارس الابتدائية، رغم أثمانها الغالية خاصة بالنسبة للعائلات الكثيرة العدد، حيث هناك أرباب أسر يخصصون مرتبا كاملا للدروس الخصوصية لأبنائهم يقارب 15000 دج شهريا .
البداية كانت في سنوات “الصحوة الإسلامية”
إذا كانت الدروس الخصوصية قد بدأت بمجانيتها في زمن الصحوة الإسلامية أواخر السبعينات داخل المساجد فإنها تحولت الآن إلى المساكن وفي المستودعات في الصباح وفي المساء وحتى في الليل هي أزمنة مختلفة تستغل للدروس الخصوصية، التي تميزت هذا العام بكونها بدأت منذ شهر رمضان المنقضي، ولأن الدروس الخصوصية هي الممنوع المسكوت عنه فالأساتذة صاروا الآن يمارسونها من دون أي حرج أو خوف، وكل الذين سألناهم عن المرسوم الوزاري في عهد بابا أحمد عبد اللطيف بدوا غير مهتمين إطلاقا ومقتنعين أنه كلام للاستهلاك وقالوا أن مدراء التربية وحتى الوزراء والولاة ورجال الأمن يدفعون أبناءهم لتلقي الدروس الخصوصية التي صارت مثل الإدمان أو الشر الذي لا بد منه، وهم مقتنعون أن صيحة الوزارة وعزمها على محاربة الظاهرة سيمر من دون أدنى تأثير، خاصة أن أبناء كل الجزائريين يلجؤون إليها، ولا يجدون أي إشكال في دفع الأموال لأجل أن يتفوق أبناؤهم وهم الذين ساهموا في التهاب أسعارها وشيوعها حاليا في كل المواد التعليمية بما في ذلك المواد التي لم تكن تجلب الشغف مثل الاجتماعيات من تاريخ وجغرافيا وحتى أساتذة الألمانية صاروا يقدمون دروسا خصوصية وحوّلوها إلى مدارس موازية ومنظومة تربوية قائمة بذاتها، لكنها تختلف عن المنظومة التربوية الرسمية في كونها فوضوية وتمارس بعيدا عن قوانين التأمين وأحيانا في مستودعات غير آمنة، أما عن الأسعار فإن بعض الأساتذة يطلبون من التلميذ الواحد إذا أراد ولي أمره أن يخصه لوحده بدروس الدعم ما لا يقل عن 6000 دج في الشهر، أما بالنسبة لعامة الناس فهي حاجة إجبارية لدى التلاميذ، من جميع الفئات والأطوار التعليمية، وبعد أن كانت تقتصر على أقسام النهائي، بالنسبة للمقبلين على شهادة التعليم المتوسط أو البكالوريا، امتدت لتشمل تلامذة الصف النهائي من التعليم الأساسي، ثم ما لبثت أن اكتسحت جميع الأقسام، من الصف الأول ابتدائي إلى النهائي في الثانوي، بسبب مراوغة بعض المعلمين والأساتذة، الذين ساهموا في أن تتحول هذه الظاهرة إلى برنامج تربوي موازي قائم بذاته، شعاره، من شارك في الدروس الدعم ينجح، والبقية مصيرهم مجهول .
قناعة تامة باستحالة تطبيق المرسوم
يشار إلى أن الظاهرة اكتسحت الأرياف والقرى والمداشر، التي افتتحت فيها اصطبلات وڤراجات لتقديم دروس الدّعم، وسط غياب تام لكل ما له علاقة بالظروف التربوية، ومنها انعدام كلي للتدفئة، وحتى المراحيض، وغيرها من الأمور الضرورية التي يعتبرها الأساتذة تافهة، مادام همهم الوحيد، كيفية اقتطاع ميزانيات ضخمة، من أجور أولياء التلاميذ، على حساب الضمير المهني، ويفرض بعض المعلمين، أسعارا تتراوح ما بين الـ800 و5000 دينار في الشهر، للمادة أو المقياس الواحد، وهناك من التلاميذ من يدفع مليون سنتيم شهريا، بسبب مشاركته في دروس الدعم لأكثر من مادة، بين الفرنسية والانجليزية، والرياضيات والفيزياء، والعلوم الطبيعية وغيرها، وهناك أساتذة طبعا ليس جميعهم، باتوا يميزون بين تلامذتهم داخل القسم الواحد، فمن يشارك في دروس الدعم لدى الأستاذ، يحظى بالاهتمام والرعاية والنقطة الممتازة، ومن لا يستطيع والده توفير مصاريف الدروس الخصوصية، فذاك مغضوب عنه، وهي صورة، أقرب إلى بزنسة الأطباء في المستشفيات العمومية، بالمرضى، حينما يوهمونهم بأن التجهيزات الطبية في المستشفيات العمومية عاطلة، ويقومون بتحويلهم نحو عيادات خاصة، يعملون بها.
هي صورة، أقرب إلى بزنسة الأطباء في المستشفيات العمومية، بالمرضى، حينما يوهمونهم بأن التجهيزات الطبية في المستشفيات العمومية عاطلة، ويقومون بتحويلهم نحو عيادات خاصة، يعملون بها
من جهة ثانية، ويأخذون منهم مقابل ذلك مبالغ مالية ضخمة، ولا نظن أن هناك فرق شاسع بين من يبزنس بأرواح الناس وصحة العباد، ومن يبزنس بمستقبل التلاميذ من هذا الجيل الذي برغم من انه يعيش العمر كله على مقاعد الدراسة إلا أن تحصيله ناقص وربما معدوم، لأنه وإلى 15 سنة مضت، لم تكن هناك دروس خصوصية، ولكن كانت هناك في المقابل نتائج حقيقية وعملية تربوية نزيهة والكل متورط في ذلك، فما الذي تغير الآن، حتى تصبح دروس الدعم الفيصل في مسألة النجاح والانتقال من عدمها، وبالرغم من وجود، أساتذة ومعملين مازالوا يقدمون رسالتهم النبيلة على أكمل وجه، ولم يلجؤوا يوما إلى الدروس الخصوصية، إلا أن الواقع، يقول بأن دروس الدعم، هي “غول” آخر صار يلتهم جيوب الفقراء من الناس، وهناك، من لا يتجاوز راتبه الـ 10 آلاف دينار، وعندما يتقاضاها، يجد أستاذ مادة الرياضيات لدروس الدعم لابنته يطالبه بـ1000 دينار منها، ومعلم الصف الخامس لابنه يطالبه بحقه منها والمتمثل في 800 دينار، عبارة عن الدروس الخصوصية التي تلقاها ولده على يده، ويبقى لهذا الوالد المسكين…من المنحة ما يحتسي به قهوته فقط، سؤال وجهناه لعدد من الأولياء عن رأيهم في المرسوم الذي تم تجميده عن منع تقديم الدروس الخصوصية وكان الإجماع على أهمية المرسوم والخوف على مستقبل الأبناء وأيضا القناعة بأن المرسوم لن يطبق أبدا، لأن الكثير من الأستاذة سيتجاوزونه بدعم من الأولياء والتلاميذ وتحت قيادة مسؤولين كبار.
تقدم في الغابات والأكواخ القصديرية بأثمان مرتفعة
أساتذة ينفِّرون من دروس الدعم “النظامية” ويفضلون الخصوصية
سجلت الدروس الخصوصية بمختلف بلديات وقرى ولاية سكيكدة ارتفاعا جنونيا بعدما تحولت إلى ربح سريع للأساتذة الذين وجدوا فيها ضالتهم حيث يحشرون التلاميذ في المستودعات والوديان وحتى في الغابات والمغارات وفي عمارات في طور الانجاز وفي الأكواخ القصديرية، وكل المساكن عند الأساتذة تصلح لأن تكون مدارس، يكفي فيها سبورة وطباشير وجدران وفقط أماكن لتقديم الدروس وسط غياب المراحيض والمكيفات وفي درجة حرارة تتجاوز 40 مئوية صيفا وبرودة قاسية شتاء، تفتقر بداخلها إلى الشروط المريحة للدراسة من تهوئة وطاولات وكراسي وتدفئة، بالإضافة إلى ذلك فإن أماكن تقديمها ضيقة جدا ولا تستوعب العدد الهائل من التلاميذ حيث لا يزيد طولها عن6 أمتار وعرضها أربعة مقابل قرابة 100 طالب، وخلال العطل يتضاعف العدد مثله مرتين حيث يحشرون فوق بعضهم البعض وأحيانا يختلط الذكور مع الإناث، وبذلك لا تخدم مصلحة التلميذ بل تؤثر على صحته الجسدية والنفسية، ورغم ذلك يقبض الأساتذة مبلغ 1500دج شهريا للتلميذ الواحد و150000دج للجميع شهريا وهو ثلاثة أضعاف مايتقاضاه من وزارة التربية والتعليم، هذا ويتضاعف السعر خلال التحضير لمختلف امتحانات نهاية السنة لنيل مختلف الشهادات منها نهاية التعليم الابتدائي، والتعليم المتوسط، والبكالوريا، حيث يكتر الطلب عليها ويلجؤون إليها التلاميذ مع نهاية السنة لرفع حظوظ النجاح في هذه الفترة الحاسمة، وبذلك تلعب دورا في تفقير بعض العائلات السكيكدية محدودة الدخل، ويتحجج الأساتذة بأن دروس الدعم التي تفرض عليهم من قبل الوزارة لا تقنعهم كونها تقدم مجانا، لكن الدروس الخصوصية تسيل لعابهم لأنها وبكل بساطة تقدم بالمقابل ويبذلون مجهودات جبارة من اجل نيل تلاميذهم مختلف الشهادات حيث ينتهجون هذه الطريقة من اجل ضمان تلاميذ آخرين العام المقبل، والعكس خلال الدروس التي يقدمها في المؤسسات التربوية.
أكد أحد المختصين أن الدروس الخصوصية خرجت لنا أجيالا معاقة ذهنيا فقد قتلت في نفوس التلاميذ روح البحث وعطلت ملكة التفكير لديهم فكل شيء يجدونه جاهزا
ويربطون فشل التلاميذ الآخرين الذين لا يحصلون على نتائج مرضية كونهم لم يتلقوا الدروس الخصوصية ويستنجد الأولياء بها لاستدراك الدروس التي يستعصى على أبنائهم استيعابها في المؤسسات التربوية، خاصة مع توالي إضرابات أساتذة الثانوي، غير أنهم اصطدموا بالمنشور الوزاري الجاري الذي يمنع الأساتذة والمعلمين من إعطاء دروس خصوصية ليجد التلاميذ المقبلون على اجتياز امتحانات نهاية السنة وعائلاتهم على الأعصاب، خوفا من توالي الإضرابات، مقابل تهديدات بابا أحمد بمحاربة ظاهرة الدروس الخصوصية، مع إمكانية اللجوء إلى مصالح الأمن لاقتحام المستودعات التي يمارس فيها هذا النشاط وتوقيف الأساتذة.
وشهد شاهد من أهلها حينما أكد أحد المختصين أن الدروس الخصوصية خرجت لنا أجيالا معاقة ذهنيا فقد قتلت في نفوس التلاميذ روح البحث وعطلت ملكة التفكير لديهم فكل شيء يجدونه جاهزا والمسؤولية يتحملها الأولياء ونحن الأساتذة الذين لا يهمنا المستوى بقدر ماتهمنا النتائج. وقال آخر “يحيرني كيف يشتم الناس الأستاذ الذي يقدم الدروس الخصوصية وهم من أوجدوه، لأنه لو لم يطلب ولي التلميذ ذلك لما كانت هذه الموضة موجودة ومن قبل كانت موجودة ولكنها مخصصة لطلبة البكالوريا فقط.
أما الآن حتى تلميذ الابتدائي بجميع السنوات يجر نفسه في أوقات فراغه لحضور الدروس الخصوصية محروما من أوقات اللعب وممارسته هواياته في وقت هو بأمس الحاجة فيه للحرية. فلم نلوم الأستاذ؟ ونحن نرى الأولياء يطلبون الدروس الخصوصية ليس فقط من الأساتذة المختصين أو العاملين في الميدان، بل حتى الطالب الجامعي أصبح محترفا في هذا الميدان”.
تهديد التلاميذ من قبل أساتذتهم بالرسوب يجبرهم على الاستمرار في طلب دروس الدعم
أستاذة تشيّد فيلا من عرق الأولياء الغلابى ومواضيع الامتحان لمن يدفع أكثر
يبدو أن تعليمات وزير التربية الوطنية عبد اللطيف بابا أحمد لن يتم تجسيدها ميدانيا في ظل بقاء ظاهرة “الدروس الخصوصية” متواصلة بشكل عادي، حيث لا تزال العديد من الشقق والمستودعات والبنيات التي لا تزال قيد الإنشاء تستقبل عشرات التلاميذ من مختلف الأطوار التعليمية، ولا يزال الأساتذة و”الملتحقون الجدد” من خارج قطاع التربية الوطنية يمارسون مهامهم باطمئنان وبنفسية جد مرتاحة.
قامت تلميذة بتقديم شكوى لمفتش مادة الفيزياء كان يقدم لها دروسا خصوصية بالموازاة مع وظيفته في التفتيش ضد أستاذها في القسم، حيث تنقل في اليوم الموالي إلى الثانوية وهدد الأستاذ المعني بالأمر.
استمرار ظاهرة الدروس الخصوصية، مرده حسب متابعين استحالة تطبيق هذه التعليمات التي تتطلب عملية تنسيق ما بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية واتخاذ الإجراءات القانونية التي تسمح لعناصر الأمن باستعمال القوة العمومية واقتحام هذه الأماكن التي تحولت إلى مصدر ثراء ليس فقط للأساتذة ولكن حتى للماكثات في البيت من النساء اللواتي يمتلكن مستوى تعليميا حتى وإن كن لا يملكن أي مؤهل علمي، أو القادمين الجدد من مختلف القطاعات على غرار قطاع الصحة من ممرضين وغيرهم بعدما أصبحت “الدروس الخصوصية” ملجأ كل من هبّ ودّب.
قرار بابا أحمد يصطدم بالمستحيل
هذه الحقيقة التي توقفنا عندها للوقوف عن مدى حرص السلطات المعنية على تنفيذ قرارات “بابا أحمد “، والتي أكدت بشأنها المعطيات الأولية التي استقيناها من محيط الأسرة التربوية أنه من المستحيل تطبيقها في الوقت الراهن بحكم أن الأمر جد معقد ويتطلب جملة من الإجراءات القانونية التي قد تأخذ وقتا، فأحد الأساتذة في القسم الثانوي ممن تحدثنا إليهم أكد أنه يستحيل تطبيق تعليمة وزارة التربية لغياب أي تنسيق ما بين وزارة الداخلية ووزارة التربية بما في ذلك وزارة العدل بإعطاء الضوء الأخضر لاستعمال القوة العمومية في اقتحام المباني التي يخصصها ممتهنو الدروس الخصوصية، مؤكدا على أن الدروس لا تزال متواصلة ومستمرة وأنه لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة.
الدروس الخصوصية ضرورة أم بريستيج؟
بعدما تحولت إلى ثقافة تفرض نفسها داخل المجتمع الجزائري، بحكم وجود فئة من العائلات الجزائرية ترى في هذه الدروس الخصوصية “بريستيج” خاصة لدى النساء حيث أصبح التباهي في أوساط العائلات بأخذ أبنائهم إلى مثل هذه الأماكن هو سيد الموقف، وهو ما شجع من جانب آخر كل من هب ودب لممارسة هذه المهنة. إضافة إلى وجود بعض الممارسات غير الأخلاقية التي أصبح يتعمدها العديد من الأساتذة ومفتشو المواد ، فالأستاذ يعمل على تهديد التلاميذ بالرسوب في آخر السنة إن هم لم يدرسوا عنده الدروس الخصوصية ، ومفتش المواد يهدد الأستاذ إن اشتكى أحد التلاميذ ممن يدرسون عنده من أستاذه الذي يدرسه نفس المادة، حيث أكد أحد الأساتذة في تصريح للشروق على أنه وقف على إحدى الحالات في إحدى الثانويات، عندما قامت تلميذة بتقديم شكوى لمفتش مادة الفيزياء كان يقدم لها دروسا خصوصية بالموازاة مع وظيفته في التفتيش ضد أستاذها في القسم، حيث تنقل في اليوم الموالي إلى الثانوية وهدد الأستاذ المعني بالأمر .
ماكثة بالبيت وممرض يمارسان التدريس في مستودع
وإن كانت هذه إحدى الحالات، فإن الدروس الخصوصية التي أشار بشأنها أستاذ يدرس اللغة الإنجليزية أنها ليست “حراما” في حالة إذا استقدم أولياء التلاميذ أساتذة إلى منازلهم لتدريس أبنائهم، أو إذا تعلق الأمر بالمواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية التي تتطلب دروس دعم وماعدا هذه المواد العلمية فإن باقي المواد الأخرى لا تستحق دروس دعم من منطلق أنه يمكن استيعابها من قبل التلاميذ.
ذات الأستاذ الذي أعرب عن أسفه لكون أن الدروس الخصوصية أصبحت مصدر رزق وثراء ليس فقط عند الأساتذة وإنما لجميع الفئات الأخرى، وأنها أصبحت وسيلة لكل من أراد اقتناء سيارة جديدة أو تشييد منزل، كما هو الشأن مع أستاذة تمكنت خلال الثلاثي الثالث من تشييد فيلا بعدما فرضت مبلغ 2500 دج لكل من يريد الاستفادة من الدروس الخصوصية وتمكينهم في آخر المطاف من الحصول على موضوع الامتحان الذي تم تسريبه عبر صفحات الفايسبوك في حينها، وهي الفضيحة التي عرفتها إحدى الثانويات بعاصمة الزيانيين، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهنالك نساء ماكثات في البيت يقمن بتدريس تلاميذ الطور الابتدائي وفي جميع المواد، ووجود أحد الممرضين من القطاع الصحي يعمل على تدريس تلاميذ الطور الأول مقابل 200دج للحصة الواحدة في مختلف المواد، ووجود مواطن وزوجته يمتهنان نفس المهنة في بناية قيد الإنجاز تم استئجار طابقها الثاني حيث يعملان على تدريس جميع المستويات من السنة الأولى ابتدائي إلى السنة النهائية، كاشفا على أن تخصص الزوج لا علاقة له بالمواد الأدبية والعلمية أما الزوجة فتمتلك مستوى تعليميا محدودا وبدون مؤهل علمي يسمح لها بممارسة التدريس.
هل المقاطعة هي الحل؟
الدروس الخصوصية تذر مردودا ماليا شهريا يقارب 8 ملايين مع اقتطاع مبلغ استئجار المستودع أو الشقة، وقد يصل المبلغ إلى أزيد من ذلك إن كان مبلغ الإيجار مرتفعا، حيث يضطر الأساتذة إلى رفع مبلغ الحصة الأسبوعية من 500 دج للأقسام النهائية في الأطوار الثلاثة إلى 700 دج أو أكثر مع التدرج في برمجة الحصص من مرة في الأسبوع إلى مرتين، وقد تصل إلى ثلاث مرات أسبوعيا. هذا الوضع وحسب محدثنا يتحمل مسؤوليته الجميع قبل أن يدعو ذات الأستاذ إلى حملة مقاطعة للدروس الخصوصية وتوعية أولياء التلاميذ بذلك، وأن الأمر لا يخضع إطلاقا لتطوير التلاميذ لتحصيلهم العلمي وإنما يخضع للربح المالي الذي أصبحت توفره الدروس الخصوصية.
وهو نفس المطلب الذي عبر عنه أحد أولياء التلاميذ بعد اكتشافه أن ابنه ذهب ضحية أستاذه الذي لم يكن يقدم له دروس وإنما ينقل له حرفيا ما تضمنته الحوليات، قبل أن يقوم بنفسه باقتناء تلك الحوليات ومتابعة ابنه داخل البيت ومساعدته على حل التمارين دون اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
غير أن المؤيدين لبقاء الدروس الخصوصية استحسنوا ذلك، معتبرين أن مستوى أبنائهم تحسن كثيرا، خاصة تلاميذ الأقسام النهائية. وفي هذا الصدد أكد أحد أولياء التلاميذ على أنه قام بتسجيل ابنه في الدروس الخصوصية مادة الفرنسية وهو في القسم النهائي في الطور الأول وقد لاحظ تحسنا ملموسا في هذه المادة التي كان ضعيفا فيها. وبين هذا وذلك يبقى ما هو أكيد على أن الدروس الخصوصية ستبقى مادام أن أبطالها من أساتذة ومفتشين والقادمين من خارج القطاع التربوي، لا يهمهم التحصيل العلمي للتلاميذ بقدر اهتمامهم بجيوب أولياء التلاميذ الراغبين في تدريس أبنائهم سواء من أجل “البريستيج” أو بـ”حسن نية” أو من أجل رؤية أبنائهم متفوقين حتى وإن كان ذلك التفوق بالاحتيال وشراء مواضيع الامتحان .
الأولياء يواصلون تسجيل أبنائهم بها رغم قرار الحظر
تلاميذ يهربون من واجباتهم المدرسية ويكلفون بها أساتذة الدروس الخصوصية
لم تمنع التعليمة التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية مؤخرا، بشأن منع إعطاء الدروس الخصوصية من طرف الأساتذة للتلاميذ خارج المؤسسات التعليمية، الأولياء من السعي لإيجاد أماكن لأطفالهم ضمن بعض الأفواج التي تتلقى دروس الدعم على أيدي أساتذة مختلف المواد والذين منهم من يؤجرون محلات لممارسة هذه المهنة ومنهم من يستقبل تلاميذه حتى داخل مسكنه العائلي بولاية ڤالمة.
في وقت تبقى فيه تعليمة بابا أحمد بعيدة عن التنفيذ في ظلٌ إصرار الأولياء على تمكين أبنائهم من دروس الدعم في مختلف المواد، بل أن أغلبية الأولياء يعتبرون الدروس الخصوصية أو بالأحرى ما يسمى بدروس الدعم والتقوية الفكرية، أكثر من ضرورية بالنسبة لأبنائهم المتمدرسين في مختلف المستويات والمراحل التعليمية،رغم ما تكلفهم من مصاريف شهرية إضافية، حيث أن سعر حصص الدروس الخصوصية التي يقدمها بعض الأساتذة لمجموعة من التلاميذ لا يقل في أحسن الأحوال عن مبلغ 1000 د.ج للشهر الواحد وللمادة الواحدة، بينما يتم تقديم دروس خاصة لعدد من التلاميذ لا يزيد عددهم عن أربعة بمبالغ تتراوح بين3000 د.ج و5000 د.ج للتلميذ الواحد وفي الشهر الواحد بمعدل أربع حصص في أية مادة تعليمية.
وذكر بعض الأولياء أن تعليمة منع الدروس الخصوصية التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية ساهمت هذه السنة في إلهاب الأسعار بسبب تخلي بعض الأساتذة عن إعطاء الدروس الخاصة، كما ساهم أيضا تزايد إقبال التلاميذ على الدروس الخصوصية في ارتفاع أسعارها وهو ما دفع ببعض أساتذة مختلف المواد للبحث عن أماكن تعليم التلاميذ خارج المواعيد الرسمية للدراسة، في وقت يجمع فيه الأولياء أنهم يلجأون إلى الدروس الخصوصية من أجل تدعيم وتقوية المستوى التعليمي لأبنائهم في بعض المواد الأساسية خاصة منها الرياضيات والفيزياء فإن البعض الآخر يرى أن الدروس الخصوصية ضرورية لكل تلميذ من اجل تدارك ما يفوته في الحصص الرسمية بالمؤسسات التعليمية بسبب عدم قدرة الأساتذة على توصيل أفكارهم لكل تلاميذ القسم بسبب كثافة الدروس المقررة من جهة وكذا الإكتظاظ داخل الأقسام من جهة أخرى، يبدو الأولياء والأساتذة على حد سواء تبعات الظاهرة، وما يتعرض له التلميذ من إرهاق فكري بسبب عدم تمتعه بوقت الراحة.
ولا يهتم الأولياء بمكان أخذ هذه الدروس التي يدفعون لأجلها المال، حيث أن البعض من الأساتذة يقوم بتأجير محلات خاصة تتم تهيئتها لهذا الغرض بينما يقوم البعض الآخر باعتماد غرفة من بيته كقسم لمنح الدروس الخاصة. الظاهرة التي عرفت انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة وجد فيها بعض الأساتذة مصدر رزق جديد لتدعيم مداخليهم المالية ووجد فيها الأولياء بديلا لتدارك ما قد يمر على أبنائهم دون فهم خلال الحصص المدرسية خاصة بعد موجة الإضرابات والإحتجاجات التي أصبح يعيشها قطاع التربية على مدار أيام السنة.
وبين هذا وذاك يبقى المستوى التعليمي في تدني مستمر والكل يتحمل مسؤوليته خاصة وأن أغلبية التلاميذ أصبحوا لا يبذلون أي جهد للبحث وحل الواجبات المدرسية التي يكلفهم بها أساتذتهم في المؤسسات التعليمية ويعتمدون على أساتذة الدروس الخصوصية في إنجازها لهم.
الأولياء يطالبون برفع مستوى التعليم النظامي وضمان كفاءة الأساتذة
نقص الأساتذة المؤهلين بالأرياف والجبال يرهن قرار بابا أحمد
رغم المنشور الوزاري الذي وجهه وزير التربية عبد اللطيف بابا أحمد إلى مديريات التربية القاضي بمنع الأساتذة من تقديم دروس خصوصية للتلاميذ مقابل المال ومتابعة من يخالف التعليمة، تتواصل مسيرة الأستاذ بولاية تيبازة نحو البحث عن الثروة في المستودعات والمحلات وببيوتهم.
وأكد العديد من التلاميذ أنهم لا يزالون يواصلون تلقي دروس خصوصية من طرف الأساتذة مقابل مبالغ مالية حددت بين 400دج إلى 1000دج شهريا حسب المادة وشهرة الأستاذ والطور الدراسي على مستوى المحلات وبيوتهم، ومن جهة أخرى سبق لوالي ولاية تيبازة أن أعطى تعليمة لجميع المؤسسات العمومية من دور للشباب والمكتبات العمومية والمؤسسات التربوية أن تصد أبوابها في وجه من يريد تقديم الدروس بداخل تلك المؤسسات وتعويضها بدروس استدراكية لتدعيم التلاميذ مجانا وفتح فضاء للمراجعة الجماعية بين التلاميذ فقط، ووصل الأمر إلى أن تناول المجلس التنفيذي الولائي القضية وطرح اسم أستاذ في مادة الرياضيات معروف لدى مديرية التربية بأمارة أنها تلقت شكاوى من طرف الأساتذة بسبب إحراجهم خاصة منهم من يدرسون الأقسام النهائية المقبلين على خوض امتحان شهادة البكالوريا من خلال تدعيم تلاميذه بطرق نادرة في حل المسائل ومغايرة للتي يقدمونها لهم الأساتذة بالمؤسسات الرسمية ويتم إحراجهم من طرف تلامذتهم الذين أضحوا ينافسونهم في تقديم الحلول، الأمر الذي دفع بالوالي إلى توجيه تعليمات صارمة تمنع هذا الأستاذ بالخصوص من التداول على المؤسسات العمومية رغم أنه كان يقوم بعقد اتفاقيات قانونية مع تلك المؤسسات مثله مثل العديد من الأساتذة لاستئجار أقسام بدور الشباب، خاصة المتواجدة بالبلديات النائية لتقديم دروسه الخصوصية بمبالغ مخفضة على التي تقدم من طرف أساتذة يدرسون ببيوتهم أو بمحلات مستأجرة خاصة بالمدن الكبرى كحجوط وبوسماعيل والقليعة.
كثيرا ما يسجل بقاء أقسام من دون مدرسين للمواد الأساسية واللغات طيلة موسم كامل
من جهة أخرى أبدى ممثلون عن أولياء التلاميذ “للشروق” استغرابهم من قرار الوزير الرامي لتوقيف هذه الدروس دون أن يقوم بتقديم بديل لتغيير طريقة التدريس والسعي لرفع مستوى الأساتذة بالأقسام حتى لا يضطر الولي لتدارك ما فات ابنه التلميذ باللجوء إلى الدروس الخصوصية، فيما أشاروا إلى عدم توفر أساتذة أكفاء المؤسسات التربوية المتواجدة بالبلديات النائية والجبلية، وكثيرا ما يسجل بقاء أقسام من دون مدرسين للمواد الأساسية واللغات طيلة موسم كامل، وفي السياق ذاته عرفت مديرية الولاية مشاكل عديدة في هذا المجال بسبب نفور الأساتذة الذين يحملون خبرة في تخصصاتهم من المناصب المتواجدة ببلديات نائية رغم توفر السكنات الوظيفية بها، وما زاد من الطين بلة هو تسريح العديد من هؤلاء الأساتذة إلى عالم التقاعد وجلهم يدرسون المواد الأساسية ما أثار عجزا رهيبا.