أحدث قرار وزارة التربية بتثبيت الدورة الاستدراكية لامتحان نهاية التعليم الابتدائي “فوضى” في القطاع، باعتبار أن كافة التقارير المنبثقة عن الاستشارات بشأن جدوى تنظيم دورة ثانية خلصت إلى إلغائها نهائيا. وضرب وزير التربية “مجهودات” الأسرة التربوية عرض الحائط بمراسلة وقعّها مديروه للتعليم الأساسي بعنوان “تثبيت الدورة الاستدراكية”.
نزل القرار الذي اتخذه وزير التربية عن طريق مديرية التعليم الأساسي بالوزارة كـ “الصاعقة” على مديريات التربية الـخمسين عبر الولايات، ففي الوقت الذي كانت فيه الأسرة التربوية المشاركة في الاستشارات حول جدوى تنظيم دورة استدراكية في امتحان نهاية مرحلة التعليم الابتدائي، تنتظر موافقة الوزارة على تقاريرها النهائية التي صبّت كلها في اتجاه إلغائها لعدم فاعليتها، صدر قرار التثبيت.
وضربت وزارة التربية مصداقية اللجان التي تكوّنت عبر مختلف الولايات لدراسة إلغاء الدورة الاستدراكية عرض الحائط، وأبلغت الوزارة مديرياتها الولائية بقرار “تثبيت إجراء الدورة الاستدراكية” الذي ورد في مراسلة وقعها مدير التعليم الأساسي إبراهيم عباسي تحمل رقم 452 مؤرخة في 17 من الشهر الجاري. وجاء في نص المراسلة تناقض فاضح في موقف الوزارة من الدورة الاستدراكية، حيث استهلت “تندرج الاستشارة الميدانية التي نظمتها وزارة التربية الوطنية بشأن جدوى تنظيم دورة استدراكية لامتحان مرحلة نهاية التعليم الابتدائي ضمن مبدأ إشراك الجماعة التربوية والشركاء الفاعلين من أجل حوار بناء”، بمعنى أن الوزارة تعترف في الجزء الأول من المراسلة بأن تقارير الجماعة التربوية تحمل “مصداقية كبيرة” وقراراتها تصبح سارية المفعول.
تجاهل توصيات الجماعة التربوية
أما في الجزء الثاني من المراسلة، فتضع الوزارة نفسها في “مأزق” ومصداقيتها على المحك، فتقول “إن الاستشارة كانت ثرية من حيث الاقتراحات المقدمة حول كيفية تنظيم الامتحان، وحتى وإن كان هناك توجه في الآراء نحو الاستغناء عنها (أي الدورة الاستدراكية) إلا أنه يوجد بعض الآراء الأخرى تتحفظ عليها، وعليه تقرّر تثبيت الدورة الاستدراكية وتأجيل العمل بإجرائها ريثما يتم تناول الموضوع في إطار أشمل”. والغريب في هذه الفقرة أن الوزارة تعترف بأن الاستشارة كانت ثرية، ووجود توّجه عام في الميدان نحو إلغائها في مقابل “بعض” الآراء التي تتحفظ على “الإلغاء”، وكان ينبغي إعلام الجماعة التربوية والشركاء الفاعلين وأولياء التلاميذ عن تلك التحفّظات لإزالة “الغموض”، واحتراما لجهود أعضاء اللجان التشاورية التي ظلت تعمل مدّة 3 أشهر. في المقابل، كشف مصدر موثوق أن القرار أُقنع به الوزير “قسرا” من طرف مستشارين له في الديوان، رغم “التوجّه العام” الوارد في تعليمة مديرية التعليم الأساسي نحو الاستغناء النهائي عن الدورة الاستدراكية.
كما أبقت وزارة التربية على الغموض في تاريخ العمل بالدورة الاستدراكية لامتحان “الخامسة”، رغم أنها أقامت الدنيا ولم تقعدها بشأن المسألة وتصاريح متناقصة لوزير القطاع عبد اللطيف بابا احمد، واكتفت بعبارة تذيلت القرار “وعليه تقرر تثبيت الدورة وتأجيل العمل بالإجراء ريثما يتم تناول الموضوع في إطار أشمل”، ولهذا الكلام معنى واحد هو أن القائمين على الاستشارة من أساتذة وبيداغوجيين لم يكونوا في المستوى، وهذا يعني أيضا وجود تناقض لأن الوزارة قالت في نفس التعليمة “إن الاستشارة كانت ثرية من حيث الاقتراحات المقدمة”.
الوزارة تناقض قراراتها
وسبق لوزارة التربية أن حسمت مسألة إلغاء الدورة الاستدراكية من امتحان نهاية مرحلة التعليم الابتدائي نهائيا، وحتى لا تواجه مشكلات مع شركائها الاجتماعيين (نقابات وأولياء تلاميذ)، اهتدت إلى “تجميل” العملية بهدف تبرير الإلغاء بالقول “احترمت اتفاق القاعدة على المسألة”، وتواجه كل معارض بتقارير اللجان التشاورية التي أوكلت لها مهمة تدارس مذكرة الإلغاء. واستندت الوزارة لتقوية موقفها إلى نتائج التحاليل المتحصل عليها منذ تأسيس الامتحان سنة 2005، والتي كشفت أن الأغلبية الساحقة من التلاميذ ينتقلون إلى السنة الأولى متوسط خلال الدورة الأولى، وأن الدورة الاستثنائية سمحت بنجاح نسبة ضئيلة لم تتعد 4% في السنوات الأخيرة، وأرفقت المذكرة بجدول يبين تطوّر نسب النجاح في الدورة الأولى والدورة الاستدراكية منذ 2005 إلى 2013، فلم تتعدَّ نسبة النجاح في أقصاها 9.37% وذلك سنة 2008، فيما لم تقل نسبة النجاح في الدورة الأولى عن 66.76% سنة 2006.
في المقابل، لم يسبق لوزارة التربية أن أفرجت عن تواريخ الامتحانات الوطنية الرسمية (البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط وامتحان نهاية التعليم الابتدائي) في نهاية الثلاثي الأول من السنة الدراسية، وأدى سوء اختيار التاريخ إلى حدوث “طوارئ” عبر مديريات التربية في الولايات، وذلك اعتبارا لكون هذه التواريخ، بيداغوجيا، يفرّج عنها بداية السنة الدراسة، نظرا لأن آخر أجل لتسليم مراكز الامتحانات هو يوم 31 ديسمبر، فتكون مدة 3 أشهر كافية للعملية، وعليه فلم تمنح الوزارة سوى 11 يوما دون احتساب العطل الأسبوعية للقيام بالإجراء وهو بمثابة “المهمة المستحيلة” لمديري التربية.