أصبح التعليم الموازي أو ما يعرف بالدروس الخصوصية، أقصر طريق للكسب ليس على حساب الأغنياء والميسورين فحسب، بل استهدف أيضا شريحة واسعة لأبناء الأسر الفقيرة التي أرغمت على إلحاق أبنائها بالتدريس الحر من أجل ضمان نجاحهم وانتقالهم.
وبغض النظر عن ظروف إجراء هذا النوع من التدريس داخل مستودعات أو بيوت تفتقر لأدنى المستلزمات، فإن أغلب ممارسي هذا النشاط من معلمين وأساتذة، ومن أجل إلحاق أكبر عدد ممكن من تلاميذ المؤسسات التي يعملون بها بنشاطهم خارج المؤسسة، يوظفون عامل كثافة البرنامج الدراسي والاكتظاظ داخل الأقسام، من أجل حث التلاميذ على الالتحاق بالدروس الخصوصية التي يقدمونها لمدة ساعة أو ساعتين كل أسبوع مقابل أجرة شهرية لا تقل عن ألف دينار.
ويقول السيد محمود ”أرغمت بسبب ضعف مستوى تحصيل أبنائي الثلاثة في مادة الرياضيات على الاستجابة لطلب أستاذهم بالإسراع في إلحاقهم عنده في الدروس الخصوصية”، ولكن محدثنا أضاف بالقول ”أين دروس الدعم والاستدراك التي أقرتها الوزارة للتلاميذ الضعفاء؟”، مضيفا أنه لم يعد قادرا على تحمل نفقات أبنائه. ويعمد الكثير من المعلمين والأساتذة على إغراء التلاميذ بالدروس الخصوصية كونها السبيل المؤدي للنجاح، بل إن بعض التلاميذ عندما لا يتحصلون على نتائج مرضية، يربطها هؤلاء بعدم تلقي الدروس الموازية.
السيد ص. العربي أحد الأولياء يوضح سبب تسجيل ابنه في الدروس الخصوصية لدى أستاذة الفرنسية ”رغم النتائج الجيدة التي يتحصل عليها ابني في السنة الثالثة متوسط، إلا أنني رضخت لرغبته في رفع مستواه في مادة اللغة الفرنسية، خاصة أن الأستاذة تطالبه في كل مرة بضرورة الالتحاق بمنزلها، حيث تقدم دروسا لتلاميذها موازاة مع عملها في القسم”.
مطالبة الوزارة بإيجاد أماكن بديلة عوض اللجوء إلى الأمن
و استغرب الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ ونقابات التربية لجوء الوزارة إلى الاستنجاد بالأمن الوطني لاقتحام المستودعات التي تعطى فيها الدروس الخصوصية، وطالبتها بإيجاد أماكن بديلة كفتح المؤسسات التربوية في عطلة نهاية الأسبوع وتدعيم الأساتذة ماديا لتقديم هذه الأخيرة داخل المدارس.
الدروس الخصوصية، حسب رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ، أمر إيجابي وليس مدارس موازية مثلما تتكلم عنه الوزارة، وتكمن أهميتها، يضيف أحمد خالد ، أنها تعمل على تحسين مستوى التلميذ، وعلى الرغم من أنهم يشاطرون الوزارة رأيها في أن لا تتم هذه الأخيرة في المستودعات وأماكن فوضوية، كونها لا تخدم مصلحة التلميذ وأيضا تؤثر على صحته الجسدية والنفسية، إلا أنهم يلومون على الوزارة لجوءها إلى مثل هذه القرارات قبل إيجاد بدائل لهذه الأماكن.
وعاد أحمد خالد إلى قرار اتخذه والي العاصمة السابق في سنة 2009، عندما خصص مبلغا ماليا للدروس التدعيمية المقامة في المؤسسات التربوية، ساهمت جمعيات أولياء التلاميذ حينها بمبالغ معينة، إلا أن هذه الخطوة وورغم أهميتها فشلت بسبب غياب التنسيق والتحفيز من الوزارة، رغم أنه كان يفترض تعميمها عبر الولايات لتقنين العملية، ودعا الوزارة إلى فتح المؤسسات التربوية يومي الجمعة والسبت لتنظيم هذه الدروس بالمدارس وليس محاربتها. وحمّل ممثل الأولياء الأساتذة جزءا من مسؤولية فشل هذه العملية وأيضا ما يحدث حاليا لأن الأساتذة حسبهم لا تقنعهم دروس الدعم، من منطلق أنهم لا يتقاضون عليها المبالغ التي يطمحون لها، كما أن عدد التلاميذ بالمؤسسات يكون مماثلا للعدد الذي يشرفون عليها في الحصص العادية، في حين تقتصر الدروس المقدمة خارج المؤسسات على عدد محدود بالإضافة،
إلا أن المقابل يكون أعلى ”فلو فرضنا أن لهذا الأستاذ 10 تلاميذ كل واحد يدفع 1500 دينار شهريا سيكون له في نهاية الشهر مليون ونصف وهو ليس بالمبلغ الهين”، كما وجه المتحدث اتهامات صريحة للأساتذة بأنهم يبذلون مجهودات أقل داخل المؤسسات التربوية بالمقارنة بالدروس الخصوصية، مؤكدا أن 70 بالمئة من الأساتذة ينتهجون هذه الطريقة لحث التلاميذ على الدروس الخصوصية عندهم.
من جهته دافع المكلف بالإعلام بالمجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ”كناباست” مسعود بوديبة عن الأساتذة وقال إنهم كانوا سباقين لحماية المدرسة العمومية، ردا على اتهامات الوزارة لهم بأنهم تسببوا في ظهور مدارس موازية عن طريق الدروس الخصوصية، واعتبر تقديم هذه الدروس في المستودعات مسؤولية مشتركة للجميع، ويطمحون إلى أن تلقى هذه الدروس في أماكن محترمة كمنازل الأساتذة مثلا، مدافعا في ذات السياق عن هذه الدروس التي قال إنها سياسة منتهجة في كل دول العالم.