مقالة فلسفية: هل التجريب على الكائن الحي ممكن أم مستحيل؟

مقالة جدلية: هل التجريب على الكائن الحي ممكن أم مستحيل؟.

I– المقدمة:

       البيولوجيا من جهة المفهوم والماهية هي العلم الذي يدرس الكائنات الحية وبخاصة الإنسان وهي مجموعة

 من البحوث تضرب بجذورها إلى القرن التاسع عشر وترتبط ارتباطا عضويا بمؤسسها الفرنسي كلود برنارد فإذا

علمنا أن من خصائص الكائنات الحية النمو والتغذية والتكاثر وأن التجريب من مميزات العلم فالمشكلة المطروحة:

– هل التجريب ممكن عند دراسة الكائن الحي؟.

II– التوسع:

1- الرأي الأول:

       يرى أنصار هذا الرأي أنه “لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي عند دراسة الكائن الحي وبخاصة الإنسان” لأن من مميزات الكائن الحي لا تساعد على تطبيق المنهجية التجريبية فهي على هذا النحو محكوم عليها بالفشل . قدم أنصار هذا الرأي مجموعة من الحجج أهمها أن الكائن الحي وحدة متشابكة كلية كل عضو هو في النهاية جزء من كل متكامل وبالنظر إلى أن الملاحظة العلمية تتطلب وجود عينة أي جزء من الموضوع المدروس وبما أن العزل والفصل يؤدي إما إلى الموت أو إتلاف العضو أو العينة المعزولة كان معنى ذلك استحالة التجريب وبالنظر إلى استحالة الملاحظة وفي هذا السياق قال كومني: ” إن سائر أجزاء الكائن الحي مترابطة فيما بينها فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها معا، والرغبة في فصل جزء

 من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذوات الميتة ومعناه تبديل ماهيته تبديلا تاما”. والحقيقة أنه تضاف إلى هذا العائق مشكلة أخرى ووهي عدم القدرة على تعميم النتائج لأن الكائن الحي يتميز بالفردية، وعند أنصار هذا الرأي لا تجد كائنا حيا طابق الآخر وهذا ما أكده الباحث آغاسير الذي جمع 2700 صفحة ولم يجد أي تشابه بين أفراد العينة وفي هذا السياق قال ليبنتز: ” لا يوجد شيئان متشابهان” وحاصل المعنى أن غياب التعميم يؤدي بالضرورة إلى استحالة التجريب غير أن أبرز نقطة ركزوا عليها قولهم الكائن الحي وقصدوا الإنسان لا يخضع لمبدأ الحتمية أو النسبية لأن سلوك الإنسان تميز بالإرادة والحرية فالإنسان هو الحرية، ومنه لا يستطيع العلماء توقع ما سيحدث أو توفير الشروط الضرورية والخلاصة استحالة الدراسة التجريبية وهذا ما خلص إليه بونوف فقال: “إن البيولوجيا التحليلية تعطي عمليا موضوع دراستها”. والحقيقة أن هذه العوامل الموضوعية مرتبطة بالعوائق الذاتية كتحريم بعض الديانات والمعتقدات إجراء التجارب على الإنسان أو الحيوان كما هو حاصل في الهند من تحريم المساس بالبقر بوصفه كائن مقدسا.

نقد: 

       ما يعاب على أنصار هذا الرأي أنهم أخلطوا بين الحقائق والعوائق ومعنى ذلك أن حججهم مجرد عوائق يمكن التغلب عليها.

2- الرأي الثاني (نقيض الأطروحة):

       يرى أنصار هذا الرأي “أن الدراسة التجريبية على الكائن الحي مشروعة ومقبولة وممكنة التطبيق” ومما زاد في هذا الاعتقاد وتأكيده هو التقدم في وسائل البحث والتطور التقني بصورة عامة عن طريق المخبر وما يتوفر عليه من أجهزة، لقد أصبح بالإمكان فصل أو عزل أي عضو والإبقاء على حياته واستمرار نشاطه دون الحاجة إلى فصله كليا، ومثال ذلك دراسة قلب الإنسان دون الحاجة إلى فصله كليا ومن ثمة أمكن أن نلاحظ أو نجرب على عينة قد تكون نسيجا أو خلية.

       ويرد أنصار هذا الرأي أن التحجج بفكرة الفردية لا معنى له لأن هناك خلط بين مفهوم المطابقة والمشابهة فإذا كان التطابق غير ممكن فإن التشابه ممكن ولهذا يتم تقسيم الكائنات الحية إلى أنواع وأجناس مما يدل على وجود قواسم مشتركة ومنه التعميم ممكن، لأن الذي يصدق على عينة يصدق بالضرورة على البقية لاشتراكها في نفس الخصائص والمميزات وهذا الذي دفع جون استوارت مل إلى تطبيق قواعد الاستقراء والدفاع عنه، ويعتقد أنصار هذا الرأي أن التحجج بفكرة وجود الحتمية أو النسبية لا مبرر له لأن بحوث الذرة رغم عدم توفر خاصية الحتمية هي من أكبر البحوث العلمية. يقول فاندروك: ” كلما عرفنا الكائن الحي كلما أصبحت فكرة التطور بديهية فيتحتم علينا تفسير ظواهر المادة الحية كما نفسر ظواهر المادة الجامدة تماما”. وقال كلود برنارد: ” بفضل التجريب فقط يمكننا في ظواهر الأجسام الحية على غرار ظواهر الأجسام الجامدة أن نتوصل إلى معرفة بشروطها ومن ثمة السيطرة عليها”. ومن الأمثلة الواقعية التي تدل على نجاح التجريب في البيولوجيا البحوث التي قام بها وليام جيمس ولانج في الانفعال وبحوث ريبو في الذاكرة.

نقد:

       قدم أنصار هذا الرأي مجموعة من الحلول لكنها تظل غير كافية بالنظر إلى العوائق التي تعترض البيولوجيا.

التركيب:

       تحدث أنصار الرأي الأول عن غياب التجريب بل استحالته وعندما ننظر إلى المسألة من زاويتين واقعية وعقلية نلاحظ تهافت الفلاسفة وعدم انسجام أطروحتهم سواء من حيث الفكرة والموقف أو من حيث البناء والحجج. إن بحوث الاستنساخ دليل قوي على وجود التجريب وفي مقابل ذلك لا  يمكن تطبيق المنهجية التجريبية واستعارتها كاملة بل يجب مراعاة خصوصيات الكائن الحي وهذا ما أكده كلود برنارد بقوله: ” يجب على البيولوجيا استعارة المنهج التجريبي من العلوم الفيزيائية والكيميائية مع الاحتفاظ بخصوصيتها:

III– خاتمة:

       وأخيرا ورغم أن البيولوجيا على غرار العلوم التي تأسست مع مطلع العصر الحديث لم تستطع أن تؤسس لنفسها مكانة بين العلوم المختلفة.