الموضوع : تحليل مقال فلسفي
نص المقال: هل يمكن دراسة المادة الحية دراسة علمية ؟
الطريقة : جدلية
I. المقدمة:
مما لاشك فيه أن المعارف التي تطمح إلى تطبيق المنهج التجريبي، تريد من وراء ذلك الالتحاق بركب العلوم وبلوغ مراتبها، وهو المنهج الذي استخدمته أصلا العلوم التجريبية في المادة الجامدة كالفيزياء والكيمياء، والذي كان وراء نجاحها وازدهارها، وليس بالغريب أن بعض العلوم كعلوم المادة الحية أو البيولوجيا تحاول تقليد علوم المادة الجامدة في تطبيق المنهج التجريبي. لكن إذا كانت التجربة هي المقياس الأساسي لجعل العلم علما، فالمشكل المطروح: هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الكائن الحي ؟
II. التوسيع:
ـ الرأي الأول:
نقد: بالفعل تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية تتخلله صعوبات معينة، لكن هذه الصعوبات بدأت تقل وتخف مع تقدم المنهج وتطور وسائل الملاحظة والتجريب، مما ساعد العلماء على اكتشاف خفايا عالم الكائنات الحية وتجاوز صعوبة التجريب. يرى أنصار هذا الرأي أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي عند دراسة الكائن الحي وقد قدم أنصار هذا الرأي مجموعة من الحجج أهمها أن الكائن الحي وحدة متشابكة كلية، فكل عضو هو في النهاية جزء من كل متكامل، وبالنظر إلى أن الملاحظة العلمية تتطلب وجود عينة أي جزء من الموضوع المدروس، وبما أن العزل والفصل يؤدي إما إلى الموت أو إتلاف العضو أو العينة المعزولة كان معنى ذلك استحالة التجريب وفي هذا السياق قال كوفيي: ” إن سائر أجزاء الكائن الحي مترابطة فيما بينها فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها معا، والرغبة في فصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذوات الميتة ومعناه تبديل ماهيته تبديلا تاما”. كما أنه لم يتردد أحد البيولوجيين المعاصرين بونوف في تصريحه عندما قال: “ليس من الغريب إطلاقا إثبات أن البيولوجيا التحليلية الخالصة تقضي عمليا على موضوع دراستها”. أي على وحدة العضوية. والحقيقة أن هذه العوامل الموضوعية مرتبطة بالعوائق الذاتية كتحريم بعض الديانات والمعتقدات إجراء التجارب على الإنسان أو الحيوان كما هو حاصل في الهند من تحريم المساس بالبقر بوصفه كائن مقدسا.
ـ الرأي الثاني : يرى أنصار هذا الرأي أن الدراسة التجريبية على الكائن الحي مشروعة ومقبولة وممكنة التطبيق، ومما زاد في هذا الاعتقاد وتأكيده هو التقدم في وسائل البحث والتطور التقني بصورة عامة عن طريق المخبر وما يتوفر عليه من أجهزة، لقد أصبح بالإمكان فصل أو عزل أي عضو والإبقاء على حياته واستمرار نشاطه دون الحاجة إلى فصله كليا، فلقد توصل الطب اليوم بفضل مناهج الفيزياء والكيمياء إلى تذليل صعوبات كالمحافظة على حياة بعض الأعضاء خارج العضوية كالقلب، وكالتصوير بالأشعة. ولقد كان “كلود بيرنار” من الرواد في التأسيس للعمل التجريبي في المادة الحية، حيث قال: ” لا بد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من العلوم الفيزيائية الكيميائية المنهج التجريبي، ولكن مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة وقوانينه الخاصة” حيث عرف كيف يستثمر طريقة التجريب في المادة الجامدة، وتكييفها في دراسة المادة الحية، لكن مع الحفاظ على طبيعتها وخصوصيتها، وبفضل تطبيق هذا المنهج التجريبي صحح ” لويس باستور ” الفكرة القائلة بالنشوء العفوي للجراثيم مثبتا بأن هذه الجراثيم منشؤها في الهواء.
نقد: بالفعل تطبيق المنهج التجريبي في ميدان البيولوجيا قد تطور كثيرا بالمقارنة مع ما كان عليه، وليس معنى هذا أنه تجاوز كل القيود التي تحيط به. حيث مازالت الدراسة التجريبية على المادة الحية تنطوي على مشاكل وتثير تساؤلات.
التركيب:
في الحقيقة هناك إمكانية لتطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الحية، لكن هذا يتوقف على معرفة طبيعة هذه الظواهر وخصائصها، والقوانين التي تحكمها، وما يظهر من عوائق من حين لآخر في ميدان البحث، فهذا لا يعود إلى الظاهرة، بل يرد إلى قصور وسائل البحث. وخير دليل على ذلك بحوث الاستنساخ فهذه البحوث تؤكد على إمكانية تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية، ولكن عند التطبيق يجب مراعاة خصوصية وطبيعة الكائن الحي.
III. خاتمة:
في الأخير يمكن أن نؤكد أن المنهج التجريبي هو المقياس المثالي لكل بحث يريد لنفسه أن يكون علميا أي موضوعيا تحترمه كل العقول البشرية، لكن العمل بهذا المقياس في ميدان الظواهر الحية يحتاج إلى معرفة خصائص وطبيعة هذه الظواهر من جهة وتهذيب مستمر من جهة أخرى، ولعل استمرار هذا التهذيب الميداني هو الذي مكن العلماء من فتح فن جديد يعرف بـ ” أخلاقيات البيولوجيا “.