بحث حول إلغاء وتعديل الدساتير

حقوق
حقوق
مقدمــــــــــــة.
المبحث الأول: ماهية التعديل.
المطلب الأول: تعريف التعديل.
المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل.
المطلب الثالث: مراحل تعديل الدستور.
المبحث الثاني : إنهاء و إلغاء الدستور.
المطلب الأول: الطرق القانونية.
المطلب الثاني: الطرق غير القانونية.
المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.
الخاتمـــــــــــة.

المبحث الأول: ماهية التعديل
المطلب الأول : تعريف التعديل.التعديل
هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام
جديدة أو بتغيير مضمون البعض منها وعليه فان التعديل يقتضي الإبقاء علـى
نفس الدستور و أسـس وضع دستور جديد مثل دستـور 1989 الجزائر بناءا علي ذلك
يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعنـي إنشاء دستور جديد كـما يختلف
عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعـدم الدستور بصفة عامة .

أولا : أهمية التعديل وموقف الدساتير منه:
التعديل إجراء يفرض نفسه في بعض الأحيان لان الدستور وان كان قانون ساميا
فهذا لا يعني انه خالد ثابت لا يتغير بل إن المستجدات وتغيـر وتطور الظروف
المحيطة بالمجتمع تقتضي تعديل الدستور من اجل تكييفه و ملائمته مع ذلك
المستجدات و الظروف تعديل الدساتير.
– حتى تكون الدساتير فعالة فلابد لها مـن ان تساير التطور وان تتغير بتغيـر
الظروف ,ولا يتأتى هذا إلا بتضمينها نصوصا تسمح بمراجعتها من حين لأخر لأن
الجمود المطلق قد يؤدي إلى محاولة تغييرها بالعنف ,ويعتقد البعض بان السبب
الأعظم في القيام الثورات يعود إلى أنه بينما تتطور الأمم تظل الدساتير
ثابتة .
والتعديل يأتي كمرحلة وسط بين الإنشاء (الوضع) ,والإنهاء وهو لا يقتصر على
التعديل أحكام موجودة (مثل المادة 05 من تعديل 3 نوفمبر 1988) بل قـد يمتد
إلـى إلغاء بعض الأحكام (مثل المواد :115,114,113من دستور 1976) أو إضافة
أحكام أخرى (مثل المواد 144/2 و117/1من تعديل 3 نوفمبر 1988,وتعديل دستور
1996) رغم أنه أحيانا قد تصعب التفرقة بين التعديل والإنهاء .
وتصادفنا ثلاثة أنواع من الدساتير:

أ/ دساتير ترفض التعديل كليا:
وفي هذا يعود إلى أن الثورة الفرنسية قد عكست رأيا مؤداه أن الحقائق التي
أسستها الثورة هي حقائق خالدة عالمية,وعليه فان الدساتير التي تترجم هذه
الحقائق هي دساتير صالحة لكل زمان ومكان ,وهي غير قابلة للمساس أو التبديل ,
ولذلك فهي ليست في حاجة إلى المراجعة .
ب/ دساتير تشير إلى طريقة تعديلها:

وفي هذه الحالة يجب الالتزام بهذه الطريقة , وأية طريقة أخرى تعتبر غير قانونية
(المقصودة هنا هي الدساتير الجامدة وليست المرنة ).
ومن هذه الدساتير دستور الجزائر لسنة 1963( المواد: 73, 72, 71), ودستور
سنــة 1976 المواد193, 192, 191 ), ودستور 1989(المواد
:167,166,165,164,163,),والدستور الأخير لسنة (178,177,176,175,174) .
وقد خضع دستور 1976الى ثلاثة تعديلات :
– الأول كان في:07 جويلية 1979.
– الثاني كان بتاريخ :12جانفي 1980.
– أما التعديل الثالث وهو أخطرها على الإطلاق فقد كان في :3نوفمبر 1988,
وقد قضي بإعادة تنظيم العلاقة بين التشريعية والتنفيذية , وكذلك أنشأ مركزه
رئيس الحكومة .
أمـا دستور 1996 فقد خضع لتعديـل واحـد بحيث أدرجت فيه الأمزيغية كلغـة وطنية
ويلاحظ بأن دساتير أخرى تنص على ضرورة تعديلها بشكل آلـي فـي فترات متباعدة
منهـا دستور”البرتغال “لسنة 1933الذي ينص على تعديله كل 10سنوات والدستور
“البولوني ” الذي يشترط تعديله بعد مرور 20سنة …الخ.و على كل حال فان
عملية التعديل قد تختص بها الهيئة التشريعية العادية, أو هيئة خاصة, أو
الشعب عن طريق الاستفتاء.

ج/ دساتير لا تشير إلى طريقة تعديلها:
ويعتقد البعض أن الحق في تعديلها يعود إلى الجهة التي وضعتها ,أمـا البعض
الآخر فيعتقد بأن هـذا الحق يعود إلـى الشعب باعتباره صاحب السيادة ولا
يمكن فرض قيود علـى هـذا الحـق وتفسيره أن هناك إرادة جماعية تعبر عن
الدستور وهي أعلى من الإرادة التي تعتبر عن القانون
ثانيا : شروطه:
يشترط أن يتم التعديل وفق إجراءات خاصة و محددة مسبقا في الدستور نفسه ، و
هذا من أجل المحافظة على سموه وعلو منزلته و على جموده ، حتى لا يعدل
الحكام حسب مشيئتهم و رغباتهم ، و يكون هذا التعديل وفقا لطرق و أساليب
معينه تختلف باختلاف الأنظمة السياسية و كذا درجة الجمود التي يراد إعطاؤها
للدستور.

المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل .

القيود التي ترد علي التعديل أن القيام بالتعديل لا يعطي الحرية المطلقة
للسلطة المكلفة به لتعديله حسب مشيئتها بل هـي مقيدة حسب السلطة التأسيسية
الأصلية بجملة من القيود و تكون قد وردة من قبل في الدستور المراد تعديله
قيـود تسمح بضمان عدم التلاعب بالدستور من قبل السلطة الحاكمة و التي تختلف
من دستور إلى أخر حسب ظروف ومعطيات كل بلد و علي العموم تعديل الدستور عرف
عـدة قيود عبـر التاريخ والتي يمكن حصرها في ما يلي :
1- منع التعديل بصفة مطلقة و هي نظرية قديمة نادى بها بعض الفلاسفة و رجال
الثورة الفرنسية و هذا تقديس للدستور باعتباره نصا قانونيا كاملا لا يشوبه
نقـص او عيب و أن الدستور يتضمن مبادئ لا يمكن تعديلها.
هذه النظرية غير واقعية لذلك لم يؤيدها التاريخ و هـي تؤدي إلى ثورة حقيقية
علي الدستور أو حذفه و تجاوزه من حيث الممارسة لأنه لا يمكن تجميد حركة
المجتمع و تطوره أحق إلي ذلك أن اغلب الفقهاء الفرنسيين يقرون بحق الأمة في
تغيير الدستور كلما تحققت أسباب تغييره باعتبارها صاحبة السيادة .
2 – منع إلغاء دستور من خلال تعديله كما حدث في دستور 1976 الذي اعتبر مجرد
تعديل دستور لكنه في الحقيقة كان إلغاءا فدستور 1989 كان مختلفا كليا فـي
دستـور 1976 و بالتالي فانه إلغاء و ليس تعديل للدستور .
3 – اشتراط قراءة ثانية للدستور أمام البرلمان لمشروع التعديل مع المصادقة
علي المشروع من قبل النواب البرلمان بنسبة لثلثي أو ثلاثة أرباع أعضائـه، و
يجب الفصل بين القرائتين مدة زمنية معينة فمثلا دستور 1963 مدة ثلاثة أشهر
بين القرائتين .
4 – منع تعديل الدستور بعد وضعه لفترة زمنية معينة من اجل تدعيم استقراره و
تكريس العمل به ويكون هذا المنع لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات أو أي مدة
يحددها الدستور.
5 – منع التعديل إلى بعد تحقق شرط معين من الدستور الأردني الذي اشترط بلوغ ولي العهد سن الرشد حتى يتم التفكير في التعديل.
6 – من التعديل في الظروف الطارئة مثل الحرب أو عدوان خارجي او مساس
بالتراب بسلامة التراب الوطني (حسب المادة 194 من دستور الجزائر لسنة 1976
التي نصت
انه لا يمكن لأي تعديل أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم بدين الدولة و
بالاختبـــار الاشتراكي بالحريات الاشتراكية بالحريات الأساسية للإنسان و
المواطن بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر السري و بسلامة
التراب الوطني).

المطلب الثالث: مراحل تعديل الدساتير:

تمر إجراءات تعديل الدساتير بعدة مراحل أهمها :
أ – مرحلة الاقتراح:
قد يتقرر هذا الحق للهيئة التنفيذية وحدها و بالأحرى لرئيس الدولة بقصـد
تكريس هيمنتها على غيرها من الهيئات، و يظهر هذا جليا في الدستور الجزائري
لسنة 1976م المادة 191، و في المادة 192من دستور 1989 ، أو يعطي للسلطة
التشريعية و حدها لنفس السبب مثلما هو الشأن في دستور الولايات المتحدة
الأمريكية ( المادة:5).
وكذلك قد يعطي هذا الحق إلى كل من السلطتين التنفيذية و التشريعية بهدف
إقامـة نوع من التوازن بينهما ، مثل دستور الجزائر لسنة 1963 ( المادة:71)،
و دستـــور الجزائر لسنة 1996 ( الم م: 174، 177) ، و دستور فرنسا لسنة
1958، و قد يعطي للشعب فضلا عن البرلمان مثلما هو مطبق في دساتير بعض
الولايات المتحدة الأمريكية ، و دستور إيطاليا لسنة 1946 ( المادة:61) ،
ودستور سويسرا ( المادة 121/7).
ب – مرحلة قبول مبدأ التعديل:
حتى يمكن وضع مبادرة التعديل موضع التنفيذ فلا بد من قبول مبدأ التعديل ،
وعادة مـا توكل صلاحية الفصل في مدى ضرورة التعديل إلى البرلمان الذي يجب
أن يصوت على قبول مبدأ التعديل دون التطرق إلى موضوع التعديل.
وهذا ما هو موجود في فرنسا في ظل دستور1958 ، إذ أنه بعـد اقتراح التعديل
يبقـى للبرلمان أن يقرر إذا ما كان هذا الاقتراح يجب ان يقبل أم لا ، وفي
حالة الرفض يجهض مشروع التعديل ، أما فـي سويسرا فإذا رفـض البرلمـان
اقتراح التعديـل فلا يجهض المشروع بل يقوم البرلمان بوضع مشروع تعديل مضاد
ثم يحل الاثنان على الاستفتاء.

ج – مرحلة الإعداد:
قـد تقوم بالإعداد هيئة منتخبة لهذا الغرض ( الأرجنتين في دستور 1883) أو
يقوم به البرلمان وفقا لشروط خاصة كاجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر و
حضور نسبة خاصة في التصويت ، وقد يعهد به الى التنفيذية وحدها ( مثل
الجزائر).
وفي بعض الدول قد يتم حل البرلمان و إجراء انتخابات جديدة لتشكيل برلمان
جديد هذا الغرض ( رومانيا ) وقد يقوم به الشعب مثلما هو في ( سويسرا ).

د – مرحلة الإقرار ( النهائية ):
إن إقرار التعديل عادة ما يكون من اختصاص البرلمان مثلما هو الحال في
الجزائر و فقا لدستور 1976 الذي يشترط أن يتم الإقرار بأغلبية 2/3 (
المادة:192) أو بأغلبية ¾ إذا تعلق مشروع التعديل بالأحكام الخاصة بالتعديل
( المادة:193 ) و كذلك قد يتم الاقرار عن طريق الاستفتاء الدستوري بالنسبة
للمسائل ذات الأهمية الوطنية كما حدث بالنسبة لإقرار تعديل 3 نوفمبر 1988.
أما فـي ظل دستور 1963 فإن الإقرار النهائي يتم عن طريق الاستفتاء الدستوري
( المادة: 63)، وفي فرنسا يجب أن يعرض مشروع التعديل على الاستفتاء بعد
الموافقـة عليه مـن قبل مجلسي البرلمان، ويمكن الاستغناء عنه إذا قرر رئيس
الجمهورية عرض المشروع على المجلسين المنعقدين في صورة مؤتمر شريطة
الموافقة عليه بأغلبية 3/5 الأعضاء المصوتين ، هذا إذا كان اقتراح التعديل
مصدره الحكومة ، أما إذا كان مصدره البرلمان فلا غنى عن الاستفتاء
الدستوري.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن التعديل الدستور لا يتـم
إقراره إلا إذا وافقت عليه المجالس التشريعية ل ¾ الولايات المختلفة، أو
عندما توافق عليه مؤتمرات عقدت في ¾ الولايات المختلفة.
*-/ إجراءات تعديل الدستور الجزائري الحالي ( دستور 1996):
لقد عالجت المواد174-178 من الباب الرابع من الدستور الجزائري الحالي إجراءات و مراحل تعديل الدستور وهي كالتالي:
أ – مرحلة الاقتراح:
إن المبادرة بالتعديل الدستوري تعود إلى كل من رئيس الجمهورية و كذلك إلى ¾ أعضاء غرفتي البرلمان مجتمعتين معا ( الم م: 174، 177).
ب – مرحلة التصويت:
تتم بعرض التعديل على كل من المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، اللذان
يصوتان عليه حسب الشروط نفسها التي تطبق على النص التشريعي ( المادة:174 ).

ج – مرحلة الإقرار النهائي:
ويتم هذا عن طريق عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي خلال الخمسين سنة (50)
يوما الموالية لإقراره ، ولكن إذا رفضه الشعب فيصبح مشروع القانـون الـذي
يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، ولا يمكـن عرضه من جديد على الشعب
خلال الفترة التشريعية، ( المادة 174،175)، لكن يمكـن الاستغناء عـن
الاستفتاء الشعبي إذا ارتأى المجلس الدستـوري أن مشروع أي تعديـل دستوري لا
يمس البتة بالمبادئ المنصوص عليها في المادة 176 من الدستور، وفي هذه
الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصـدر القانون المتضمن للتعديل الدستوري
دون عرضه على الشعب متى أحرز على ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان.
د – مرحلة الإصدار:
و هـي آخـر مرحلة بحيث يقوم بها رئيس الجمهورية سواء فـي حالة التعديل الذي
صادق عليـه الشعب، أو فـي حالـة الموافقة علـى التعديل المقترح مـن قبل
البرلمان ( الم م :174/2 – 177/2.).
و الإصدار بشكل عام لا يعد مرحلة تشريعية، لأن الإصدار هـو إجراء يقرر
بموجبه رئيس السلطة التنفيذية و جود قانون تمت الموافقة عليه من قبل الشعب
بنقله إلى المرحلة التنفيذية.

المبحث الثاني: إنهاء و إلغاء الدستور.

المقصود بإلغاء الدستور أو نهايته أو بانقضائه وضع حـد لسريانـه بالنسبة
للمستقبل و إخراجه من حيز النفاذ، ولهذا تقسم و أساليب انقضاء الدستور إلى
نوعين الأسلوب القانوني و الأسلوب الغير قانوني و بالإضافة إلى الآثار
الناجمة عن إتباعهما.

المطلب الأول: الطرق القانونية ( العادية):

يكون الإلغاء شرعيا حين يتم طبقا لتقنيات الدستور نفسه و الإجراءات التي
يحددها في نصوصه ، بالنسبة للدول اللبرالية قليلا ما تنص دساتيرها على
مسألة إلغائها لأنها تعتبـر من النصوص القانونية الثابتة التي قد تعدل و
لكن لا تلغى بصفة نهائية لأنها مبادئ عامة و راسخة و صالحة لمختلف الظروف.
و مع ذلك توجد بعض الدساتير التـي تسير إلـى إمكانية الإلغاء الجزئي أو الشامل مثل الدستور الفرنسي لسنة 1875 م.
أما بالنسبة للدول التي اعتمدت أو لازالت تعتمد النظام الاشتراكي فهي ترى
أن الدستور عبارة عن نص قانوني يعبر عن مرحلة تاريخية معينة، و لذا فإن
الدستور يتغير كلمــا تعاقبت تلك المراحل مثل الصين الشعبية التي عرفت عدة
دساتير مثل دستور: 1954، 1975، 1978، 1980، 198…..الخ، وعادة يتم الإلغاء
عن طريق الاستفتاء أو عن طريق الجمعية التأسيسية أو بواسطتهما معـا أو عـن
طريق المجالس البرلمانية بالنسبة للدساتير المرنة ، وقـد يكون الإلغاء
بطريقة غيـر مباشرة عـن طريق المصادقة على الدستور جديد مثلمـا حدث فـي
الجزائر بالنسبة لدستور 1976 م ، حيث ألغي بطريقة ضمنية غير مباشرة تتمثل
في عرض دستور 1989 م على الاستفتاء الشعبي ، وقد كانت فـي نفس الوقت
المصادقة عليه إلغاء الدستور 1976 م فهو لا يتضمن نصا حول كيفية إلغائه ،
وبهذا فهو تم بطريقة غير شرعية لكن مادام الشعب صاحب السيادة و هو السلطة
التأسيسية فإن مصادقته على دستور 1989 م شكل إلغاء لدستور 1976 م و هو
الأهـم من الناحية القانونية.
إضافة إلى كل هذا فإن الدساتير العرفية تلغى بطرق قانونية و هذا ما نشأت
عرف جديد يحل محل العرف القديم ، أو بوضع دستور جديد مكتوب أو بإصدار
قوانين عادية تلغـي العرف الدستوري .

المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية:

يلغى الدستور بالطرق الغير القانونية عندما لا يتم هذا الإلغاء و فقا للطرق
التي تعرضت لها أنفا ( سابقا ) و عادة ما يكون الإلغاء غير قانوني عن طريق
القـوة و العنف و تتمثل هذه الطرق في :

أولا: الثورة الشعبية:
وتحدث عندما يصبح الشعب أو أغلبيته غير راض عــن النظام القائم سواء
لاستبداده أو لعدم استجابته لمطالب الجماهير و إرادتها في التغير فقد تقوم
ثورة شاملة للإطاحة بالنظام و تغييره بنظام جديد يمس كافـة الجوانب
السياسية الاجتماعية الاقتصادية و الثقافية ، و عادة ما تكون هذه الثورة
منظمة و مخطط لها مسبقا و تكون تحت إشراف قيــادة مهيئة لاستلام الحكم فـي
حالة نجاح الثورة ، و مـن أمثلة الثوران التي ألغت الدستور القائـم الثورات
الروسية سنـة 1917م و الإيرانية 1979م و المصرية 1952م و الليبية سنة
1969م.
إضافة إلـى الثورة توجـد حالة متشابهة لهـا تعرف بالتمرد أو الانتفاضة
الشعبية اللذان يتميزان بالفوضـى و انعدام التنظيم لكن قد يتحولان إلى
عصيان لا ينتهي بسقوط النظام فقط و إنما يسفر في إلغاء جزئي أو كلي.

ثانيا: الانقلاب:
وهو صراع حول السلطة ينشأ بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم و الذي يهدف
إلى تغير شخص أو مجموعة أشخاص و إبعادهم عن السلطة أو تغير الجهاز الحاكم
بمجمله و فـي أغلب الأحيان يكون الجيش المدير للانقلاب و الذي يسمى
بالانقلاب العسكري و هـذه ظاهرة منتشرة في بلدان العالم الثالث كما يمكن
للانقلاب أن يكون مدنيا بمشاركة كا مـن المدنيين و العسكريين معـا ، مثـل
بعض الوزراء و بعض قـادة الجيش ، وقـد يكون الانقلاب فرديا مثل انقلاب
نابليون أو جماعيا مثل انقلاب مجلس الثورة في إطار مـــا يعرف بالتجديد
الثوري ( التصحيح الثوري ) و إلغائهم لدستور 1963م ، و من المهم أن نعرف أن
إلغاء الدستور عن طريق الانقلاب هي طريقة مستقبحة أو سيئة بل قد تكون في
بعض الحالات المناص الوحيد و الطريق الأوحد من أجل و ضع حد للاستبداد و
التسلط و الطغيان الحكـام و لذا فإن لـم تكـن مشروعة غيـر مطابقة لأحكام
الدستورية فهي مشروعية من حيث أهدافها و غايتها و احترامها لإرادة الجماهير
الشعبية و التـي تشكل حق من حقوق الشعوب.

المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.

أولا: بالنسبة للنظام السياسي:
إن إلغاء أو إنهاء الدستور قد يضع حدا لنظام سياسي سابق مثل إلغاء دستور
1946 في فرنسا الذي و ضع حدا للجمهوري الرابعة، كذلك إلغاء دستور إيران
ووضع أخــر محله سنة 1979 الذي كان له أثر على المستوى السياسي.

ثانيا: بالنسبة للدولة :
إن إلغاء الدستور لا يمس و جود الدولة رغم تغيير النظام السياسي، و لكنه
قــد يؤدي إلى تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، و هذا كاستثناء فقط (
وحدة مصــر و سورية.)، أما ما عدا ذلك فتبقى الدولة قائمة رغم تغيير النظام
السياسي و هذا ما يبرز إلتزاماتها بالمعاهدات الدولية المبرمة في السابق (
إيران ) ، و عادة مــا يسارع الحكام الجدد الى إعلان التزامهم بذلك ( ما
عدا في عهد الاتحاد السوفياتي سابقا.).

الخاتمة:
وفـي الأخير يمكن القول أن إلغاء الدساتير قد يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات
القائمة طبقـــا له على النظام السياسي و نظام الحكم السائد في الدولة
نفسها و لكن من المهم محاولة تجنب إلغاء أو تعديل الدساتير من أجل ضمان
استقرار الأمني للبلاد عـن طريق وسائل أخرى مثل الوقاية على دستورية
القوانين فإلى اي مدا يمكن لهذه الوقاية أن تحمي و تحفظ سلامة و استقرار
الدولة.

؟

لبحث: البلدية
مقدمة:
المبحث الأول: مفهوم البلدية وتطور نظامها.
المطلب الأول: مفهوم البلدية.
المطلب الثاني: مراحل تطور نظام البلدية.

المبحث الثاني: المجلس الشعبي البلدي.
المطلب الأول: تأليف المجلس.
المطلب الثاني: عمل المجلس.
المطلب الثالث: صلاحيات المجلس.
المبحث الثالث: رئيس المجلس الشعبي البلدي.
لمطلب الأول: كيفية اختياره.
المطلب الثاني: انتهاء مهامه.
المطلب الثالث: صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي.
المبحث الرابع: إدارة البلدية.
المطلب الأول: الأمانة العامة.
المطلب الثاني: المصالح الإدارية للبلدية.
المطلب الثالث: المصالح التقنية للبلدية.
المطلب الرابع: بعض المصالح الأخرى.
المبحث الخامس: الرقابة على البلدية.
المطلب الأول: الرقابة على المعينين.
المطلب الثاني: الرقابة على المنتخبين.
المطلب الثالث: الرقابة على الأشخاص.
المطلب الرابع: الرقابة على الأعمال.
المطلب الخامس : الرقابة على الهيئة (المجلس).
الخاتمة:
قائمة المراجع والمصادر:
مقدمة:
تعتبر اللامركزية هي النظام الذي يقوم على أساس تفتيت وتوزيع سلطات الوظيفة الإدارية في الدولة بين الإدارة المركزية من جهة وبين هيئات ووحدات إدارية أخرى مستقلة ومتخصصة على أساس إقليمي جغرافي من ناحية أخرى,مع وجود رقابة وصائية إدارية على هذه الوحدات والهيئات اللامركزية,ومن بين هذه الوحدات اللامركزية وأشدها تطبيقا والتي تعتبر من أبرز صورها هي: البلدية .إذا ما هي البلدية ؟ وكيف كانت البلدية في الجزائر قديما ؟وما هي هيئاتها ؟وكيف تسير إداريا ؟.
ومن خلال هذه التساؤلات هذا ما سوف نتطرق إليه في هذا العرض.
المبحث الأول: مفهوم البلدية وتطور نظامها :
المطلب الأول: مفهوم البلدية:
عرف المشرع البلدية بموجب المادة الأولى من القانون رقم (90-08) المؤرخ في :17 أفريل 1990 التعلق بقانون البلدية : (( البلدية هي الجماعية الإقليمية الأساسية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي)).
وعرفها قانون البلدية لسنة 1967 بأنها: (( البلدية هي الجماعة الإقليمية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية)). (1)
للبلدية مكانة مهمة في التنظيم الإداري للدولة الحديثة حيث تتمتع بخصائص عديدة منها:
-البلدية مجموعة إقليمية يوجد بين مواطنيها مصالح مشتركة مبنية على حقائق تاريخية واقتصادية.
-البلدية مجموعة لامركزية أنشئت وفقا للقانون وتتمتع بالشخصية المعنوية.
-البلدية مقاطعة إدارية للدولة مكلفة بضمان السير الحسن للمصالح العمومية البلدية.
ومن خلال ما سبق ذكره يتجلى لنا الدور الأساسي للتنظيم البلدي في الجزائر وعليه يجب الاطلاع على ماضي وواقع هذا التنظيم ومن أجل ذلك يجب دراسة المراحل التي مر بها .(2)
المطلب الثاني: مراحل تطور نظام البلدية:
1-البلدية في المرحلة الاستعمارية (1830-1962):
كانت البلدية أداة لفرض الهيمنة وخدمة العنصر الأوروبي فالبلديات المختلطة كانت كما جاء في بيان الأسباب لقانون البلدية كان يديرها موظف من الإدارة الاستعمارية وهو متصرف المصالح المدنية,يساعده موظفون جزائريون وهم القوّاد’ وتساعده لجنة بلدية تتكون من أعضاء أوروبيين منتخبين وبعض الجزائريين المعينين وذلك إبتداءا من 1919 إلى جانب البلديات المختلطة وجدت بعض البلديات ذات التصرف التام في المناطق التي يسكنها أغلبية أوروبية وهذه البلدية ما هي إلا أداة لخدمة الإدارة الفرنسية.
2-البلدية في المرحلة الانتقالية (1962-1967):
لقد فرض الفراغ الذي تركته الإدارة الفرنسية على السلطة آنذاك على إنشاء لجان تتولى مهمة تسيير شؤون البلدية يقودها رئيس عهدت إليه مهام رئيس البلدية’ وكذلك قامت السلطة بتخفيض عدد البلديات ليصل إلى 676 وهذه المرحلة أطلق عليها مرحلة التجميع,أصبح متوسط عدد السكان 180 ألف ساكن بعد أن كان
أثناء الاستعمار 1535 بلدية اصطنعتها السلطة الفرنسية لفرض هيمنتها .
وبهدف مساعدة البلديات على القيام بمهامها تم إنشاء لجان أخرى وهي لجنة التدخل الاقتصادي والاجتماعي ( cies ) والمجلس البلدي لتنشيط القطاع الاشتراكي ( ccas ) وتضم اللجنة الأولى (3)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص 128.
(2): الدكتور:ناصر لباد/ التنظيم الإداري/منشورات دحلب/حسين داي/الجزائر/ص ص167..168.
(3): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص .129
ممثلين عن السكان وتقنيين ويتمثل دورهم في تقديم آراء حول مشروع الميزانية ,وغير أن هذه اللجان لم يتم تنصيبها في كثير من المناطق,أما المجلس الثاني فقد كان يضم ممثلين من الإتحاد العام للعمال الجزائريين وممثلين عن الحزب وعن الجيش مهمته الأساسية هي:تنظيم ومتابعة المشاريع المسيرة ذاتيا.
3- مرحلة التفكير في إنشاء قانون البلدية:
لقد كان لدستور 1963 وميثاق الجزائر وميثاق طرابلس بالغ الأثر في إبراز مكانة البلدية على المستوى الرسمي والاعتراف بدورها الطلائعي وأهم الأسباب التي دفعت السلطة آنذاك إلى ضرورة الإسراع في التفكير وإصدار قانون للبلدية:
1-خضوع البلديات أثناء الفترة الاستعمارية للنظام القانون الفرنسي مما أجبر السلطة إلى ضرورة التعجيل بإصلاح المؤسسات الموروثة ومنها البلدية.
2-عدم مواكبة هذه النصوص لفلسفة الدولة المستقلة والتي تبنت الاتجاه الاشتراكي بحسب النصوص الرسمية.
3-رغبة السلطة في عدم إطالة الفترة الانتقالية خاصة وقد نجم عنها تباين محسوس على المستوى التطبيقي أو العملي.
4-إن دور البلدية أعظم من دور الولاية لا شك بحكم اقترابها أكثر من الجمهور وبحكم مهامها المتنوعة لذا وجب أن يبدأ الإصلاح منها أولا.وانطلاقا من هذه النصوص المرجعية ومن تجربة الفترة الانتقالية تحرك الهيكل السياسي المتمثل في المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني وأعد مشروع قانون البلدية
الذي طرح وبقوة خاصة بعد أحداث 1965 وعرف امتدادا واسعا وشرحا مستفيضا وإثراء لا مثيل له من جانب الحزب وتم تبنيه في مجلس الثورة في شهر جانفي 1967.
4- مرحلة قانون البلدية (1967-1990):
لقد تميز هذا القانون بالتأثر بنموذجين مختلفين هما النموذج الفرنسي والنموذج اليوغسلافي ويبدو التأثر بالنظام الفرنسي خاصة بالنسبة لإطلاق الاختصاص للبلديات وكذا في بعض المسائل التنظيمية الأخرى بحكم العامل الاستعماري,أما التأثر بالنموذج اليوغسلافي فيعود سره إلى وحدة المصدر الأيديولوجي (النظام الاشتراكي) واعتماد نظام الحزب الواحد وإعطاء الأولوية في مجال التسيير للعمال والفلاحين.
5- مرحلة قانون البلدية لسنة 1990:
وهذه مرحلة تميزت بخضوعها لمبادئ وأحكام جديدة أرساها دستور 1989 وعلى رأسها إلغاء نظام الحزب الواحد واعتماد نظام التعددية الحزبية.
ولم يعد في ظل هذه المرحلة للعمال والفلاحين أي أولوية في مجال الترشح كما كان من قبل بعد أن ثبت هجر النظام الاشتراكي وسنتولى دراسة نظام البلدية بالتفصيل طبقا لمقتضيات هذا القانون.(1)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص 130.
المبحث الثاني: المجلس الشعبي البلدي:
طبقا للمادة 13 من قانون البلدية : (( يدير البلدية ويشرف على تسيير شؤونها مجلس شعبي بلدي و رئيس المجلس الشعبي البلدي )).
يشرف على إدارة شؤون البلدية المختلفة مجلس منتخب وجهاز مداولة هو المجلس الشعبي البلدي,وتقتضي دراسة هذا الهيكل المسير التطرق لتشكيلته وقواعد عمله وسيره ونظام مداولاته وصلاحياته.
المطلب الأول: تشكيل المجلس:
يتشكل المجلس الشعبي من مجموعة منتخبين يتم اختيارهم من قبل سكان البلدية بموجب أسلوب الاقتراع العام السري المباشر وذلك لمدة خمس سنوات ويختلف عدد أعضاء المجلس الشعبي البلدي بحسب التعداد السكاني للبلدية وفق الجدول التالي:
-7 أعضاء في البلديات التي يقل عدد سكانها عن 10.000 نسمة.
-9 أعضاء في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 10000 و 20000 نسمة.
-11 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 200001 و 50000 نسمة.
-15 عضو في البلديات التي يتراوح عدد سكانها بين 500001 و 100000 نسمة.
-23 عضو في البلديات التي يساوي عدد سكانها بين 1000001 و 200000 نسمة.
-33 عضو في البلديات التي يساوي عدد سكانها أو يفوق 200000.
هذا ويجدر التنبيه أن قانون 1990 لم يعط أولوية لأي فئة من فئات المجتمع عن غيرها وهذا خلافا للمرحلة السابقة حيث كانت الأولوية معترف بها رسميا لفئة العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين كما سلف القول.
بالنسبة للانتخابات البلدية أبعد المشرع طوائف معينة وحرمها من حق الترشح لانتخابات المجلس الشعبي البلدي وهذا بغر سد الطريق أمامها حتى لا تسيء استعمال نفوذها لربح المعركة الانتخابية وقد تم حصر هذه الطوائف في المادة 98 من قانون الانتخابات وهي: (( الولاة رؤساء الدوائر الكتاب العامون للولايات أعضاء المجالس التنفيذية للولايات القضاة أعضاء الجيش الوطني الشعبي,موظفو أسلاك الأمن,محاسبو الأموال البلدية,مسؤولو المصالح البلدية)).
ومن هنا فإن مجال الترشح مكفول لكل من استوفى الشروط القانونية وهي:
-السن 25 سنة كاملة.
-أداء الخدمة الوطنية أو الإعفاء منها .
-أن لا يكون المترشح ضمن أحد حالات التنافي.
-أن يكون المترشح تحت رعاية حزب أو أن يرفق ترشيحه بالعدد اللازم من التوقيعات (150 ناخب إلى 1000).
توزع المقاعد بعد العملية الانتخابية بالتناسب حسب عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة مع تطبيق مبدأ البقاء للأقوى حسب ذات الكيفية المشار إليها سابقا بالنسبة لتوزيع المقاعد على مستوى المجلس الشعبي البلدي.(1).
(1): الدكتور: عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص ص 130..132.
المطلب الثاني: عمل المجلس:
يجتمع المجلس إلزاميا في دورة عادية كل ثلاثة أشهر ويمكن أن يجتمع في دورة استثنائية في كل مرة تتطلب فيها الشؤون البلدية ذلك,سواء بدعوة من الرئيس أو بطلب من الوالي أو من ثلث عدد الأعضاء
ويبدأ المجلس المداولات حين يحضر الجلسات أغلبية الأعضاء وإذا لم يجتمع المجلس لعدم بلوغ النصاب بعد استدعائين متتاليين بفارق ثلاثة أيام على الأقل بينهما تكون المداولات التي تتخذ بعد الاستدعاء الثالث صحيحة مهما يكن عدد الحاضرين.
وتكون جلسات المجلس علنية وهذا يعني إمكانيات حضور المواطنين لجلسات المجلس وفي هذا الصدد فإن رؤساء البلديات ملزمون بأخذ كل الإجراءات من أجل تخصيص أماكن ملائمة داخل قاعة المداولات غير أن هذا الحضور لا يعطي الحق بالتدخل في النقاش والتداول.
ويمكن كذلك للمجلس أن يقرر المداولة في جلسة معلقة ويتولى الرئيس حسن سير المداولات.(1)
ورجوعا للمواد من 41 إلى 45 من قانون البلدية نجد المشرع على غرار قانون الولاية وضع تقسيما رباعيا للمداولات’مداولات تنفذ منا وأخرى تحتاج إلى مصادقة صريحة وثالثة باطلة بطلانا مطلق ورابعة باطلة بطلانا نسبيا.
1- المصادقة الضمنية: الأصل بالنسبة لمداولات م.ش.ب هو التنفيذ بعد 15 يوما من تاريخ إيداعها لدى الولاية عدا المداولات المستثناة قانونا والتي سنشير إليها وهذا ما قضت به المادة 41 من قانون البلدية وخلال هذه المدة أي 15 يوم يدلي الوالي برأيه أو قراره فيما يخص شرعية المداولة وصحتها.والمتمعن في هذا النص يتساءل لاشك متى تكون بصدد رأي ومتى تكون بصدد قرار؟
الحقيقة أن النص لم يقدم إجابة صريحة واضحة عن هذا التساؤل غير أننا نتصور أن الرأي عبارة عن وجهة نظر أولى يقدمها الوالي بصدد مداولة ما ويطلب قبل إصدار القرار من أعضاء المجلس بذلك حسم الأمر وإلا حق للوالي أن يصدر القرار الذي بموجبه يعدم المداولة جزئيا أو كليا.
2-المصادقة الصريحة : نصت المادة 42 من قانون البلدية على : (( لا تنفذ مداولات المجلس الشعبي البلدي التي تخص المسائل التالية إلا بعد مصادقة الوالي عليها:
*الميزانيات والحسابات.
*إحداث مصالح ومؤسسات عمومية بلدية )).
واضح من ذلك أن جهة المصادقة هي الوالي وأن موضوع المداولة ينبغي أن يخص فقط الميزانيات والحسابات وإحداث مصالح ومؤسسات عمومية بلدية’وهو في نفس الموضوع الذي سيمر بنا بالنسبة لمداولات المجلس الشعبي الولائي ولقد حمل قانون البلدية حكما جديدا لم نجد له مثيلا في قانون الولاية تمثل في أن المصادقة الصريحة فرض قانون البلدية أن تتم خلال مدة ثلاثون يوما من تاريخ إيداع محضر المداولة لدى الولاية.
فإذا لم يصدر الوالي قراره خلال هذه المدة انقلبت المصادقة الصريحة إلى مصادقة ضمنية وهو ما يعني أن المداولة تنفذ ولو خصت أحد الموضوعين المشار إليهما متى انتهت مدة شهر.
3-البطلان المطلق: نصت المادة 44 من قانون البلدية : (( تعتبر باطلة بحكم القانون:
-مداولات المجلس الشعبي البلدي التي تتناول موضوعا خارج اختصاصه.
-المداولات التي تكون مخالفة للأحكام الدستورية ولا سيما المواد 2 و 3 و9 وللقوانين والتنظيمات.
-المداولات التي تجري خارج الاجتماعات الشرعية للمجلس الشعبي البلدي…)). (2)
(1): الدكتور:ناصر لباد/ التنظيم الإداري/منشورات دحلب/حسين داي/الجزائر/ص ص187..188.
(2): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص ص.134..136.
4-البطلان النسبي: طبقا للمادة 45 من قانون البلدية تكون مداولات المجلس الشعبي البلدي قابلة للإبطال إذا كانت في موضوعها تمس مصلحة شخصية لبعض أو كل أعضاء المجلس أو لأشخاص خارجين عن المجلس هم وكلاء عنهم.
والحكمة من إبطال هذا النوع من المداولات واضحة حتى يحافظ المشرع على مصداقية المجلس ومكانته وسط المنتخبين وأن يبعد أعضاءه عن كل شبهة.(

1)
وبالنسبة لتنظيمه الداخلي يؤلف م.ش.ب من بين أعضائه لجان دائمة أو مؤقتة لمعالجة المسائل التي تهم البلدية وتشكل اللجان بمداولات المجلس.
ويجب أن تتضمن تشكيلتها تمثيلا نسبيا يعكس المكونات السياسية للمجلس,وهناك ثلاث لجان دائمة هي:- لجنة الاقتصاد والمالية. – لجنة التهيئة العمرانية والتعمير.- لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية.
وتعتبر هذه اللجان أجهزة للتحضير والدراسة من أجل مساعدة المجلس في مهمته.
وميزة هذه اللجان تكمن في أن أشخاصا من غير المنتخبين المحليين يمكنهم المشاركة في أعمالها.ويكون لهم صوت استشاري وهذا ما يسمح للموظفين والأشخاص المختصين وسكان البلدية بتقديم مساعدتهم وآرائهم.(2)
المطلب الثالث: صلاحيات المجلس:
يتأثر مدى اتساع الصلاحيات والاختصاصات الموكلة للهيئات المحلية وخاصة البلدية بالمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة بالدولة.
يحدد القانون البلدي صلاحيات البلدية وهي الصلاحيات التي يمارسها المجلس الشعبي البلدي من خلال مداولات .(3)
وهذا الأخير يمارس صلاحيات كثيرة تمس جوانب مختلفة من شؤون الإقليم لعلّ أهمها:
أ- في مجال التهيئة العمرانية والتخطيط والتجهيز: يكلف المجلس الشعبي البلدي بوضع مخطط تنموي يخص البلدية ينفذ على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد أخذا بعين الاعتبار برنامج الحكومة ومخطط الولاية وما يساعد المجلس للقيام بهذه المهمة أن هناك بنك للمعلومات على مستوى الولاية يشمل كافة الدراسات والمعلومات والإحصاءات الاجتماعية والعلمية المتعلقة بالولاية.
ومن جهة أخرى يتولى المجلس الشعبي البلدي رسم النسيج العمراني للبلدية مع مراعاة مجموع النصوص القانونية والتنظيمية السارية المفعول وخاصة النصوص المتعلقة بالتشريعات العقارية وعلى هذا الأساس اعترف المشرع للبلدية بممارسة الرقابة الدائمة للتأكد من مطابقة عمليات البناء للتشريعات العقارية وخضوع هذه العمليات لترخيص مسبق من المصلحة التقنية بالبلدية مع تسديد الرسوم التي حددها القانون .(4)
(1): الدكتور:عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص 136.
(2): الدكتور:ناصر لباد/ التنظيم الإداري/منشورات دحلب/حسين داي/الجزائر/ص ص187..188.
(3): الدكتور: محمد الصغير بعلي/القانون الإداري.التنظيم الإداري/دار العلوم للنشر التوزيع/الحجار/عنابة/الجزائر/ط2002/ص 158.
(4): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص ص 137..138.
وعلى صعيد آخر حمّل المشرع البلدية ممثلة في مجلسها حماية التراث العمراني والمواقع الطبيعية والآثار والمتاحف وكل شيء ينطوي على قيمة تاريخية أو جمالية.وكذلك تنظيم الأسواق المغطاة والغير المغطاة على اختلاف أنواعها وفي مجال الضبط أناط المشرع بالبلدية صلاحية إقامة إشارات المرور التي لا تعود إلى هيئات أخرى (مصالح الأمن).
ويعود للبلدية السهر على المحافظة على النظافة العمومية وطرق ومعالجة المياه القذرة وتوزيع المياه الصالحة للشرب كما يعود لها حماية التربة والثروة المائية.
ب-في المجال الاجتماعي: أعطى المشرع بموجب المادة 89 من قانون البلدية للمجلس حق المبادرة بإتباع كل إجراء من شأنه التكفل بالفئات الاجتماعية المحرومة ومد يد المساعدة إليها في مجالات الصحة والتشغيل والسكن.وألزم البلدية مراكز صحية وقاعات العلاج وصيانتها وذلك في حدود قدراتها المالية.
كما ألزمها بإنجاز مؤسسات التعليم الأساسي وفقا للبرنامج المسطر في الخريطة المدرسية وصيانة هذه المؤسسات واتخاذ كل إجراء من شأنه تسهيل عملية النقل المدرسي.
بالنسبة للسكن تلف البلدية بتشجيع كل مبادرة تستهدف الترقية العقارية على مستوى البلدية ومن هنا أجاز لها المشرع الاشتراك في إنشاء المؤسسات العقارية وتشجيع التعاونيات في المجال العقاري.
ج-في المجال المالي: يتولى المجلس الشعبي البلدي سنويا المصادقة على ميزانية البلدية سواء الميزانية الأولية وذلك قبل 31 أكتوبر من السنة السابقة للسنة المعنية.أو الميزانية الإضافية قبل 15 جوان من السنة المعنية وتتم المصادقة على الإعتمادات المالية.
د-في المجال الاقتصادي: يوكل للبلدية القيام بكل مبادرة أو عمل من شأنه تطوير الأنشطة الاقتصادية المسطرة في برنامجها التنموي وكذلك تشجيع المتعاملين الاقتصاديين وترقية الجانب السياحي في البلدية وتشجيع المتعاملين في هذا المجال وأجاز قانون البلدية للمجلس الشعبي البلدي إنشاء مؤسسات عامة ذات طابع اقتصادي تتمتع بالشخصية المعنوية.
زمن جميع ما تقدم يتضح لنا أن البلدية كقاعدة للامركزية مهامها كبيرة ومتنوعة وذات صلة وثيقة بالجمهور وإمكاناتها المالية خاصة في المدة الأخيرة عرفت انخفاضا كبيرا أثر بالسلب على دورها ونطاق خدماتها.
المبحث الثالث: رئيس المجلس الشعبي البلدي:
المطلب الأول: كيفية اختياره:
جاء في المادة 48 من قانون البلدية: (( يعين أعضاء القائمة التي نالت أغلبية المقاعد عضوا من بينهم رئيسا للمجلس الشعبي البلدي يتم التنصيب في مدة لاتتعدى ثمانية أيام بعد الإعلان عن النتائج الاقتراع يعين الرئيس للمدة الانتخابية للمجلس الشعبي البلدي)).
إن قانون البلدية لم يشر إلى طريقة اختيار الرئيس مكتفيا بذكر من لهم حق الاختيار وهذا خلافا لقانون الولاية الذي أشار صراحة لطريقة اختيار رئيس المجلس الشعبي الولائي (الأغلبية المطلقة وإلا يكتفي بأغلبية نسبية في دورة ثانية).فإن تساوت الأصوات تسند الرئاسة إلى الأكبر في الأعضاء سنا.
قد جاء قانون البلدية أكثر دقة حينما أوجب تنصيب الرئيس في مدة لا تتجاوز ثمانية أيام التالية لإعلان الانتخابات المحلية وقد أصاب المشرع باعتقادنا إلى أبعد الحدود عند إقراره لهذا الحكم حرصا منه على الإسراع في عملية هيكلة البلديات بشريا لمزاولة أعمالها التي لها صلة مباشرة بالجمهور.(1)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص ص 139..140.
فخلافا للوضع الذي كان سائدا في نظام الأحادية السابق وتماشيا مع النظام التأسيسي التعددي يقوم أعضاء القائمة التي نالت أغلبية المقاعد بتعيين عضو منهم رئيسا للمجلس الشعبي البلدي للمدة الانتخابية (أي 5 سنوات).وبعد تعيينه يقوم الرئيس بتشكيل هيئة تنفيذية وذلك بتعيينه لعدد من النواب له بتراوح بين نائبين وستة نواب حسب عدد أعضاء المجلس الشعبي البلدي.
المطلب الثاني: انتهاء مهامه:
وتنتهي مهام رئيس المجلس الشعبي البلدي بحالة الوفاة وانتهاء مدة العهدة (5 سنوات) ,وتنتهي مهامه للأسباب نفسها التي تنتهي بها مهام باقي أعضاء المجلس والمتمثلة في: الإقالة والاستقالة و الإقصاء.(1)
أ-الاستقالة: وتتمثل في تعبير رئيس المجلس الشعبي البلدي صراحة وكتابة عن رغبته في التخلي إراديا عن رئاسة المجلس وحسنا فعل المشرع في المادة 54 ق.ب حينما ذكر الوالي كجهة إخطار مما يفهم منه أن الاستقالة تقدم للمجلس كهيئة مداولة.
قد أصاب المشرع حينما حدد مدة شهر حتى تصبح الاستقالة سارية المفعول مما نستنتج معه أن الرئيس بإمكانه سحب الاستقالة قبل مضي المدة,وحتى إن قدمها يظل يباشر مهامه ولا يجوز له الانقطاع عن أداء واجبه تحت حجة تقديم الاستقالة للمجلس.(2)
كان من الأفضل لو أن المشرع حدد مدة وجيزة بعد سريان الاستقالة لمباشرة إجراءات الاستخلاف.
ب-سحب الثقة: وتتمثل في طريقة قانونية بمقتضاها يبادر أغلبية في المجلس (ثلثي الأعضاء) بالإطاحة بالرئيس نحو تجريده من صفته الرئاسية .وذلك حسب المادة 55 التي تنص: (( تسحب ثقة المجلس الشعبي البلدي من رئيسه تنتهي مهامه عن طريق اقتراع علني بعدم الثقة وبأغلبية ثلثي أعضائه)).
وإن كان من الأجدى أن تترك مهمة سحب الثقة إلى أعضاء القائمة الفائزة دون غيرهم من الأعضاء ماداموا وحدهم هم أصحاب الثقة الممنوحة لدى التعيين.
وفي كل الحالات فإنه يعوّض خلال شهر بمنتخب آخر من أعضاء القائمة نفسها التي كان ينتمي إليها. أما بالنسبة للإقالة والإقصاء والإيقاف فسنتطرق لها في الرقابة على البلدية لاحقا.
المطلب الثالث: اختصاصات رئيس المجلس الشعبي البلدي:
يتمتع رئيس المجلس الشعبي البلدي بالازدواجية في الاختصاص حيث يمثل البلدية تارة ويمثل ويعمل لحساب الدولة تارة أخرى.
أ-بالنسبة لتمثيله البلدية: لما كانت البلدية تتمتع بالشخصية المعنوية وتحتاج إلى من يعبر عن إرادتها فقد أسند القانون البلدي مهمة تمثيلها إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي حيث يتكفل بممارسة الصلاحيات التالية:
*فهو يمثل البلدية في كل أعمال الحياة المدنية والإدارية وكل التظاهرات الرسمية والاحتفالات.كما يمثلها أمام الجهات القضائية وفي حالة تعارض مصلحة الرئيس مع مصلحة البلدية يقوم المجلس بتعيين أحد الأعضاء لتمثيل البلدية في التقاضي والتعاقد كما تشير المادة 66 ق.ب.(3)
(1): الدكتور: محمد الصغير بعلي/القانون الإداري.التنظيم الإداري/دار العلوم للنشر التوزيع/الحجار/عنابة/الجزائر/ط2002/ص 161
(2): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص 140.
(3): الدكتور: محمد الصغير بعلي/القانون الإداري.التنظيم الإداري/دار العلوم للنشر التوزيع/الحجار/عنابة/الجزائر/ط2002/ص ص 162..164.
*كما يرأس المجلس ويتولى إدارة اجتماعات وأشغال المجلس الشعبي البلدي من حيث:التحضير للدورات والدعوة للانعقاد وضبط وتسيير الجلسات.
*كما يدير الرئيس أموال البلدية والمحافظة على حقوقها حيث يتكفل تحت مراقبة المجلس خاصة ب:
-تسيير إيرادات البلدية والإذن بالإنفاق.
-القيام بكل الأعمال القانونية المتعلقة بأملاك البلدية من حيث اكتسابها واستعمالها واستغلالها والتصرف فيها والمحافظة عليها.
-إبرام صفقات البلدية ومراقبة تنفيذها طبقا للمادة 8 من المرسوم التنفيذي رقم 91-434.
-توظيف مستخدمي البلدية والإشراف على تسييرهم وممارسة السلطة الرئاسية عليهم حيث تنص المادة 128 من القانون البلدي على أن: (( تخضع إدارة البلدية للسلطة السلمية لرئيس المجلس الشعبي البلدي )).
-إعداد واقتراح ميزانية البلدية على المجلس ثم القيام بمتابعة تنفيذها.
-السهر على وضعية المصالح والمرافق والمؤسسات البلدية.
ب-بالنسبة لتمثيله الدولة: باعتباره ممثلا للدولة في إقليم البلدية يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة واردة بالعديد من النصوص القانونية وتتعلق بمجالات شتى منها خاصة:
-الحالة المدنية: بناءا على المادة 68 من القانون البلدي للرئيس صفة ضابط الحالة المدنية التي تخوله القيام بنفسه أو بالتفويض لأحد نوابه أو لموظف بالبلدية استلام تصريحات الولادات والزواج والوفيات وكذا تسجيل جميع الوثائق والأحكام القضائية في سجلات الحالة المدنية وهو ما أكده من قبل الأمر رقم 70-20 المتضمن قانون الحالة المدنية.
كما يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي سنويا بإحصاء المعينين بالخدمة الوطنية.
-الشرطة القضائية: بناءا على المادة 68 السالفة الذكر يتمتع الرئيس بصفة ضابط الشرطة القضائية طبقا للمادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية وذلك تحت سلطة النيابة العامة.
-الشرطة الإدارية: في إطار تمثيله الدولة وباعتباره سلطة من سلطات الشرطة أو الضبط الإداري يتولى رئيس المجلس الشعبي البلدي المحافظة على النظام العام.
ويقصد بالضبط الإداري police administrative المحافظة على النظام العام والمتمثل أساسا في: -الحفاظ على الأمن العام: (حماية أرواح الناس وممتلكاتهم.تنظيم المرور),
-الحفاظ على الصحة العامة: (التدابير الوقائية كمنع انتشار الأوبئة المعدية.السهر على نظافة المواد الاستهلاكية المعروضة للبيع وتطهير مياه الشرب).
-الحفاظ على السكينة العامة: (توفير للسكان الراحة والهدوء.عدم استعمال مكبرات الصوت بالليل وكذلك تنظيم المظاهرات).
في ممارسته لصلاحياته في مجال الضبط الإداري يكون الرئيس تحت السلطة الرئاسية للوالي.
-تنفيذ القوانين والتنظيمات: باعتباره ممثلا للدولة يكلف الرئيس بمتابعة تنفيذ القوانين والتنظيمات كالمراسيم الرئاسية والتنفيذية والقرارات التنظيمية الوزارية عبر تراب البلدية.(1)
والبلدية مسؤولة مدنيا عن الخسائر والأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات والناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة بالعنف في ترابها ولها فيما بعد الرجوع على المتسببين في هذه الأعمال.
ولا تتحمل البلدية الضرر الناجم عن والكوارث أو الحرائق كما لا تتحمل نتيجة الأضرار إذا ثبت أنها نتجت عن المضرورين أنفسهم ولضمان سلامة الأشخاص والممتلكات أجازت المادة 81 من قانون البلدية للوالي ممارسة سلطة الحلول محل رئيس المجلس الشعبي البلدي وذلك بعد انتهاء الأجل المحدد في الإنذار.(2)
(1): الدكتور: محمد الصغير بعلي/نفس المرجع السابق/ص ص 164..165.
(2): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص 142.
المبحث الرابع: إدارة البلدية:
المطلب الأول: الأمانة العامة:
إن الأمانة العامة للبلدية يسيرها أمينا عاما وهذا الأخير حسب بعض المختصين يعتبر الركيزة الأساسية في البلدية ويعتبر المساعد المباشر الأساسي لرئيس البلدية.
وتجدر الإشارة أن وظيفة أمين عام للبلدية موجودة على مستوى كل بلديات التراب الوطني والتعيين فيها يكون حسب الشروط المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي رقم 91-26 المؤرخ في 02/02/1991 المتضمن القانون الأساسي الخاص بالعمال المنتمين إلى قطاع البلديات وكذا المرسوم التنفيذي رقم 91-27 المؤرخ في 02/02/1991 الذي يحدد قائمة الوظائف العليا للإدارة البلدية.
وفيما يخص صلاحيات الأمين العام للبلدية تنص المادة 119 من المرسوم التنفيذي المذكور أعلاه ما بلي: (( يتولى الأمين العام للبلدية وتحت سلطة رئيس المجلس الشعبي البلدي ما يأتي:
-جميع مسائل الإدارة العامة.
-القيام بإعداد اجتماعات المجلس الشعبي البلدي.
-القيام بتنفيذ المداولات.
-القيام بتبليغ محاضر مداولات م.ش.ب والقرارات للسلطة الوصية إما على سبيل الإخبار أو من أجل ممارسة سلطة الموافقة والرقابة.
-تحقيق إقامة المصالح الإدارية والتقنية وتنظيمها والتنسيق بينها ورقابتها.
-ممارسة السلطة السلمية على موظفي البلدية.)).
ومن خلال نص المادة 119 نستطيع أن نحصر الصلاحيات الأساسية للأمين العام للبلدية فيما يلي:
• تسيير وتنشيط المصالح الإدارية والتقنية للبلدية.
• تحضير مداولات م.ش.ب وخاصة منها المتعلقة بالميزانية البلدية.
• يمارس السلطة الرئاسية على موظفي البلدية ولكنه يمارسها باسم رئيس البلدية وذلك طبقا لما جاء في المادة 128 من القانون رقم 90-08 التي تنص: (( تخضع إدارة البلدية للسلطة السلمية لرئيس المجلس الشعبي البلدي )).
وتظهر أهمية هذه الوظيفة أي وظيفة الأمين العام للبلدية خاصة حين تجديد المجالس الشعبية البلدية بحيث أثناء هذه المرحلة يصبح تقريبا هو المسؤول الأول لإدارة البلدية .
فيعتبر حينئذ الأمين العام للبلدية القناة أو الوسيط بين الهيئة البلدية المنتخبة والمصالح البلدية ولكن تجدر الإشارة أن الواقع في بعض الأحيان إن لم نقل في كثيرها.فإن صعوبات كثيرة تواجه ممارسة هذه الوظيفة . (1)
(1): الدكتور:ناصر لباد/ التنظيم الإداري/منشورات دحلب/حسين داي/الجزائر/ص ص206..209.
المطلب الثاني: المصالح الإدارية:
Les services administratifs
تتمثل هذه المصالح خاصة في خاصة مصلحة التنظيم والشؤون العامة ومصلحة المحاسبة ومصلحة الحالة المدنية.
فالمصلحة الأولى تتكفل بكل ما يتعلق بالانتخابات (مراجعة القوائم الانتخابية, التسجيل في القوائم الانتخابية’ التحضير للعمليات الانتخابية… ).
وكذلك بكل ما يتعلق بالتنظيم (التنظيم المتعلق بأصحاب الحرف,بالتجار,البوليس العام…).
أما مصلحة المحاسبة فإنها تتكفل بالميزانيات والمحاسبة وبتسيير المستخدمين وبتسيير الأملاك البلدية سواء منقولة أو عقارية وخاصة الاحتياطات العقارية.
أما مصلحة الحالة المدنية فهي تعتبر من أهم مصالح البلدية فهذه المصلحة تتكفل بتلقي والحفاظ وتسليم وثائق الحالة المدنية (مثل:شهادة الميلاد,شهادة الإقامة…) .
المطلب الثالث: المصالح التقنية للبلدية:
Les services techniques de la commune
تلعب المصالح التقنية البلدية دورا هاما خاصة أن البلدية تلعب دورا أساسيا في تجسيد المخططات الإنمائية البلدية وانجاز المدارس…فوجود المهندسين والمهندسين المعماريين وكذلك الأطباء البيطريين يساعدها على تحسين السير لمختلف النشاطات البلدية سواء في قطاع الصحة أو في قطاع الانجاز أو في ميدان التعمير والبناء.
المطلب الرابع: بعض المصالح الأخرى:
وهذه المصالح هي المصالح التقنية للدولة والمصالح المكلفة بالأمن.
-المصالح التقنية للدولة:
ليس لكل بلدية القدرة على إنشاء مصالح تقنية تابعة لها وعلى هذا الأساس تنص المادة 111 من قانون البلدية على ما يلي: (( تقدم المصالح التقنية للدولة مساعدتها للبلديات حسب الشروط المحددة في التنظيم )).
فهذه المصالح التقنية توضع من طرف الدولة في خدمة البلديات غير المؤطرة لتمكينها من إنجاز ومتابعة بعض المشاريع مثل قطاع الأشغال العمومية (طرقات,جسور…) وكذلك لأشغال الري ( مثل:مشاريع المياه الصالحة للشرب…).
– المصالح المكلفة بالأمن:
وتتمثل هذه المصالح في الشرطة البلدية أو الحرس البلدي من جهة وفي المكلف بالأمن على مستوى البلدية من جهة أخرى.(1)
(1): الدكتور:ناصر لباد/نفس المرجع السابق/ ص ص 208. 210.
المبحث الرابع: الرقابة على البلدية:
إن الرقابة على البلدية باعتقادنا أكثر إشكالية وصعوبة إذا ما قورنت بالرقابة على الولاية وذلك بسبب أن الجهاز المسير داخل البلدية هو منتخب,فعلى رأس الولاية مثلا:نجد الوالي وهو الشخص معين وإلى جانبه المسؤولين التنفيذيين ويسهل ممارسة الرقابة على هؤلاء كما رأينا أما على مستوى البلدية فالأمر يختلف حيث الرئيس ونوابه وسائر الأعضاء منتخبون مما يصعب لاشك من ممارسة الرقابة ورغم هذه الصعوبة إلا أن البلدية كالولاية تخضع للرقابة ولا يتنافى ذلك مع تمتعها بالشخصية المعنوية نفصّل ذلك فيما يلي:
المطلب الأول: الرقابة على المعينين:
مبدئيا لا يطرح هذا النوع من الرقابة إشكاليا على المستوى العملي فكل موظف أيا كانت درجة مسؤوليته وقطاع نشاطه خاضع لرابطة التبعية تجاه الإدارة المستخدمة أو سلطة الوصاية.
فالأمين العام للبلدية مثلا عندما يتلقى مجموعة تعليمات من سلطة الوصاية أو من والي الولاية يلزم تنفيذها في حدود صلاحياته وبما يخوله القانون من سلطة.
المطلب الثاني: الرقابة على المنتخبين:
كما سلف القول فإن هذا النوع من الرقابة يثير من حيث الأصل إشكاليات على المستوى العملي خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار استقلالية المجلس البلدي المنتخب غير أن هذا لا يعني إعفاء فئة المنتخبين وعدم خضوعهم للرقابة بل إن هؤلاء كأشخاص يخضعون لأنواع من الرقابة حددها القانون كما تخضع أعمالهم وخضع هيئتهم أيضا,أن عدم الاعتراف بهذه الرقابة تحت حجة الاستقلالية أمر من شأنه يبعدنا أكثر عن النظام اللامركزي .
المطلب الثالث: الرقابة على الأشخاص:
وتتخذ شكل الإقالة الحكمية والإيقاف والإقصاء.
*الإقالة الحكمية: جاء في المادة 31 من قانون البلدية: (( يصرح الوالي فورا بإقالة كل عضو في المجلس الشعبي البلدي تبيّن بعد الانتخاب أنه غير قابل للانتخاب قانونا أو تعتريه حالة من حالات التنافي ) ).
واضح من هذا النص المذكور أن سبب تجريد العضو من صفته هو تخلف شروط الانتخاب أو وجوده في حالة من حالات التنافي وهذا أمر معقول فكيف يتصور احتفاظ العضو بصفته وهو يفتقد لأحد الشروط القانونية أو وجد في حالة تنافي فإن ثبت ذلك تعين على الوالي أن يصدر قرارا يقضي بتجريده من الصفة.
*الإيقاف: نصت المادة 32 من قانون البلدية : (( عندما يتعرض منتخب إلى متابعة جزائية تحول دون مواصلة مهامه يمكن توقيفه…)).
من هذا نستنتج أن سبب الإيقاف أو تجميد العضوية هو المتابعة الجزائية والتي أعطى لها المشرع (1)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/الوجيز في القانون الإداري/دار ريحانة/الجزائر/ص ص 143..144.
وصفا محددا بأنها تحول دون ممارسة العضو لمهامه ونتصور أنه في حالة كهذه أن العضو قيدت حريته أي أنه تم إيداعه الحبس الاحتياطي وكان أفضل باعتقادنا أن لا يستعمل المشرع لفظ يمكن لأنه إذا ثبتت المتابعة الجزائية وثبت مانع حضور أشغال المجلس تعين على المجلس إيقاف العضو كإجراء احترازي للمحافظة على مصداقية المجلس.
ووقوفا عند نص المادة 32 في فقرتها الثانية نجد أن المشرع قد استعمل عبارة بعد استطلاع رأي المجلس ومن ثم فإن ما تمخّض على مداولة المجلس عبارة عن رأي لا يلزم الوالي بالأخذ به ,ولقد أحسن المشرع صنعا عندما اشترط تسبيب القرار من جانب الوالي لما لهذه الضمانة من أثر عميق على المستوى القانوني.
,ذلك أن التسبيب يمكّن الجهة الإدارية أو الجهة القضائية المختصة أو أعضاء المجلس المعني من معرفة الأسباب التي من أجلها أصدر الوالي قرار إيقاف عضو معين,ويستمر الإيقاف إلى غاية صدور قرار نهائي من الجهة القضائية المختصة فإن ثبتت براءة الموقوف عادت له العضوية ثانية بحكم القانون دون الحاجة لإثبات ذلك بموجب مداولة من المجلس أو بموجب قرار من الوالي.
*الإقصاء: تقدم البيان أن الإقصاء إسقاط كلي ونهائي للعضوية لأسباب حددها القانون والإسقاط لا يكون إلا نتيجة فعل خطير يبرر إجراء اللجوء إليه,فعندما تثبت إدانة المنتخب من قبل المحكمة المختصة فلا يتصور احتفاظه بالعضوية ومن ثم وجب أن تسقط عنه ويستخلف عنه ويستخلف بالمترشح الموالي في نفس القائمة واستنادا لما ورد في المادة 33 من قانون البلدية فإن المشرع أوجب إعلان المجلس الشعبي البلدي عن هذا الإقصاء ويثبت فيما بعد بموجب قرار من الوالي.
المطلب الرابع: الرقابة على الأعمال:
لقد رأينا فيما سبق أن مداولات المجلس الشعبي البلدي تخضع لرقابة إدارية ورقابة قضائية,وتتجسد الرقابة الإدارية في رقابة والي الولاية الذي يتمتع بسلطة واسعة سواء في حالة المصادقة الضمنية أو المصادقة الصريحة أو البطلان المطلق أو البطلان النسبي,وهذا طبعا في حدود ما رسمته المواد من 41 إلى 46 من قانون البلدية, فسلطة الوالي تجاه المجلس الشعبي البلدي أوسع منها تجاه المجلس الشعبي الولائي إذ في الحالة الثانية يعتبر الوالي بمثابة جهة إحالة.
المطلب الخامس: الرقابة على الهيئة (المجلس):
وتكون بإنهاء حياتها قانونيا ويتمثل في حلّها وتجريد أعضائها من الصفة التي يحملونها وطبقا للمادة 34 من قانون البلدية يحل المجلس البلدي في الحالات التالية:
1-عندما يصبح المنتخبين أقل من نصف عدد الأعضاء وبعد تطبيق أحكام الاستخلاف:
وهذه الحالة طبيعية كما رأينا فلا يتصور أن يستمر المجلس الشعبي البلدي في عقد جلساته ودوراته وقد فقد نصف أعضاءه كما فقد الأداة القانونية التي بموجبها سيفصل فيما عرض عليه,ولا يكون ذلك إلا بعد اللجوء للقوائم الاحتياطية وبحسب العارض الذي يصيب العضو الممارس (وفاة,إقصاء,استقالة..)فإذا تحقق هذا المانع بادر الوالي إلى إعداد تقريره ويحيله لوزير الداخلية والذي بدوره يعد تقريره ويحيله على مجلس الوزراء لاستصدار مرسوم الحل.(1)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص ص 144..145.
2-في حالة الاستقالة الجماعية: وهنا يمكننا أن نتصور أن يبادر جميع أعضاء المجلس أيا كانت تياراتهم السياسية وانتماءاتهم إلى تقديم طلب يفصحون فيه عن رغبتهم في التخلي عن عضوية المجلس,فإن تم ذلك تعين حل المجلس.
3-في حالة وجود اختلاف خطير بين أعضاء المجلس الشعبي البلدي الذي يحول دون السير العادي لهيئات البلدية: إن الاختلاف بين أعضاء المجلس أمر طبيعي,فلا يتصور أن تتحد رؤيتهم السياسية في كافة المسائل التي تعرض على المجلس,غير أن الاختلاف إذا بلغ درجة من الخطورة والجسامة بحيث يؤدي إلى عرقلة السير الحسن لهيئات البلدية فتعطل مثلا مصلحة من مصالحها تعين في مثل هذه الحالات حل المجلس لأن القول بخلاف ذلك يعني تعطيل مصالح البلدية وهو ما ينعكس سلبا على الجمهور.
والملاحظ أن جميع هذه الحالات المذكورة تماثل الحالات الواردة في قانون الولاية.
4-في حالة ضم بلديات لبعضها أو تجزئتها: وهذه حالة وردت فقط في قانون البلدية ولا نجد لها مثيل في قانون الولاية,وهي أيضا حالة طبيعية لأن عدد البلديات غير ثابت ومستقر,فلأسباب موضوعية قد يعمد المشرع إلى رفع عدد البلديات أو الإنقاص منها ومن ثم قد تضمّ بلدية إلى أخرى وهو ما يعني حل المجلسين معا.فلا يتصور أن تدار شؤون البلدية في حالة الضم مجلس بلدية دون أخرى من البلديتين المعنيتين بالضم, ولا يتصور أيضا أن تدار البلدية الجديدة بمجلسين إذن لا مفر في مثل هذه الحالات من اللجوء للحل وانتخاب مجلس بلدي جديد.
ولقد أحسن المشرع في قانون البلدية حينما عدّد على سبيل الحصر حالات الحل حتى لا يترك أي مجال للاجتهاد والتفسير الواسع للنص, ثم أنه أحسن أيضا حينما فرض اتخاذ مرسوم الحل على مستوى مجلس الوزراء بما له من خطورة كبيرة.(1)
(1): الدكتور: عمار بوضياف/نفس المرجع السابق/ص ص 139..140
الخاتمة :
من خلال ما تم التطرق إليه وتبيان معظم التفاصيل فإنه يستنتج أن البلدية هي وحدة أو جماعة أو هيئة إدارية لامركزية إقليمية ونظامها يعبر عن النظام الإداري الجزائري في صورة وحيدة وفريدة للامركزية الإدارية المطلقة.
حيث أن جميع أعضائها وجميع أعضاء هيئاتها ولجان تسييرها وإدارتها يتم اختيارهم بواسطة الانتخاب العام السري والمباشر وعليه فإن كل ما تحتويه البلدية من أجهزة فإن القانون أعطاها استقلال مالي ومنحها الشخصية المعنوية.
من المادة49 و 50 من القانون المدني تبين ما للشخص المعنوي الاعتباري من حقوق وبالتالي تحمل الالتزامات وهذا كله يصب في شيء واحد ألا وهو الاستقلالية وهذه الأخيرة مشابهة للدولة في نظامها المركزي العام ولكن الفرق يكمن في أن البلدية ذات نظام لامركزي مع وجود رقابة وصائية من الدولة.

اهمية التشريع ومزاياه
مقدمة :

لقد أصبح التشريع في العصر الحديث يحتل مكانة مرموقة في إطار مصادر
القانون، فأغلب المجتمعات المتطورة تعتمد عليه بعدما كان العرف و الدين
السائدين في القدم، وبذلك أصبحت له الصدارة في هذا الشأن في أغلب القوانين
الحديثة و من بينها القوانين المغربية.

فهو المصدر الأصلي العام للقاعدة القانونية، إذ أن القاضي يتعين عليه أن
يلجأ إليه أولا للوصول إلى القاعدة التي تطبع النزاع، فلا يمكنه أن يعدل
عنه إلى باقي المصادر الأخرى إلا في حالة عدم وجود قاعدة فيه أو إذا أحال
هو على مصدر آخر. و يراد بكونه مصدرا عاما أي أن اختصاصه لا يقتصر على
مسائل معينة، بحيث يجب الرجوع إليه أولا في جميع المسائل إلا ما يستثنى من
ذلك بالإحالة في شأنه إلى مصدر رسمي آخر[1]،
فيعتبر من هذه الناحية المرجع الأول سواء في مسائل المعاملات المالية أو
في مسائل الأحوال الشخصية. أما باقي المصادر الرسمية الأخرى، فرغم مكانتها
المتميزة، إلا أنها لا تصل مرتبة التشريع.
إن
التشريع، كمصدر رسمي للقانون، هو وضع القواعد القانونية في صورة مكتوبة
بواسطة السلطة المختصة بذلك. و يطلق اصطلاح التشريع كذلك على القواعد
القانونية نفسها التي تضعها هذه السلطة بالذات فيقال مثلا: تشريع العمل، و تشريعات الضرائب، و التشريع الجمركي إلى غير ذلك …
يتضح من هذا التعريف أن ثمة خصائص معينة يجب توافرها فيما يعتبر تشريعا بالمعنى الصحيح:
ـ
يتضمن التشريع وضع قاعدة تتوفر فيها خصائص القاعدة القانونية، فلا تعتبر
قاعدة تشريعية إلا تلك التي تكون قاعدة سلوك مجردة و عامة. ذلك أن السلطة
التشريعية لا يقتصر عملها على وضع التشريع بهذا المعنى، فقد تصدر قرارات
لكن لا تعتبر تشريعات بالمعنى الصحيح. و على هذا الأساس يميز فريق من
الفقهاء بين نوعين من التشريعات تصدرها السلطة التشريعية: تشريعات من حيث
الشكل و الموضوع معا، وهي التشريعات بالمعنى الصحيح، إذ تتضمن قواعد مجردة
و عامة. و تشريعات من حيث الشكل فحسب، و هي عبارة عن قرارات تصدر في حق
شخص معين بذاته أو واقعة معينة بذاتها، فلا تعتبر تشريعات بالمعنى الصحيح،
لكونها هذه القواعد لا تتصف بخصوصية العمومية و التجريد، رغم صدورها من
السلطة التشريعية.
ـ
يصدر التشريع في نصوص مكتوبة، و لذلك يقال له القانون المكتوب، فيعتبر
مصدرا للفظ و المعنى معا، و يتوفر له بذلك من التحديد و الوضوح ما يحقق
الاستقرار و الأمن في المعاملات. و بذلك يتميز عن العرف الذي يقال له
القانون غير المكتوب، فيكون مصدرا للمعنى دون اللفظ مما يحيطه بشيء من
الغموض و الإبهام.
و
فيما يخص أنواع التشريعات، ليست كلها من نوع واحد، و لكن يوجد هناك أنواع
أربعة تتدرج حسب قوتها على النحو الآتي: فيوجد في القمة التشريع الأساسي و
هو الدستور، و يليه في المرتبة الثانية القانون التنظيمي، فالتشريع العادي
أو الرئيسي، ثم في الأخير التشريع الفرعي.
فمن خلال هذا المنطلق بدأت تتضح مزايا التشريع التي جعلته يحتل هذه المرتبة، لكن
بقدر ما للتشريع أهميته ومزاياه ( المطلب الأول)، له أيضا عيوبه حسب آراء
البعض الآخرين الذين يعيبون عليه الجمود و يعتبرونه غير قادر على مسايرة
المستجدات و آخر التطورات( المطلب الثاني).
المطلب الأول: أهمية التشريع و مزاياه
إذا
نظرنا في الجملة إلى تطور المصادر الرسمية للقانون من حيث انتشارها و
أهميتها أمكننا أن نقول إن العصور القديمة هي عصور العرف و الدين، و إن
العصر الحديث هو عصر التشريع. فقد أضحى التشريع أهم مصدر في القوانين
الحديثة حيث ساعد على ذلك عوامل مختلفة، فضلا عن المزايا العديدة التي
تجعل للتشريع الأفضلية على جميع المصادر الأخرى.
فمن
العوامل التي أدت إلى ازدياد أهمية التشريع أن الدولة في العصر الحديث
توطد سلطانها و أصبح لها من سلطة القهر ما يجعلها قادرة على فرض احترام
القواعد التشريعية التي تضعها. كما أن انتشار الديمقراطية أدى إلى الأخذ
بمبدأ الفصل بين السلط ، مما جعل السلطة التشريعية تنشط بالقيام في
وظيفتها. و بالإضافة إلى ذلك فإن اعتناق المذهب الاشتراكي في الكثير من
الدول جعل الدولة تتدخل في كثير من الشؤون التي كانت متروكة من قبل لنشاط
الأفراد و حرياتهم، كي توجه أدوات الإنتاج لصالح الشعب و تحمي الطرف
الضعيف في العقد و تحول دون التحكم و الاستغلال [2]، و هذه كلها أغراض لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق التنظيم التشريعي.
أما المزايا التي تبرر أن يتبوأ التشريع هذه المكانة فكثيرة، نذكر منها ما يلي:
[center] 1ـ
سهولة سن التشريع و تعديله: فالتشريع تضعه سلطة مختصة، و بذلك يتم وضع
القواعد القانونية بسرعة و سهولة، بحيث يستطيع الشارع أن يبادر إلى مواجهة
الأوضاع الجديدة في المجتمع بتنظيمات مستحدثة، كما يكون في وسعه أن يسارع
إلى تعديل القواعد القائمة أو إلغائها إذا بدا له أنها أصبحت تتعارض مع
هذه الأوضاع، و تلك ميزة تتيح للقانون أن يؤدي وظيفته على نحو يستجيب فيه
لحاجات المجتمع بالسرعة التي تتفق مع تطور ضروب النشاط فيه و ازدياده.
.

وضع التشريع في نصوص مكتوبة: التشريع تضعه سلطة مختصة في نصوص مكتوبة،

فيكون بذلك مصدرا للقاعدة القانونية في لفظها و معناها، و بفضل هذا تأتي

القاعدة في صياغة محكمة، يظهر فيها دور الإرادة الواعية المدبرة، و يتوفر

لها من التحديد و الضبط ما يكفل الاستقرار و الثقة في المعاملات، حيث

يراعى في الحكم الذي تقرره التوفيق بين المصالح المختلفة كما يسهل على

الأشخاص التأكد من وجودها و التعرف منها على حقوقهم و واجباتهم.

التشريع أداة لتوحيد النظام في الدولة: فوضع التشريع بواسطة سلطة مختصة و

قدرة الدولة على كفالة طاعته يمكنان من إصدار التشريعات تنفذ في كل إقليم

الدولة، و بذلك يؤدي التشريع إلى توحيد النظام في الدولة فيكون عاملا

تحقيق الوحدة القومية و زيادة التضامن بين أجزاء الأمة الواحدة.

التشريع أداة لتطوير المجتمع: فبفضل التشريع لا تقتصر وظيفة القانون على

تنظيم الحياة الاجتماعية بالصورة التي يتجه إليها نشاط الأفراد في

المجتمع، فهناك ألوان من النظم و مبادئ ينادي بها المصلحون أو يقتبسونها

من خارج بيئتهم، و يرون فيها صلاحا لبلادهم ونهوضا بها، و مثل هذه النظم و

المبادئ لا يمكن الأخذ بها إلا عن طريق التشريع. و بذلك يصبح القانون أداة

لتطوير المجتمع و توجيهه الوجهة التي تكفل له النهوض و التقدم، و آية ذلك

ما نراه اليوم من تدخل الشارع على نطاق واسع في ظل النظام الاشتراكي الذي

أخذ ينتشر في الوقت الحاضر، كي يزيل الفوارق بين طبقات الشعب، و يحول دون

الاستغلال و التحكم، ويحقق تكافؤ الفرص أمام الجميع و هذه كلها أغراض لا

يمكن الوصول إليها إلا من طريق التشريع.

المطلب الثاني: الجمود كأهم عيوب التشريع

يعاب

على التشريع أن السلطة التي تختص بوضعه قد لا توفق في تبين ظروف المجتمع

وتقدير حاجاته فتأتي القواعد التي تسنها غير ملائمة لتلك الظروف و قاصرة

على الوفاء بهذه الحاجات. بل إنه إذا جاءت القواعد التشريعية حين وضعها

ملائمة لظروف المجتمع فإن صبها في نصوص مكتوبة تحدد مدلولها و ترسم

حدودها، يضفي عليها من الجمود ما يقف بها عن مسايرة التطور و الوفاء بما

يجد من حاجات، فإذا ما تغيرت هذه الظروف أصبحت تلك القواعد غير ملائمة

لها، و قد يقعد الشارع عن تعديلها على النحو الذي يستجيب لمقتضيات التطور.

و هذا ما جعل أصحاب النظرية التاريخية التي يعد سـاڨـيـني [3]

أهم روادها، تنظر إلى التشريع نظرة المستريب، حيث ترى أن القواعد

القانونية يجب أن تنشأ و تتطور بفعل المجتمع المباشر وتبعا لتطوره ذاته

كما هو شأن اللغة و التقاليد.

فتعتبر في الوقت نفسه أن خير مصدر لهذه القواعد هو العرف لأنه يتبع

المجتمع في تطوره و يخضع له، أما التشريع بإقراره قواعد ثابتة معينة، يحد

من التطور الطبيعي للقانون و يعيق تقدمه.

غير أنه هناك نوعا من المغالاة في اعتبار أن التشريع يعيق دوما تطور

القانون خاصة في عصرنا الحاضر الذي أصبح من السهل فيه إصدار تشريعات

مختلفة في شتى المناسبات و وفقا لتطور الحاجات الاجتماعية، كما أنه من

الخطأ القول أن التشريع يجب أن يقتصر فقط على إقرار الأعراف و تبنيها إذ

كثيرا ما نجد أن التشريع يأتي في بعض الأحيان ليعدل من هذه الأعراف أو

ليلغيها حين يجد المشرع أنها لم تعد تتناسب مع مصلحة المجتمع الذي تسود

فيه.

فضلا

عن ذلك فالغالب أن تكون السلطة التشريعية مكونة من ممثلين للشعب، و هذا من

شأنه أن يقلل من خطر وضع قواعد لا تتفق مع ظروف المجتمع و حاجاته. و إذا

حصل أن جاء التشريع عند وضعه، غير ملائم لظروف المجتمع، أو أصبح كذلك

نتيجة للتطور، فإن السلطة التشريعية تبادر إلى تعديله لكي يصبح متفقا مع

ظروف المجتمع و مسايرا للتطور فيه.

و

الحقيقة أن العيوب التي تؤخذ عن التشريع لا تعتبر شيئا مذكورا إلى جانب

مزاياه العديدة، بل أن التشريع أصبح الأداة الضرورية التي لا غنى عنها و

لا بديل لها في تنظيم المجتمع الحديث حيث تشعبت مظاهر النشاط و ازدادت

المعاملات و اتجهت إرادة التغيير إلى الأخذ بمبادئ ونظم تقود المجتمع نحو

النهوض و التقدم .

و

في ضوء هذه الحقيقة كان من الطبيعي جدا أن يحتل التشريع مكان الصدارة بين

المصادر الرسمية للقانون، و أن تطغى أهميته إلى حد كبير على باقي المصادر

تعليق واحد

  1. بحث حول إلغاء وتعديل الدساتير
    بحث رائع مشكورين على المجهودات لاكن ينقص عنصر اساسي في الخطة وهو قائمة المصادر والمراجع
    وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *