– المقدّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـة.
* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.
• المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعدالعدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانونالطّبيعي، و قــواعد العدالة.
– الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.
** المقدّمة:
بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجدنصّا،أو حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذامجيبا عن هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحالإلى مصادر أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا علىتطبيقها، و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادرسنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدررسميّ احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و مايتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماءهي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّمبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
– ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟
* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.
تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيبالمادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،ورسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة -الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبهاالمختلفة.
– المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، ولا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:”شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ”، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّبها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعبادهعلى لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمةلا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، ولا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذييستعمل في الاصطلاح الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليمبقضائه، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدةالإسلامية، فالدّين، و الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
– و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان،و يسمّى تشريعاسمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى تشــريعا وضعيًّا.
.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلةالتّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصرالصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرتعدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهبالرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.وتتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنهاالأحكام التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهبلآخر،و هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم علىقواعد، و أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلاميةأتـــت في القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد فيالتّطبيق بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتهابالتفصيل كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية فيقسم الحقوق الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا مسؤوليةالفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ تضمنّهالحديث الشّريف:” لا ضرر، و لا ضرار “.
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:” إنّما الأعمال بالنيّات “.
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود سورة المائدة
د. المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآدابالعامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: ” المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطاأحلّ حراما، أو حرّم حلالا “.
_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
– المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهيالقرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضيالله عنه)”الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلىاليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضيبكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإنلم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر فيالاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد للهالذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله”.
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا علىمدى ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتهاتحديدا قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،والقتل بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛فكانت محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفتبالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،وتطوّر الزّمن، لذلك اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاسفي سعة من أمرهم.
و الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفهكلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،ولم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآنبالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّيجاء
فيها : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين، والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول الله (صلّىالله
عليه،وسلّم): “لاوصيّة لوارث “، لكن جمهور الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاببالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّهانأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّىسنّة قولية،و قد تكون فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى اللهعليه،و سلّم)،و لا بدّ من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هومقبول، أو لا. و قد تكون السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أوقول، و هو حاضر، أو غائب بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهراستحسانه له (2)، و هناك من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهدقدرا من النّباهة، و قد اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة فيالرّاوي،و الصّفات التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعدوفاة النّبي(صلّى الله عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريقالاجتهاد الجماعي.ّ
و الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى اللهعليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك منيرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):” لا تجتمع أمّتي على ضلالة “، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماعأكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):” أصحابيكالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم “.و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاقجميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .
و يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذيلم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعونعلى إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع على الصّحابة فهو فيمتناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و سلّم): ” لا تزالطائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من خالفهم حتّى يأتي أمرالله “.
رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّعليه في الكتاب و السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطريتقرّه العقول، و يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذاوُجـِدَت صفات موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هوأعمال للنّصوص الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكنتفسير لها(3).
و أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم،الفرع؛ و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذياتّجه القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركةبينهما.فإذا قال سبحانه،و تعالى مثلا : إنّما الخمر،و الميسر، والأنصاب، و الأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،وكذلك هو الضرر الغالب إذ يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،والميسر قل فيهما إثم كبير،و منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذبالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالبفيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بليعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.
– المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.
إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، والطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعةالإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالةالدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرضالموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة فيالشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروفالطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر فيالشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئالشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقدقائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات،و أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا منأهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).والشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمعالعـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
– المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابنالعربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط بهالحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمونحسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرفالمسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّمخالفة العرف الذي
يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: «ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، والمالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).
– ينقسم العرف إلى أربعة أقسام رئيسية :
*1/ العرف اللّفظي(أو القولي) :
– هو اتّفاق النّاس على استعمال لفظ معيّن يخالف معناه اللّغوي لأنّه شاع بينهم استعماله، بحيث
أطلق هذا اللّفظ فهم معناه العرفي دون معناه اللّغوي.كتعارف النّاس علىإطلاق كلمة الولد على الذكر،دون الأنثى، مع أنّ الأصل اللّغوي يفيد شمولهلهما (2)، و عدم إطلاق لفظ اللّحم على السمك، مع أنّ اللّغة لا تمنع ذلك(3).و إطلاق لفظ الدّراهم على النّقود الرّائجة في بلد ما،مع أنّ الأصلالـلّغوي يفيد النّقود الفضيّة المسكوكة بوزن معيّن.
*2/ العرف العملي(أو الفعلي) :
– و هو اعتياد النّاس على الأفعال العادّية، أو المعاملات المدنية، أو التّجارية، و هو إمّا أن يكون
معروفا لدى الجميع فيسمّى عامّا ( حيث تمّ التّعامل به لدى كافّة النّاسمثلا )، و إمّا أن يكون خاصّا ببلد معيّن، أو بحرفة معيّنة.كتعارف النّاسعلى تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو تعارفهم على البيع بالتعاطي منغير صّيغة لفظية، أو تعارفهم على دفع مبلغ معيّن من المهر في الزّواج قبلالدّخول و غيرها من الأعراف العملية.
*3/ العرف العامّ:
– و هو الذي ألّفه النّاس، و اعتادوه في كلّ البلاد في وقت من الأوقات، من حاجات، و لـــــوازم
أصبحت جارية في أغلب الحاجات، كتعارف النّاس في الصّناعات، و الحرف التّجارية، و الجلوس
في المقاهي دون تحديد المدّة،و دخول الحمّام دون شروط،و إقامة وليمة الزّفاف عند الزّوج،و غيرها.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة / أصول الفقه ص 261. (2) كقوله تعالى : ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين…”.
(3) كقوله تعالى: ” و هو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ” النّحل14.
*4/ العرف الخاصّ:
– و هو الذي يتعارف عليه أهل بلد دون بلد، أو إقليم دون آخر، أو طّائفة من النّاس دون أخرى
كتعارف التجّار على أنّ العيب ينقص الثمن في البيع، و تعارفهم على استعمال خيار الرؤية في البيع
عن رؤية نموذج من البضاعة كلّها، و تعارف أهل بعض البلاد على تقسيم المهر إلى جزئين معجـّل،
و مؤجّل، و غيرها.
. المطلب الثاني: مزايا العرف، و عيوبه.
*1/ مزايا العرف:
يرجع الفضل في إبراز أهميّة العرف، ومزاياه للمدرسة التّاريخية التّي تعطي الأولوية للعرف على
التّشريع؛ إذ تبيّن أنّ العرف:
1 – يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنّه ينشأ باعتياد النّاس عليه،فيأتي على قدر متـطلّـــبـات
المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطّلبات،فبظهور متطّلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال
هذه المتطلبّات.
2 – كما أنّه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها،و ينشأ في ضميرالجماعة،فهو قانون أكثر شعبية من التّشريع لأنّ مصدره الشّعب، بينماالتّشريع يصدر من السّلطة فيوافق إرادتها فقط،و قد سبق القول بأنّالقوانين إذا صدرت بهذا الشّكل لن تستمرّ طويلا.
3 – إنّ العرف قابل للتطّور وفقا لتطّور الظروف الاجتماعية، و الاقتصادية، فهو يـتـطّور بـتــطّــور
المجتمع،و يزول إذا زالت الحاجة التّي أدّت إلى ظهوره.
*2/ عيوب العرف:
يمكن إبراز عيوب العرف في المسائل التّالية :
1 – العرف بطيء التّكوين، و كان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطّور الاقتصادي،و الاجتماعي
بطيئين، و لكن الآن مع سرعة تطّور المجتمع في جــميع المجالات لا يمــكنالاعتماد عـليه لتطــّورالمجتمع في الحالات التّي تتطّلب السرعة.
2 – العرف متعدّد بل قد يكون محلّيا خاصّا بمنطقة معيّنة،ممّا يؤدّي إلى تعدّد القواعد القانــونية،
بينما التّشريع موّحد يطّبق على الكّافة.لهذا يظلّ التّشريع أوّل مصدر للقـانون، و أهمّه، لأنّه يحقّـق
وحدة القانون، و الأمن، و الاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطّور بسرعةكلّما تطّلبت الأوضاع ذلك،فيتّم إلغاء التّشريع القديم، أو تعديله، و صدورتشريع جديد.
3 – إنّ القواعد العرفية مرنة، و عدم كتابتها يجعلها صعبة بحيث يكون من العسير ضبطها،بينما
التّشريع يسهل ضبطه لكونه مكتوبا.
و لا تعني هذه العيوب أنّ العرف قليل الأهميّة، و لكنّه يعدّ أقلّ فائدة من التّشريع، و تـــظلّ له
مكانته بحيث يعدّ المخرج العملي في حالة عدم وجود نصّ تشريعي إذ يرجع القاضي على العــرف
الجاري،كما أنّ المشرّع يستعين بالعـرف في مسائل معيّنة لا عنه بصددها،إذ هناك مسائل تقـتـضي
طبيعتها أن تكون لها حلول متـنّوعة قابلة للتـغيير، و بفـضل عـدم تجميدها، أو تقـييدها بنصوص
تشريعية تحول دون تطّورها المستمّر.
. المطلب الثالث: أركان العرف.
للعرف ركنان:ركن مادّي،و ركن معنوي يميّزه عن العادّة الاتـّفاقية.
الركن المادّي:
و يتمثّل في اطّراد،أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها
شروط أساسيّة، و هي:
– أن تكون عامّة(Usage général) و يكفي أن تكون كذلك،و لو كان العرف محلّيا،أو مهنيا.
– أن تكون قديمة) (Usage ancien أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيداستقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة،و هكذا تتحقّق الأقدميةللعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنةبالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
– أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.
الركن المعنوي:
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّــــــــها
أصبحت قاعدة قانونية،و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها،و لا يوجدضابط يمكن الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشــعوربإلزام العرف. و لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متـّى استقرّ أصبحتالعادّة عرفا.و الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف، و العادّة إذ لوافتقدت العادّة الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط،و ليست عرفا، فتكون غيرواجبة التّطبيق كما أنّ التقاليد الاجتـماعية كالعادات المتعلّقة بآدابالزيارات،و التهنئة،و تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عاداتعامّة ثابتة،و قديمة،فإنّها ليست عرفا،لعدم شعور النّاس بإلزاميتهافمخالفتها لا يترّتب عنها جزاء.
العرف، و العادة الاتّفاقية.
يشترط العرف توفرّ الركنين المادّي، و المعنوي في نفس الوقت، و من ثمّ يتميّز عن مجرّد العــــادة
التـّـي يعمل بها دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، و لا يتحقّق فيها هذا العنصر إلاّ باختـيار الأفـراد
حينما يعبّرون عن إرادتـهم إزاءها بالاتـّـفاق على الأخذ بها،و لذلك يطلق عليها العادة الاتــّفاقية
( L’usage conventionnel).
و بما أنّ العادة يكون إلزامها بالاتـّفاق عليها فهي تخـتلف عن القاعدة المكملّة تشـريعية كـــــانت،
أو عرفية التـّي لا يلزم تطبيقها إلاّ إذا لم يوجد الاتـّفاق على خلافها.
و جدير بالذكر أنّ العادة غالبا ما تنتهي إلى أن تصير عرفا، و ذلك حينما تتوفرّ على عنـصر الإلـزام
المبني على عقيدة عامّة في وجوب احترام السنّة التّي تجري بها العادّة، ووجوب كفالة هذا الاحترام بقوّة القهر المادّي التّي تمارسها السّلطةالعامّة، و يترّتب على التفرقة بيــن العرف، و العادة الاتفاقية نتائجهامّة نذكر من بينها ما يلي: العرف كأيّ قاعدة قانونية يطبّق فــي شأنهمبدأ لا عــــذر بجهل القانون،أمّا العادة،و هي واقعة مادّية أساس إلزامهاإتـّفاق الأفراد فلا يصّح افتراض العلم بها.
العرف كأيّ قاعدة قانونية يلزم القاضي حتّى، و لو لم يطلب الخصوم تطبيقه على خلاف العادّة
التّي لا تطبّق إلاّ عند التمسّك بها من طرف المتقاضين، و من ثمّ يقع عليهم إثبات وجودها المادّي في
حين يلزم القاضي بمعرفة العرف كما يلتزم بمعرفة القانون بوجه عامّ، و إن كان له أن يتوسّل بكلّ
الطرق للوقوف على العرف بما فيها الاعتماد على الإثبات المقدّم من الخصوم، و خاصّة حينما يتعلّق
العرف المراد إثباته بمهنة معينّة حيث تكون الكلمة الحاسمة لذوي الاختصاص، و الكلمة الأخـيرة
للقاضي بمقتضى سلطته التّقديرية،و إن كان يخضع في هذه السلطة لرقابة المحكمة العليا باعتبــار
العرف قانونا أحال عليه التّشريع صراحة،و لا يخضع القاضي طبعا لهذه الرّقابة حينما يتعلّق الأمر
بمجرّد العادة إلاّ في حدود إثبات المتقاضين وجود اتـّفاق بينهما بشأن هذه العادّة فيطّبق آنذاك المبدأ
القانوني:العقد شريعة المتعاقدين ممّا يخوّل المحكمة العليا سلطتها في الرّقابة على تطبيق هذا المبدأ.
– المطلب الرابع: دور العرف،و أساس القوّة الملزمة له.
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصـحّ
مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فـــــإذا
وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلـــك تطبيقا للمادّة الأولى من
القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من
جهة،و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلاميةباعتبارها المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرفالمكمّل في القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحةبأمرين:أولّهما أنّ سكوت المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجودعرف ثـابت يدّل في ذاته على صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلىتدّخل المشرّع لتـــغييره،
و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّةالإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانونييكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجعإليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرفدوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّيتسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفسالوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
فمثلا بالنّسبة لقانون العقوبات حيث يسود مبدأ لا جريمة، و لا عقوبة، و لا تدبير أمن بــــــغـير
قانون ( م 1 ق ع ) لا مكان إطلاقا للعرف بوصفه مصدرا تكميليا،و من ثمّ فعلى القاضي حين لا يجد
نصّا في التّشريع يقضي بتجريم الفعل، و العقاب عليه، أن ينطق بالبراءة دون تردّد.و لكن العرف قد
يلعب هنا؛ أي في القانون الجنائي كما في غيره من الفروع دورا مساعدا مثلا لتحديد مضمون النــصّ
كما سيأتي.
أمّا بالنسبة للقانون التجاري فنظرا للمكانة المتميّزة للعرف في هذا القانون فإنّ هذه القـاعدة قــــد
تستبعد أصلا للسّماح لقاعدة عرفية بمخالفة قاعدة تشريعية كـما سـيأتي. كما تجدر الإشـارة إلى أنّ
القواعد العرفية تتمتّع بمكانة خاصّة في مجال القانون الدّولي،و لكن يتعلّق الأمر هنا بالعرف الدّولي.
العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما
يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد
اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب
العرف دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التيتقرّر أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناولأيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون،و العـرف،و العدالة بحسب طبيعةالالتزام ( م 107 من القانون المدني )،و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرفلتحديد المقصود بعبارة ” مستلزمات العقد “، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوبالتـّي يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيعالتّي تحدّد بحسب ما يقضي بــــــه
العرف (المادّة 365 ف1من القانون المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور فيالكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشادبه من طرف القاضي للتعرّف على نيّة المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 منالقانون المدني التّي تنّص على أنّه ” إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقدفيجـب البحث عـن الـنيـّة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المـعنىالحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أنيتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات “.
أساس القوّة الملزمة للعرف.
طرحت في الفقه الإسلامي مسالة الأساس الذي يستمّد منه العرف قوّته الإلزامية، و اقترحت في هذا
الصدد عدّة نظريات من بين هذه النظريات تلك التّي تبني إلزام العرف علىإرادة المشرّع، و لكن سبق العرف للتّشريع كاف لدحض هذه النّظرية، وهجرها،و البحث عن أساس آخر.و هكذا أوجد الفقـــه أساس الضّمير الجماعيباعتبار أنّ الــــــقانون استنادا إلى المذهب التّاريخي ينشأ،و ينمو فيضــمير الجماعة، و العـرف أفــــضل وسيلة للتّعبير عن ذلك، و الكشف عنهمباشرة.لكن إلى هذا الحدّ يكون المذهب التّاريخي قد أسهم في بيان العناصرالمكونّة للعرف، و خاصّة العنصر المعنوي دون ينـــــفذ إلى جوهر أساسإلزام العرف لغموض الفكرة المبنيّة عليها أصلا النظرية التّاريخية.
اقترح كذلك أساس آخر هو الأساس القضائي، بمعنى أنّ العرف يأخـذ قوّته الإلـزامية بعـد أخذ
المحاكم به، و لا شكّ أنّ هذه الفكرة لها ما يبــررّها في نظام السّوابقالقضائية (النظام الإنجليزي )، و لكن يكفي الرّجوع إلى إلزامية القواعدالعرفية المهنية لدحض هذه النظرية التّي لا تستقيم أيضا مــن زّاوية كونالقضاء يطّبق القانون الذي يسبق إلزامه كلّ ما هنالك أنّ القضاء يمكن أنيساعد في تحديد مضمون العرف، و تدعيم قوّته الإلزامية، و هكذا ينتهي الرأيالغالب إلى أنّ للعرف قوّة إلزامية ذاتية معترف بها من السّلطة العامّة (م 1 ق مدني ).
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي، و قــــواعد العدالة
كمصدر يــمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا فيالتّـــشريع،و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا؛ أي مبادئالشّريعة الإسلامية،و العرف.
– المطــــلب الأوّل: المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إنّ القانون الطّبيعي فكرة يسودها غموض كبير منذ نشأتها القديمة حيث كانت تعني نــــوعا من
إسقاط التوازن المثالي للطّبيعة على الحياة الاجتماعية،ممّا يضمن سيادة مبدأ سامي للعدالة،و مـن
ثمّ يقترن القانون الطّبيعي دائما بفكرة العدالة.
كما أنّ القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع،كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالـــخير،
و الشرّ،و هناك مـن عرّفها أنّـها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّمالعـقل الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخلالمجتـمع الإسلامي، أمّا قواعد العدالة فهي تلك الفكرة المرنة،و التّييختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بـين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان، و حماية الملكية الأدبية،
و الفنيّة، و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
– المطــــلب الثاني:
المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة،لابدّ من التــــــّذكير
بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنيات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأسـاسي للـــــــقانون الوضعي، إذ
يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟
يتبيّن من قراءة أوليّة للمادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانون الطّبيعي،
و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية، و لكن سرعان ما يتبيّن مـن
قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليــــه
اعتباره حقيقة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا، و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعـين به القاضي في إيــــجاد
الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصادر الأصلية، و الاحتيـاطية.
فمن زاوية تحليلية لفكرة القانون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصادر الاحتياطية الأخـــــــرى
لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقة محدّدة قابلة للتّطبيق، إذ هو من المبادئ، و القيّم المثـالية
التي تقوم بها البشرية جمعاء؛ فالقاضي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا، و إنّما يعتمد عل هذه
المبادئ المثالية،و يضع نفسه في مكان المشرّع،و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّـــقها على النّزاع
المعروض عليه،لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه؛فالقاضي
يطبّق القانون،و لا ينشئه،و ممّا يؤكدّ هذه الفكرة أنّ الفقهاء بما فيهم كبار أنصار القـــانون الطّبيعي
لم ينظروا أبدا إليه كمجرّد قانون يتضمنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستــخلصها من
هذا القانون المشرّعون حسب الوضع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون
القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.
– المطــــلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
– إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالة القاضيإلى مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره،ذلك أنّ هذهالمادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعدالتشريع،و مبادئها هي الأدّق،و الأكثر انضباطا،لكن مبادئ القانون الطبيعي،و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
** الخاتمة:
و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادرالرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية،و القاضي يجب عليهفصل النّزاع المعروض عليه، و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّةللقـانون، بـدءًا بالشّريعة الإسلاميـة،ثمّ العـرف، و آخِرُها مبادئالقانون الطّبيعي و قـواعد العدالـة،نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حالقصور التشريع.و قـــد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصــــدر من المصادرالاحتياطية حقّه في الشّرح، و التّفصيل،على ضـوء ما وجدناه في المصادر، والمراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا،و وضحنّا، و لوجزءا بسيطا من موضوع بحــثنا، و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا،وتبارك ذو الكمال سبحانه جلّ و على ،عليه توّكلنّا، و استعنا،و استهللناعرضنا،و بحمده نختمه، و سلام على إمام الهادين، و على الأنبياء، والمرسلين،و الصّحابة أجمعين.
مصادر البحث، و مراجعه:
الأستاذة / محمدّي زواوي فريدة مدخل إلى العلوم القانونية ،( ص 06 ).
__________________________________________
الأستاذ الدكتور / زعلاني عبد المجيد المـدخـل لـدراسـة الــقــانــون
– النظرية العامّة للقانون – ،(ص 75 ).
___________________________________________
الدكتور / بلحاج العربي” أستاذ محاضر بمعهد الحقوق – جامعة وهران -“
المدخل لدراسة التّشريع الإسلامي،( ديوان المطبوعات الجامعية).
__________________________________________
الدكتور / جعفور محمد سعيد مدخل إلى العلوم القانونية-الوجيز في نظرية القانون- ، ( الطبعة الثالثة عشر: دار هومه).
__________________________________________
الدكتور / بو الشعير سعيد القانون الدستوري،و النظم السياسيةالمقارنة-النظرية العامّة للدولة و الدستور- ج01 ،( الجزائر: المؤسسةالوطنية للكتاب:1992).
* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.
• المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعدالعدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانونالطّبيعي، و قــواعد العدالة.
– الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.
** المقدّمة:
بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجدنصّا،أو حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذامجيبا عن هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحالإلى مصادر أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا علىتطبيقها، و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادرسنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدررسميّ احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و مايتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماءهي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّمبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
– ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟
* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.
تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيبالمادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،ورسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة -الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبهاالمختلفة.
– المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، ولا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:”شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ”، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّبها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعبادهعلى لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمةلا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، ولا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذييستعمل في الاصطلاح الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليمبقضائه، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدةالإسلامية، فالدّين، و الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
– و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان،و يسمّى تشريعاسمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى تشــريعا وضعيًّا.
.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلةالتّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصرالصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرتعدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهبالرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.وتتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنهاالأحكام التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهبلآخر،و هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم علىقواعد، و أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلاميةأتـــت في القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد فيالتّطبيق بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتهابالتفصيل كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية فيقسم الحقوق الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا مسؤوليةالفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ تضمنّهالحديث الشّريف:” لا ضرر، و لا ضرار “.
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:” إنّما الأعمال بالنيّات “.
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود سورة المائدة
د. المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآدابالعامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: ” المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطاأحلّ حراما، أو حرّم حلالا “.
_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
– المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهيالقرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضيالله عنه)”الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلىاليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضيبكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإنلم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر فيالاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد للهالذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله”.
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا علىمدى ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتهاتحديدا قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،والقتل بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛فكانت محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفتبالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،وتطوّر الزّمن، لذلك اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاسفي سعة من أمرهم.
و الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفهكلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،ولم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآنبالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّيجاء
فيها : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين، والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول الله (صلّىالله
عليه،وسلّم): “لاوصيّة لوارث “، لكن جمهور الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاببالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّهانأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّىسنّة قولية،و قد تكون فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى اللهعليه،و سلّم)،و لا بدّ من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هومقبول، أو لا. و قد تكون السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أوقول، و هو حاضر، أو غائب بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهراستحسانه له (2)، و هناك من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهدقدرا من النّباهة، و قد اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة فيالرّاوي،و الصّفات التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعدوفاة النّبي(صلّى الله عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريقالاجتهاد الجماعي.ّ
و الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى اللهعليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك منيرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):” لا تجتمع أمّتي على ضلالة “، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماعأكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):” أصحابيكالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم “.و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاقجميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .
و يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذيلم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعونعلى إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع على الصّحابة فهو فيمتناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و سلّم): ” لا تزالطائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من خالفهم حتّى يأتي أمرالله “.
رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّعليه في الكتاب و السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطريتقرّه العقول، و يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذاوُجـِدَت صفات موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هوأعمال للنّصوص الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكنتفسير لها(3).
و أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم،الفرع؛ و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذياتّجه القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركةبينهما.فإذا قال سبحانه،و تعالى مثلا : إنّما الخمر،و الميسر، والأنصاب، و الأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،وكذلك هو الضرر الغالب إذ يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،والميسر قل فيهما إثم كبير،و منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذبالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالبفيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بليعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.
– المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.
إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، والطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعةالإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالةالدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرضالموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة فيالشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروفالطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر فيالشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئالشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقدقائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات،و أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا منأهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).والشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمعالعـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
– المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابنالعربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط بهالحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمونحسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرفالمسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّمخالفة العرف الذي
يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: «ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، والمالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).
– ينقسم العرف إلى أربعة أقسام رئيسية :
*1/ العرف اللّفظي(أو القولي) :
– هو اتّفاق النّاس على استعمال لفظ معيّن يخالف معناه اللّغوي لأنّه شاع بينهم استعماله، بحيث
أطلق هذا اللّفظ فهم معناه العرفي دون معناه اللّغوي.كتعارف النّاس علىإطلاق كلمة الولد على الذكر،دون الأنثى، مع أنّ الأصل اللّغوي يفيد شمولهلهما (2)، و عدم إطلاق لفظ اللّحم على السمك، مع أنّ اللّغة لا تمنع ذلك(3).و إطلاق لفظ الدّراهم على النّقود الرّائجة في بلد ما،مع أنّ الأصلالـلّغوي يفيد النّقود الفضيّة المسكوكة بوزن معيّن.
*2/ العرف العملي(أو الفعلي) :
– و هو اعتياد النّاس على الأفعال العادّية، أو المعاملات المدنية، أو التّجارية، و هو إمّا أن يكون
معروفا لدى الجميع فيسمّى عامّا ( حيث تمّ التّعامل به لدى كافّة النّاسمثلا )، و إمّا أن يكون خاصّا ببلد معيّن، أو بحرفة معيّنة.كتعارف النّاسعلى تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو تعارفهم على البيع بالتعاطي منغير صّيغة لفظية، أو تعارفهم على دفع مبلغ معيّن من المهر في الزّواج قبلالدّخول و غيرها من الأعراف العملية.
*3/ العرف العامّ:
– و هو الذي ألّفه النّاس، و اعتادوه في كلّ البلاد في وقت من الأوقات، من حاجات، و لـــــوازم
أصبحت جارية في أغلب الحاجات، كتعارف النّاس في الصّناعات، و الحرف التّجارية، و الجلوس
في المقاهي دون تحديد المدّة،و دخول الحمّام دون شروط،و إقامة وليمة الزّفاف عند الزّوج،و غيرها.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة / أصول الفقه ص 261. (2) كقوله تعالى : ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين…”.
(3) كقوله تعالى: ” و هو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ” النّحل14.
*4/ العرف الخاصّ:
– و هو الذي يتعارف عليه أهل بلد دون بلد، أو إقليم دون آخر، أو طّائفة من النّاس دون أخرى
كتعارف التجّار على أنّ العيب ينقص الثمن في البيع، و تعارفهم على استعمال خيار الرؤية في البيع
عن رؤية نموذج من البضاعة كلّها، و تعارف أهل بعض البلاد على تقسيم المهر إلى جزئين معجـّل،
و مؤجّل، و غيرها.
. المطلب الثاني: مزايا العرف، و عيوبه.
*1/ مزايا العرف:
يرجع الفضل في إبراز أهميّة العرف، ومزاياه للمدرسة التّاريخية التّي تعطي الأولوية للعرف على
التّشريع؛ إذ تبيّن أنّ العرف:
1 – يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنّه ينشأ باعتياد النّاس عليه،فيأتي على قدر متـطلّـــبـات
المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطّلبات،فبظهور متطّلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال
هذه المتطلبّات.
2 – كما أنّه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها،و ينشأ في ضميرالجماعة،فهو قانون أكثر شعبية من التّشريع لأنّ مصدره الشّعب، بينماالتّشريع يصدر من السّلطة فيوافق إرادتها فقط،و قد سبق القول بأنّالقوانين إذا صدرت بهذا الشّكل لن تستمرّ طويلا.
3 – إنّ العرف قابل للتطّور وفقا لتطّور الظروف الاجتماعية، و الاقتصادية، فهو يـتـطّور بـتــطّــور
المجتمع،و يزول إذا زالت الحاجة التّي أدّت إلى ظهوره.
*2/ عيوب العرف:
يمكن إبراز عيوب العرف في المسائل التّالية :
1 – العرف بطيء التّكوين، و كان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطّور الاقتصادي،و الاجتماعي
بطيئين، و لكن الآن مع سرعة تطّور المجتمع في جــميع المجالات لا يمــكنالاعتماد عـليه لتطــّورالمجتمع في الحالات التّي تتطّلب السرعة.
2 – العرف متعدّد بل قد يكون محلّيا خاصّا بمنطقة معيّنة،ممّا يؤدّي إلى تعدّد القواعد القانــونية،
بينما التّشريع موّحد يطّبق على الكّافة.لهذا يظلّ التّشريع أوّل مصدر للقـانون، و أهمّه، لأنّه يحقّـق
وحدة القانون، و الأمن، و الاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطّور بسرعةكلّما تطّلبت الأوضاع ذلك،فيتّم إلغاء التّشريع القديم، أو تعديله، و صدورتشريع جديد.
3 – إنّ القواعد العرفية مرنة، و عدم كتابتها يجعلها صعبة بحيث يكون من العسير ضبطها،بينما
التّشريع يسهل ضبطه لكونه مكتوبا.
و لا تعني هذه العيوب أنّ العرف قليل الأهميّة، و لكنّه يعدّ أقلّ فائدة من التّشريع، و تـــظلّ له
مكانته بحيث يعدّ المخرج العملي في حالة عدم وجود نصّ تشريعي إذ يرجع القاضي على العــرف
الجاري،كما أنّ المشرّع يستعين بالعـرف في مسائل معيّنة لا عنه بصددها،إذ هناك مسائل تقـتـضي
طبيعتها أن تكون لها حلول متـنّوعة قابلة للتـغيير، و بفـضل عـدم تجميدها، أو تقـييدها بنصوص
تشريعية تحول دون تطّورها المستمّر.
. المطلب الثالث: أركان العرف.
للعرف ركنان:ركن مادّي،و ركن معنوي يميّزه عن العادّة الاتـّفاقية.
الركن المادّي:
و يتمثّل في اطّراد،أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها
شروط أساسيّة، و هي:
– أن تكون عامّة(Usage général) و يكفي أن تكون كذلك،و لو كان العرف محلّيا،أو مهنيا.
– أن تكون قديمة) (Usage ancien أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيداستقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة،و هكذا تتحقّق الأقدميةللعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنةبالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
– أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.
الركن المعنوي:
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّــــــــها
أصبحت قاعدة قانونية،و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها،و لا يوجدضابط يمكن الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشــعوربإلزام العرف. و لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متـّى استقرّ أصبحتالعادّة عرفا.و الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف، و العادّة إذ لوافتقدت العادّة الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط،و ليست عرفا، فتكون غيرواجبة التّطبيق كما أنّ التقاليد الاجتـماعية كالعادات المتعلّقة بآدابالزيارات،و التهنئة،و تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عاداتعامّة ثابتة،و قديمة،فإنّها ليست عرفا،لعدم شعور النّاس بإلزاميتهافمخالفتها لا يترّتب عنها جزاء.
العرف، و العادة الاتّفاقية.
يشترط العرف توفرّ الركنين المادّي، و المعنوي في نفس الوقت، و من ثمّ يتميّز عن مجرّد العــــادة
التـّـي يعمل بها دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، و لا يتحقّق فيها هذا العنصر إلاّ باختـيار الأفـراد
حينما يعبّرون عن إرادتـهم إزاءها بالاتـّـفاق على الأخذ بها،و لذلك يطلق عليها العادة الاتــّفاقية
( L’usage conventionnel).
و بما أنّ العادة يكون إلزامها بالاتـّفاق عليها فهي تخـتلف عن القاعدة المكملّة تشـريعية كـــــانت،
أو عرفية التـّي لا يلزم تطبيقها إلاّ إذا لم يوجد الاتـّفاق على خلافها.
و جدير بالذكر أنّ العادة غالبا ما تنتهي إلى أن تصير عرفا، و ذلك حينما تتوفرّ على عنـصر الإلـزام
المبني على عقيدة عامّة في وجوب احترام السنّة التّي تجري بها العادّة، ووجوب كفالة هذا الاحترام بقوّة القهر المادّي التّي تمارسها السّلطةالعامّة، و يترّتب على التفرقة بيــن العرف، و العادة الاتفاقية نتائجهامّة نذكر من بينها ما يلي: العرف كأيّ قاعدة قانونية يطبّق فــي شأنهمبدأ لا عــــذر بجهل القانون،أمّا العادة،و هي واقعة مادّية أساس إلزامهاإتـّفاق الأفراد فلا يصّح افتراض العلم بها.
العرف كأيّ قاعدة قانونية يلزم القاضي حتّى، و لو لم يطلب الخصوم تطبيقه على خلاف العادّة
التّي لا تطبّق إلاّ عند التمسّك بها من طرف المتقاضين، و من ثمّ يقع عليهم إثبات وجودها المادّي في
حين يلزم القاضي بمعرفة العرف كما يلتزم بمعرفة القانون بوجه عامّ، و إن كان له أن يتوسّل بكلّ
الطرق للوقوف على العرف بما فيها الاعتماد على الإثبات المقدّم من الخصوم، و خاصّة حينما يتعلّق
العرف المراد إثباته بمهنة معينّة حيث تكون الكلمة الحاسمة لذوي الاختصاص، و الكلمة الأخـيرة
للقاضي بمقتضى سلطته التّقديرية،و إن كان يخضع في هذه السلطة لرقابة المحكمة العليا باعتبــار
العرف قانونا أحال عليه التّشريع صراحة،و لا يخضع القاضي طبعا لهذه الرّقابة حينما يتعلّق الأمر
بمجرّد العادة إلاّ في حدود إثبات المتقاضين وجود اتـّفاق بينهما بشأن هذه العادّة فيطّبق آنذاك المبدأ
القانوني:العقد شريعة المتعاقدين ممّا يخوّل المحكمة العليا سلطتها في الرّقابة على تطبيق هذا المبدأ.
– المطلب الرابع: دور العرف،و أساس القوّة الملزمة له.
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصـحّ
مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فـــــإذا
وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلـــك تطبيقا للمادّة الأولى من
القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من
جهة،و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلاميةباعتبارها المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرفالمكمّل في القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحةبأمرين:أولّهما أنّ سكوت المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجودعرف ثـابت يدّل في ذاته على صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلىتدّخل المشرّع لتـــغييره،
و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّةالإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانونييكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجعإليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرفدوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّيتسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفسالوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
فمثلا بالنّسبة لقانون العقوبات حيث يسود مبدأ لا جريمة، و لا عقوبة، و لا تدبير أمن بــــــغـير
قانون ( م 1 ق ع ) لا مكان إطلاقا للعرف بوصفه مصدرا تكميليا،و من ثمّ فعلى القاضي حين لا يجد
نصّا في التّشريع يقضي بتجريم الفعل، و العقاب عليه، أن ينطق بالبراءة دون تردّد.و لكن العرف قد
يلعب هنا؛ أي في القانون الجنائي كما في غيره من الفروع دورا مساعدا مثلا لتحديد مضمون النــصّ
كما سيأتي.
أمّا بالنسبة للقانون التجاري فنظرا للمكانة المتميّزة للعرف في هذا القانون فإنّ هذه القـاعدة قــــد
تستبعد أصلا للسّماح لقاعدة عرفية بمخالفة قاعدة تشريعية كـما سـيأتي. كما تجدر الإشـارة إلى أنّ
القواعد العرفية تتمتّع بمكانة خاصّة في مجال القانون الدّولي،و لكن يتعلّق الأمر هنا بالعرف الدّولي.
العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما
يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد
اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب
العرف دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التيتقرّر أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناولأيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون،و العـرف،و العدالة بحسب طبيعةالالتزام ( م 107 من القانون المدني )،و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرفلتحديد المقصود بعبارة ” مستلزمات العقد “، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوبالتـّي يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيعالتّي تحدّد بحسب ما يقضي بــــــه
العرف (المادّة 365 ف1من القانون المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور فيالكشف على القصد عند المتعاقدين، و هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشادبه من طرف القاضي للتعرّف على نيّة المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 منالقانون المدني التّي تنّص على أنّه ” إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقدفيجـب البحث عـن الـنيـّة المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المـعنىالحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أنيتوافر من أمانة،و ثقة بين المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات “.
أساس القوّة الملزمة للعرف.
طرحت في الفقه الإسلامي مسالة الأساس الذي يستمّد منه العرف قوّته الإلزامية، و اقترحت في هذا
الصدد عدّة نظريات من بين هذه النظريات تلك التّي تبني إلزام العرف علىإرادة المشرّع، و لكن سبق العرف للتّشريع كاف لدحض هذه النّظرية، وهجرها،و البحث عن أساس آخر.و هكذا أوجد الفقـــه أساس الضّمير الجماعيباعتبار أنّ الــــــقانون استنادا إلى المذهب التّاريخي ينشأ،و ينمو فيضــمير الجماعة، و العـرف أفــــضل وسيلة للتّعبير عن ذلك، و الكشف عنهمباشرة.لكن إلى هذا الحدّ يكون المذهب التّاريخي قد أسهم في بيان العناصرالمكونّة للعرف، و خاصّة العنصر المعنوي دون ينـــــفذ إلى جوهر أساسإلزام العرف لغموض الفكرة المبنيّة عليها أصلا النظرية التّاريخية.
اقترح كذلك أساس آخر هو الأساس القضائي، بمعنى أنّ العرف يأخـذ قوّته الإلـزامية بعـد أخذ
المحاكم به، و لا شكّ أنّ هذه الفكرة لها ما يبــررّها في نظام السّوابقالقضائية (النظام الإنجليزي )، و لكن يكفي الرّجوع إلى إلزامية القواعدالعرفية المهنية لدحض هذه النظرية التّي لا تستقيم أيضا مــن زّاوية كونالقضاء يطّبق القانون الذي يسبق إلزامه كلّ ما هنالك أنّ القضاء يمكن أنيساعد في تحديد مضمون العرف، و تدعيم قوّته الإلزامية، و هكذا ينتهي الرأيالغالب إلى أنّ للعرف قوّة إلزامية ذاتية معترف بها من السّلطة العامّة (م 1 ق مدني ).
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي، و قــــواعد العدالة
كمصدر يــمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا فيالتّـــشريع،و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا؛ أي مبادئالشّريعة الإسلامية،و العرف.
– المطــــلب الأوّل: المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إنّ القانون الطّبيعي فكرة يسودها غموض كبير منذ نشأتها القديمة حيث كانت تعني نــــوعا من
إسقاط التوازن المثالي للطّبيعة على الحياة الاجتماعية،ممّا يضمن سيادة مبدأ سامي للعدالة،و مـن
ثمّ يقترن القانون الطّبيعي دائما بفكرة العدالة.
كما أنّ القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع،كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالـــخير،
و الشرّ،و هناك مـن عرّفها أنّـها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّمالعـقل الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخلالمجتـمع الإسلامي، أمّا قواعد العدالة فهي تلك الفكرة المرنة،و التّييختلف مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بـين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان، و حماية الملكية الأدبية،
و الفنيّة، و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
– المطــــلب الثاني:
المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة،لابدّ من التــــــّذكير
بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنيات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأسـاسي للـــــــقانون الوضعي، إذ
يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟
يتبيّن من قراءة أوليّة للمادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانون الطّبيعي،
و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية، و لكن سرعان ما يتبيّن مـن
قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليــــه
اعتباره حقيقة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا، و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعـين به القاضي في إيــــجاد
الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصادر الأصلية، و الاحتيـاطية.
فمن زاوية تحليلية لفكرة القانون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصادر الاحتياطية الأخـــــــرى
لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقة محدّدة قابلة للتّطبيق، إذ هو من المبادئ، و القيّم المثـالية
التي تقوم بها البشرية جمعاء؛ فالقاضي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا، و إنّما يعتمد عل هذه
المبادئ المثالية،و يضع نفسه في مكان المشرّع،و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّـــقها على النّزاع
المعروض عليه،لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه؛فالقاضي
يطبّق القانون،و لا ينشئه،و ممّا يؤكدّ هذه الفكرة أنّ الفقهاء بما فيهم كبار أنصار القـــانون الطّبيعي
لم ينظروا أبدا إليه كمجرّد قانون يتضمنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستــخلصها من
هذا القانون المشرّعون حسب الوضع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون
القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.
– المطــــلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
– إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالة القاضيإلى مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره،ذلك أنّ هذهالمادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعدالتشريع،و مبادئها هي الأدّق،و الأكثر انضباطا،لكن مبادئ القانون الطبيعي،و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
** الخاتمة:
و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادرالرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية،و القاضي يجب عليهفصل النّزاع المعروض عليه، و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّةللقـانون، بـدءًا بالشّريعة الإسلاميـة،ثمّ العـرف، و آخِرُها مبادئالقانون الطّبيعي و قـواعد العدالـة،نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حالقصور التشريع.و قـــد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصــــدر من المصادرالاحتياطية حقّه في الشّرح، و التّفصيل،على ضـوء ما وجدناه في المصادر، والمراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا،و وضحنّا، و لوجزءا بسيطا من موضوع بحــثنا، و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا،وتبارك ذو الكمال سبحانه جلّ و على ،عليه توّكلنّا، و استعنا،و استهللناعرضنا،و بحمده نختمه، و سلام على إمام الهادين، و على الأنبياء، والمرسلين،و الصّحابة أجمعين.
مصادر البحث، و مراجعه:
الأستاذة / محمدّي زواوي فريدة مدخل إلى العلوم القانونية ،( ص 06 ).
__________________________________________
الأستاذ الدكتور / زعلاني عبد المجيد المـدخـل لـدراسـة الــقــانــون
– النظرية العامّة للقانون – ،(ص 75 ).
___________________________________________
الدكتور / بلحاج العربي” أستاذ محاضر بمعهد الحقوق – جامعة وهران -“
المدخل لدراسة التّشريع الإسلامي،( ديوان المطبوعات الجامعية).
__________________________________________
الدكتور / جعفور محمد سعيد مدخل إلى العلوم القانونية-الوجيز في نظرية القانون- ، ( الطبعة الثالثة عشر: دار هومه).
__________________________________________
الدكتور / بو الشعير سعيد القانون الدستوري،و النظم السياسيةالمقارنة-النظرية العامّة للدولة و الدستور- ج01 ،( الجزائر: المؤسسةالوطنية للكتاب:1992).