ولتنظر نفسك ما قدمت لغد يا عبد الله | منتديات الدراسة الجزائرية

ولتنظر نفسك ما قدمت لغد يا عبد الله

أتدرون ماذا تفعل الشركات والمحلات عند ختام السنة المالية؟! أليسوا يجردون حساباتهم ويرفعونها لإداراتهم؟! وماذا تفعل الدوائر الحكومية والمدارس عند نهاية عامهم؟! أليسوا يرفعون نتائجهم وتقارير أعمالهم لمسئولهم الأعلى؟!

وكذلك نحن في سيرنا إلى الله فلنفعل هكذا؛ أليس أخبرنا رسول الله ﷺ عن شهر شعبان فقال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ~ [الحشر: ١٨]، قال قتادة: "ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد".

أخي: فلتسأل نفسك السؤال التالي: هل أنا مستعد للقاء الله؟ وهل نظرت ما قدمت لغد؟ قيل للنبي ﷺ: أي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس".

ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه"، والمراد أنه قارب انتهاء الدنيا فاستعدوا للآخرة؛ لتهويل أمرها.

أما صاحب القلب القاسي فلا تؤثر فيه موعظة الموت ولا رؤية الجنائز، بل ربما حمل الجنازة بنفسه وواراها بالتراب وقلبه كالجلمد.

ولأجل أن نتأثر بموعظة الموت فيكفينا أن نتخيل أول ليلة يمكثها أحدنا بقبره؛ فإنه يغنينا عن ألف حرف وموعظة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هادم اللذات"، فقد شبه اللذات الفانية ببناء مرتفع ينهدم بهادم ضخم اسمه الموت. وليس المقصود من ذكر الموت "التخويف به، والنوح على الحياة، فهذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا بعثا للنفوس على محبته، والشوق إلى لقائه".

(ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر) ~ [التكاثر: ١-٢]، والإلهاء له علاجان ناجعان: واعظ صامت وواعظ ناطق، فأما الصامت فالموت، وأما الناطق فالقرآن".

أما نعتبر بكثرة موتى الفجأة والسكتات والجلطات؟! فكم من إنسان أمسى ولم يصبح، أو أصبح فلم يمس.

وها نحن نترقب شهر رمضان، وكم منا من لا يبلغه.

كم كنت تعرف ممن صام في سلف *** من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم *** حيا فما أقرب القاصي من الداني

ولقد دفنا خلال شهر شبابا وشيبا أكثرهم أصحاء -تغمدهم الله برحمته- ليعظنا الله أن الموت لا يأتي المريض ويدع الصحيح، ولا يأتي ذي الشيبة ويدع الشاب.

ولأجل أن يزيدك الموت إقبالا واستعدادا فتذكر أقرانك الذين مضوا قبلك، وتفكر كيف أرملوا نساءهم، وأيتموا أولادهم، وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم، وأن ستكون عاقبتك كعاقبتهم.

وأن الواحد منا هو من يصنع سيرته إما حسنة ترضي الله ﷻ، ويذكرك الناس بها ويترحمون عليك، وإما سيرة سيئة تكون عليه وبالا ونكالا.



فتأمل هذا المثال الواقعي: لو أن شخصا متوسط الدخل سينتدب للعمل في بلد بعيد، مدة أربع سنين، وبعد الأربع سيرجع لبلده بقية عمره، فقال: سأبني عمارة إذا انتدبت. فهل فعله يعتبر من العقل وحسن التدبير، أم سيلومه أحباؤه وينصحونه أن يعمر في بلد إقامته، لئلا يضيع نفسه؟! وهذا المثال ينطبق علينا، ونحن في هذه الدنيا العابرة، فنحن الملومون إن جعلناها دار مقر لا دار ممر.

نعم والله كما قال الله: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ~ [الحشر: ١٨] فإن نظرنا لما قدمنا في غد أفادنا ذلك الاطلاع على عيوب نفوسنا، وعرفنا بحق الله -تعالى- علينا؛ وفتح لنا باب الذل بين يدي الله، وأن عملنا لا ينجينا، بل لا ينجينا إلا رحمته تعالى.

ومن قصص بني إسرائيل: أن رجلا عبد الله سبعين سنة، ثم خرج يوما؛ يقلل عمله، وشكا إلى الله ﷻ بثه واعترف بذنبه، فأتاه آت من الله ﷻ، فقال: "إن مجلسك هذا أحب إلى الله ﷻ من عملك فيما مضى من عمرك".
 
عودة
أعلى