« مباحث في علوم القرآن والحديث» | منتديات الدراسة الجزائرية

« مباحث في علوم القرآن والحديث»

تمهيد :
أنواع هجر القرآن:
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد خمسة أنواع من هجر القرآن الكريم نسال الله سبحانه وتعالى ان لا نكون منهم .
أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها ، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به ، وكل هذا داخل في قوله تعالى : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} [الفرقان3] وإن كان بعض الهجر أهون من بعض أ هـ.

منقول من كتاب الحديث في علوم القرآن والحديث
المؤلف: حسن محمد أيوب (المتوفى: 1429هـ)

أولا: ((الحديث في علوم القرآن))
المقدّمة :
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي هو الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء، له الخلق والأمر، وبيده التدبير والتكوين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن البعث حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأنه تعالى له الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير.
وبعد: فهذه بحوث وعلوم خاصة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أردت تقديمها سهلة ميسرة لأبناء عصري، مساهمة مني في إبراز هذه الجواهر النفيسة، واللآلئ المضيئة، راجيا أن يفيدوا منها، ويتجملوا بجمالها وكمالها وجلالها؛ لأنها أنوار مقتبسة من كتاب الله وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولأنها مع جلالها لا يهتم بها إلا القليل من طلبة العلوم الشرعية، ولا يعمل بها إلا الحريصون على اتباع السنة المحمدية، لذلك أسأل الله تعالى أن يشرح صدور الكثيرين لدراستها وتدريسها، وأن يوفق الجميع لفهمها والعمل بها وهو تعالى سميع مجيب.


علوم القرآن:
القرآن الكريم: هو الكلام المعجز المنزل على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.
هذا التعريف جمع الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم، وإن كان قد امتاز بكثير سواها كما قال الزرقاني.
والمراد بعلوم القرآن: كل علم يخدم القرآن أو يستند إليه ويؤخذ منه.
ويشمل ذلك علم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الرسم العثماني، وعلم إعجاز القرآن، وعلم أسباب النزول، وكل علم يساعد على فهمه كالنحو والصرف والبلاغة، أو يؤرخ لتطور علومه، أو يستنبط من كلماته ومفاهيمه، فهي إذا علوم لا تحصى، وقد توسع السيوطي فيها حتى اعتبر منها علم الهندسة والطب والفلك ونحوها، وتوسع أكثر منه ابن العربي حتى أوصل هذه العلوم إلى خمسين وأربعمائة وسبعة وسبعين ألف علم، وهذا الكلام محمول على ضرب ونوع من التوسع والشطح بحيث يحاول كل عالم أن يأخذ من كلام الله تعالى علوما من كل كلمة من كلماته، ومن كل جملة من جمله، وبذلك يتحول العلماء إلى باحثين في كتاب الله، ومكتشفين من كلماته ظاهرها وباطنها، ونصها ومفهومها وإشاراتها علوما لا حصر لها.
ولو أن المسلمين الأولين اشتغلوا بذلك عن الهدف الأساسي الذي أنزل القرآن لأجله، ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من إبراز جمال دين الله وكماله وجلاله، واشتماله على كل ما يحتاج إليه الخلائق لكي يكونوا سعداء في دنياهم، ناجين مقربين إلى الله في أخراهم.
إن الهدف الأساسي لكتاب الله تعالى هو هداية الناس ودلالتهم على الطريق الذي ضلوا عنه مع بحثهم الدائم، وشغفهم الكبير للوصول إليه وهو: «طريق السعادة الدائمة» والفوز الحقيقي، والسلام الشامل.
وكل ما في القرآن الكريم من أحكام وحكم، وأمثال وعبر، وقصص وعظات، وحجج وبراهين، وأدلة تملأ القلب والعقل نورا، إنما أريد به الهداية إلى هذا الطريق.
قال الله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة آية: 1، 2].
وقال تعالى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة الأنعام آية: 155].
وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [سورة النساء آية: 105].
وقال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [سورة طه آية: 123 - 126].

تاريخ علوم القرآن :
كان الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يعرفون عن القرآن وعلومه، ما عرفه العلماء وفوق ما عرفه العلماء من بعد. ولكن معارفهم لم توضع على ذلك العهد كفنون مدوّنة ولم تجمع في كتب مؤلفة؛ لأنهم لم تكن لهم حاجة إلى التدوين والتأليف.
أما الرسول صلوات الله وسلامه عليه فلأنه كان يتلقى الوحي عن الله وحده، والله تعالى كتب على نفسه ليجمعنه له في صدره، وليطلقن لسانه بقراءته وترتيله، وليميطن له اللثام عن معانيه وأسراره. اقرأ إن شئت قوله سبحانه:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [سورة القيامة آية: 16 - 19].
ثمّ بلّغ الرسول صلّى الله عليه وسلم ما أنزل عليه لأصحابه، وقرأه على الناس على مكث أي: على مهل وتؤدة، ليحسنوا أخذه، ويحفظوا لفظه، ويفهموا سره، ثم شرح الرسول صلّى الله عليه وسلم لهم القرآن بقوله، وبعمله، وبتقريره، وبخلقه: أي بسنته الجامعة لأقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، مصداقا لقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: 44].
وكان الصحابة وقتئذ عربا خلّصا، متمتعين بجميع خصائص العروبة ومزاياها الكاملة من قوة في الحافظة، وذكاء في القريحة، وتذوق للبيان، وتقدير للأساليب، ووزن لما يسمعون بأدق المعايير، حتى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتهم وصفاء فطرتهم، ما لا نستطيع نحن أن ندركه مع زحمة العلوم، وكثرة الفنون.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع هذه الخصائص أميين، وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم، والرسول صلّى الله عليه وسلم نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن، وقال لهم أول العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني ولا حرج. ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره، أو يختلط بالقرآن ما ليس منه، مادام الوحي نازلا بالقرآن، فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن، كما لم يكتب الحديث الشريف إلا عدد محدود في آخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، ومضى الرعيل الأول على ذلك في عهد الشيخين أبي بكر وعمر. ولكن الصحابة كانوا مضرب الأمثال في نشر الإسلام وتعاليمه، والقرآن ومفاهيمه، وتعليم السنة ونقلها إلى غيرهم تلقينا لا تدوينا، ومشافهة لا كتابة.
عهد التمهيد لتدوين علوم القرآن :

ثم جاءت خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد اتسعت رقعة الإسلام، واختلط العرب الفاتحون بالأمم التي لا تعرف العربية، وخيف أن تذوب خصائص العروبة من جراء هذا الفتح والاختلاط، بل خيف على القرآن نفسه أن يختلف المسلمون فيه إن لم يجتمعوا على مصحف إمام، فتكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
لهذا أمر رضي الله عنه أن يجمع القرآن في مصحف إمام، وأن تنسخ منه مصاحف يبعث بها إلى أقطار الإسلام، وأن يحرق الناس كل ما عداها ولا يعتمدوا سواها كما يأتيك تفصيله في مبحث «جمع القرآن وكتابته».
وبهذا العمل وضع عثمان رضي الله عنه الأساس لما نسميه «علم رسم القرآن أو علم الرسم العثماني».
ثم جاء عليّ رضي الله عنه فلاحظ العجمة تحيف على اللغة العربية، وسمع ما أوجس منه خيفة على لسان العرب، فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض قواعد لحماية لغة القرآن من العبث والخلل، وخط له الخطط وشرع له المنهج، وبذلك يمكننا أن نعتبر أن عليّا رضي الله عنه قد وضع الأساس لما نسميه علم النحو، ويتبعه علم إعراب القرآن (على الخلاف في هذه الرواية).
ثم انقضى عهد الخلافة الرشيدة، وجاء عهد بني أمية، وهمة مشاهير الصحابة والتابعين متجهة إلى نشر علوم القرآن بالرواية والتلقين، لا بالكتابة والتدوين، ولكن هذه الهمة يصح أن نعتبرها تمهيدا لتدوينها، وعلى رأس من ضرب بسهم وفير في هذه الرواية: الأربعة الخلفاء، وابن عباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وكلهم من الصحابة رضوان الله عليهم. وعلى رأس التابعين في تلك الرواية: مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم بالمدينة، وعنه أخذ ابنه عبد الرحمن، ومالك بن أنس من تابعي التابعين رضي الله عنه أجمعين، وهؤلاء جميعا يعتبرون واضعي الأساس لما يسمى علم التفسير، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم غريب القرآن ونحو ذلك.
وستجد بسطا لهذا الإجماع في بحث طبقات المفسرين.

عهد التدوين لعلوم القرآن :
ثم جاء عصر التدوين، فألفت كتب في أنواع علوم القرآن، واتجهت الهمم قبل كل شيء إلى التفسير باعتباره أم العلوم القرآنية لما فيه من التعرض لهذه العلوم في كثير من المناسبات عند شرح الكتاب العزيز.
ومن أوائل الكاتبين في التفسير: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، وهم من علماء القرن الثاني.
ثم تلاهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ، وكتابه أجل التفاسير وأعظمها؛ لأنه أول من تعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، كما تعرض للإعراب والاستنباط. وبقيت العناية بالتفسير قائمة إلى عصرنا هذا حتى وجدت منه مجموعة رائعة فيها المعجب والمطرب، والموجز والمطول والمتوسط، ومنها التفسير بالمعقول، والتفسير بالمأثور، ومنها تفسير القرآن كله، وتفسير جزء، وتفسير سورة، وتفسير آية، وتفسير آيات الأحكام، إلى غير ذلك.
أما علوم القرآن الأخرى ففي مقدمة المؤلفين فيها: علي بن المديني شيخ البخاري، إذ ألف في أسباب النزول، وأبو عبيد القاسم بن سلام إذ كتب في الناسخ والمنسوخ، وكلاهما من علماء القرن الثالث.
وفي مقدمة من ألف في غريب القرآن: أبو بكر السجستاني، وهو من علماء القرن الرابع. وفي طليعة من صنف في إعراب القرآن: علي بن سعيد الحوفي، وهو من علماء القرن الخامس، ومن أوائل من كتب في مبهمات القرآن: أبو القاسم عبد الرحمن المعروف بالسبيلي، وهو من علماء القرن السادس.
كذلك تصدى للتأليف في مجاز القرآن: ابن عبد السلام، وفي القراءات: علم الدين السخاوي، وهما من علماء القرن السابع.
وهكذا قويت العزائم، وتبارت الهمم، ونشأت علوم جديدة للقرآن.
وظهرت مؤلفات في كل نوع منها، سواء في ذلك أقسام القرآن، وأمثال القرآن، وحجج القرآن، وبدائع القرآن، ورسم القرآن، وما أشبهها مما يروعك تصوره والاطلاع عليه، ومما يملأ خزائن كاملة من أعظم المكتبات في العالم. ثم لا يزال المؤلفون
إلى عصرنا هذا يزيدون، وعلوم القرآن ومؤلفاته تنمو وتزدهر. أليس ذلك إعجازا آخر للقرآن يريك إلى أي حد بلغ علماء الإسلام في خدمة التنزيل. ويريك أنه كتاب لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي معارفه، ولن يستطيع أن يحيط بأسراره إلا صاحبه ومنزله؟.
وإذا أضفت إلى علوم القرآن ما جاء في الحديث النبوي الشريف وعلومه وكتبه وبحوثه باعتبارها من علوم القرآن، نظرا إلى أن الحديث شارح للقرآن يبين مبهماته، ويفصل مجملاته، ويخصص عامّه، كما قال سبحانه لنبيه صلّى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: 44].
أقول: إذا أضفت الحديث النبوي وعلومه إلى علوم القرآن تراءى لك بحر متلاطم الأمواج.
وتزداد عجبا إذا علمت أن طريقة أولئك المؤلفين في تأليفهم كانت طريقة استيعاب واستقصاء بحيث يقصد أصحابها أن يحيطوا بجزئيات القرآن من الناحية التي كتبوا فيها بقدر طاقتهم البشرية.
فمن يكتب في غريب القرآن مثلا يذكر كل مفرد من مفردات القرآن التي فيها غرابة وإبهام. ومن يكتب في مجاز القرآن يقتفي أثر كل لفظ فيه مجاز أيّا كان نوعه في القرآن. ومن يكتب في أمثال القرآن يتحدث عن كل مثل ضربه الله في القرآن، وهكذا سائر أنواع علوم القرآن.
ولهذا اشرأبت أعناق العلماء أن يعتصروا من تلك العلوم علما جديدا يكون كالفهرس والدليل عليها، والمتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه «علوم القرآن» بالمعنى المدون، ولا نعلم أن أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألّف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون؛ لأن الدواعي لم تكن موفورة لديهم نحو هذا النوع من التأليف. وإن كنا نعلم أنها كانت مجموعة في صدور المبرزين من العلماء، على الرغم من أنهم لم يدونوها في كتاب، ولم يفردوها باسم.
أجل: كانت علوم القرآن مجموعة في صدور هؤلاء العلماء. فنحن نقرأ في تاريخ الشافعي رضي الله عنه أنه أثناء محنته التي اتهم فيها بأنه رئيس حزب العلويين باليمن، وسيق بسبب هذه التهمة إلى الرشيد مكبلا بالحديد في بغداد، سأله الرشيد حين لمح علمه وفضله، فقال: كيف علمك يا شافعي بكتاب الله عزّ وجلّ؟ فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به؟ فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله تعالى قد أنزل كتبا كثيرة. قال الرشيد: قد أحسنت، لكن إنما سألت عن كتاب الله المنزل على ابن عمي محمد صلّى الله عليه وسلم. فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، فهل تسألني عن محكمه ومتشابهه، أو عن تقديمه وتأخيره، أو عن ناسخه ومنسوخه، أو عن ... ، أو عن ... ؟؟
وصار يرد عليه من علوم القرآن، ويجيب عن كل سؤال بما أدهش الرشيد والحاضرين.
فأنت ترى من جواب الشافعي هذا، ومن نطقه بالحكمة في هذا الموقف الرهيب ما يدلك على أن قلوب أكابر العلماء كانت أوعية لعلوم القرآن من قبل أن تجمع في كتاب.
ونحن لا نستبعد على الشافعي هذا، فقد كان آية من آيات الله في علمه وذكائه، وفي ابتكاره وتجديده، وفي قوة حجته وتوفيقه. حتى إنه وضع كتابه (الحجة) في العراق يستدرك به على مذاهب أهل الرأي، وألف في مصر كتبا يستدرك بها على مذاهب بعض أهل الحديث ثم وضع دستورا للاجتهاد والاستنباط لم يتسن لأحد قبله، إذ كان أول من صنف في أصول الفقه وهو من علوم القرآن كما علمت. قال ابن خلدون في مقدمته: «كان أول من كتب فيه- أي علم أصول الفقه- الشافعي رضي الله عنه، أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها على الأوامر والنواهي، والبيان، والخبر، والنسخ، وحكم العلة المنصوصة من القياس اهـ.

أول عهد لظهور هذا الاصطلاح :
 

المرفقات

  • doc.gif
    doc.gif
    140 بايت · المشاهدات: 266
  • bmp.gif
    bmp.gif
    183 بايت · المشاهدات: 259
التعديل الأخير:
عودة
أعلى