مقالة فلسفية عن العلاقة بين اللغة والفكر لي أستاذنا . | منتديات الدراسة الجزائرية

مقالة فلسفية عن العلاقة بين اللغة والفكر لي أستاذنا .

هل يمكن تصور وجود أفكار خارج إطار اللغة ؟
الطريقة الجدلية
طرح المشكلة :
إذا كان الفكر هو عمل العقل الذي يحدث داخل النفس،وكانت اللغة عبارة عن أصوات ورموز خارجية يستعملها الإنسان ليتصل بغيره،فان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك القدرة على ترجمة ونقل أفكاره للآخرين،ولهذا اهتم الفلاسفة والمفكرون ، قديما وحديثا بمشكلة ارتباط اللغة بالفكر، وتناولوها رغم اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم ،فهل اللغة متصلة أم منفصلة مع الفكر؟ وبعبارة أخرى هل يمكن الجزم باستقلالية الألفاظ عن معانيها ؟
عرض الأطروحة الأولى:
منطقها :يرى أنصار هذه النظرية وفي مقدمتهم الفرنسي "برغسون"ان هناك انفصال تام بين اللغة والفكر
المسلمات:
ينطلق برغسون من أسبقية الفكر عن اللغة لأن الإنسان يفكر بعقله قبل أن يعبر بلسانه،فكثيرا ما يشعر بسبيل من الخواطر والأفكار تتزاحم في نفسه.لكنه يعجز عن التعبير عنها.فاللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر إبرازا كاملا يقول (أعتقد إننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا) ومنه فان اللغة دوما تعيق تقدم الفكر وتطور المعاني أسرع من تطور الألفاظ ، ويقول "فاليري"(أجمل الأفكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها)كما إن ابتكار الإنسان وسائل بديلة للتعبير عن مشاعره كالرسم والموسيقى وغيرهما دليل قاطع على أن اللغة عاجزة عن استيعاب فكر الإنسان ، ولهذا يقال (الألفاظ هي قبور المعاني) كما أن الألفاظ تؤدي إلى قتل المعاني وتجمد حيويتها وحركتها ،بينما المعاني مبسوطة ممتدة وغير نهائية ،فالفكرة أغنى من اللفظ ،إذ يمكن التعبير عنها بألفاظ مختلفة .
النقد
لكن الفصل المطلق بين الفكر واللغة أمر غير مقبول واقعيا لان الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في أن واحد وعملية التفكير في الواقع لا تتم خارج إطار اللغة .
عرض نقيض الأطروحة:
منطقها: يرى أصحاب هده النظرية من أمثال 'أرسطو' هيجل ' دولا كروا ' انه لا يوجد فرق بين اللغة والفكر ،والعلاقة بينهما هي علاقة اتصال وتكامل .
مسلماتها :
تؤكد الدراسات النفسية أن الطفل يتعلم اللغة والفكر في آن واحد ،ويؤكد العالم النفساني "جان بياجي" على أن اللغة مساعدة لنمو ذكاء الطفل وبها يتعلم ويبتكر الأفكار . يقول "أرسطو" (ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية).أما اللغة عند "جون لوك" (هي علامات حسية معينة تدل على الأفكار الموجودة في الذهن)ومنه فإننا نفكر بلغتنا ونتكلم بفكرنا يقول "دولا كروا")إن الفكر يصنع اللغة وهي تصنعه،الألفاظ حصون المعاني،ويخلصُ أنصار الاتجاه الأحادي إلى نتيجة مفادها انه لا يوجد فكر بدون لغة كما لا توجد لغة بدون فكر،وان اللغة والفكر كل مُتكامل والعجز الذي تُوصف به اللغة هو عجز إيجاد الألفاظ المناسبة للفكر،لذا قال "هيجل")إن التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى فالكلمة تعطي للفكر ،وجوده الأسمى و الأصح(وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه "ميرلوبونتي"حين قال(الفكرة تؤخذ من العبارة والعبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة)
النقد
لكن الإنسان يشعر بعجز اللغة عن مسايرة الفكر،فالأدباء على الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية كبيرة إلا أنهم يعانون من مشكلة التبليغ، والواقع يؤكد أيضا أن الإنسان يفهم معاني اللغة أكثر مما يُحسن من ألفاظها ،فنحن عندما يُحدثنا شخص بلغة لا نُتقنها نفهم الكثير مما يقول ،ولكننا قد لا نستطيع مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه .
التركيب :
لا يمكن التسليم بالانفصال التام بين اللغة والفكر ،ولا بالتطابق المطلق بينهما ،وكل ما في الأمر أن، العلاقة بينهما هي علاقة تكامل وتلازم ، لذا يُعبر زكي نجيب محمود عن هذه العلاقة بقوله (إن الفكر هو التركيب اللفظي لا أكثر ولا اقل ) ويقول أيضا (إن من يزعم أن في نفسه أفكارا عجزت اللغة عن إبرازها فهو واهم أو يخدع نفسه)
حل المشكلة:
إن اللغة والفكر مفهومان متداخلان ومتكاملان فهما وجهان لعملة واحدة ومن الصعب وضع خط فاصل بينهما ، إذ كلما ازدادت ثروة الإنسان اللغوية ازدادت ثروته الفكرية،ولعل ما يؤكد هذا التلاحم ،هو قول الفيلسوف الانجليزي''هاملتون '' (إن المعاني شبيهة بشرار النار لا تومض إلا لتغيب ،ولا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ)ونستنتج في الأخير أن الفكر بالنسبة للغة كالروح بالنسبة للجسد، ولا وجود لأحدهما دون
الاخر .
 
عودة
أعلى