أداب الحوار والحديث | منتديات الدراسة الجزائرية

أداب الحوار والحديث

هناء 1987

مشرفة عامة
طاقم الإدارة
السلام عليكم
إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد اعتنت الشريعة الإسلامية بآداب الكلام والحديث، فأمرت بحفظ اللسان ولزوم الصمت ولين الكلام، ولخطورة اللسان فقد ركزت الشريعة على آداب الكلام والمحادثة، وألف العلماء المصنفات المستقلة في هذا الباب، وبينوا آداب الحديث والمناقشات والمناظرات العلمية؛ فالإسلام يريد أن يميز المسلم بعقيدته وعبادته وأخلاقه وآدابه ومظهره.
مكانة الكلمة في الإسلام:
بين الإسلام خطورة الكلمة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ (سورة الانفطار: الآيات 10-12).
وعن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه (.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ) إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة (.
وقد يتكلم المرء كلمةً توبق دنياه وآخرته، وقد يقول كلمةً يرفعه الله بها درجات ودرجات. ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ) إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، فيزل بها في النار أبعد ما بين المشرق (، وفي رواية: ) إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحكُ بها جُلساءَهُ يهوي بها من أبعد من الثُّريا (.

الأمر بحفظ اللسان:
ولما كانت الكلمة بهذه الأهمية لما لها من خطورة كان ما ينبغي على المسلم أن يعتني بلسانه غاية الاعتناء، فيجتنب القول الباطل، وقول الزور، والغيبة، والنميمة، والفاحش من القول، وجماع ذلك أن يصون لسانه عما حرم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. وفي سؤال معاذ بن جبل رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عن العمل الذي يُدخل الجنة ويباعد من النار، ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أركان الإسلام، وبعض أبواب الخير، ثم قال له: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه، قال: ) كف عليك هذا (. فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ) ثكلتك أمك يا معاذ وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم - أو مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم (.
بل إن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن صان لسانه وفرجه، فقال: ) من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة (.

شروط الكلام النافع:
وقد ذكر الماوردي رحمه الله شروط الكلام النافع في أربع نقاط، هي:
1- أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضر.
2- أن يأتي به في موضعه ويتوخى به إصابة فرصته.
3- أن يقتصر منه على قدر حاجته.
4- أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به.

من آداب الكلام والحديث:
أولا: المخاطبة على قدر الفهم:
وهذا من مهمات الآداب، خصوصًا للعلماء والوعاظ، فينبغي أن يكون الكلام متناسبًا مع ثقافة السامعين. ففي صحيح البخاري رحمه الله عن علي رضي الله عنه موقوفًا: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!». وفي مقدمة صحيح مسلم رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».

ثانيا: قل خيرًا أو اصمت:
وهذا أدب نبويٌ قولي للذين يهمون بالكلام أن يتريثوا ويتفكروا بكلامهم الذي يريدون أن يتكلموا به، فإن كان خيرًا فنعم القول هو وليقله، وإن كان شرا فلينته عنه فهو خيرٌ له.كما قال صلى الله عليه وسلم: ) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت (. قال ابن حجر: «وهذا من جوامع الكلم لأن القول كله إما خير وإما شر وإما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها، فَأَذِنَ فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يئول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فَأَمَرَ عند إرادة الخوض فيه بالصمت».

ثالثا: الكلمة الطيبة صدقة:
دلنا الحديث السابق على أن المرء مأمورٌ بقول الخير أو الصمت، ثم رغب الشارع في قول الخير لأن فيه تذكيرًا بالله، وإصلاحًا لدينهم ودنياهم، وإصلاحًا لذات بينهم.. وغير ذلك من وجوه النفع. ورتب على ذلك أجرًا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعينُ الرجلَ على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة (. وربَّ كلمة طيبة أبعدت قائلها من النار، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ) ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة (.

رابعا: فضل قلة الكلام وكراهية كثرته:
جاء الترغيب في الإقلال من الكلام في أيما حديث، وذلك لأن كثرته يكون سببًا في الوقوع في الإثم، فلا يأمن المُكثر منه من فلتات لسانه وزلاته، فمن أجل ذلك جاء الترغيب في الإقلال من الكلام، والنهي عن كثرته. روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ) إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال (. وقوله: ) وكره لكم قيل وقال (، فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم، قاله النووي.
وكثرة الكلام مذمومة في لسان الشرع، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون(.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من كثر كلامه كثر سقطه».
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «لا خير في فضول الكلام».



منقول لافادة
تحياتي
 
عودة
أعلى