السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) الحجرات( 11 )
ينهى الله تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " والمراد احتقارهم واستصغارهم ، وهذا النهي صريح في التحريم ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، وقيل أي أنه خيرا معتقدا وأسلم باطنا، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته ، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله ، والاستهزاء بمن عظمه الله .
وينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء أو السخرية إذا رآى غيره رث الحال أو ذا عاهة في بدنه ، أو لذنب ارتكبه ،أو غير لبيق في محادثته أو لغير ذلك ، لأن الله عم بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم)التوبة
وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب ، دفعا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال ،و لأن السخرية منهن أكثر.
وقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا تلمزوا الناس (أي : لا يطعن بعضكم على بعض ،ولا يعب بعضكم بعضا ) والهماز اللماز مذموم ملعون ، كما قال تعالى ( ويل لكل همزة لمزة ) الهمزة : 1 ، فالهمز بالفعل (باليد والعين واللسان) واللمز بالقول ويدخل فيه الغيبة ، كما قال تعالى ( هماز مشاء بنميم ) القلم : 11 أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال .
وقد توعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله تعالى ( ويل لكل همزة لمزة ) بنار الله الموقدة {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} الهمزة:7-9، والهمزة كثير الهمز للناس ، واللمزة كثير اللمز .
كما أن الهماز قد أخذ من الشياطين بعض صفاتهم التي أمر الله تعالى نبيه أن يتعوذ بالله تعالى منها {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} المؤمنون:98
وقوله تعالى ( ولا تلمزوا أنفسكم ) هذا نظير قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم ) بمعنى ولا يقتل بعضكم بعضا ، إن القرآن الكريم يُذَكِّر الَّذين آمنوا بأنهم وحدة متماسكة كنفس واحدة ،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر " .
وقوله : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) أي : لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها.
وقوله ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) أي ومن فعل ما نهينا عنه ، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه ، فسخر من المؤمنين ، ولمزهم ، ونبزهم بالألقاب ، فهو فاسق ،و بئس الصفة والاسم الفسوق بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ( ومن لم يتب ) من هذا ( فأولئك هم الظالمون ) لأنفسهم لاستحقاقهم عقاب الله بارتكاب هذه المناهي.
وفي هذه الآية الكريمة نهى الله عن أخلاق ذميمة ثلاثة:
1- نهى عن السخرية، وهي الاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم وتحقيرهم.
2- ونهى عن اللمز، وهو الغمز بالوجه - مثلاً - أو تحريك الشفاه بما لا يفهم.
3- ونهى عن التنابز بالألقاب، وهو نهيٌ عام في كل لقب يكره المسلم أن ينادى به.
والسخرية بالناس خلق ذميم اتصف به من أبغضهم الله تعالى ومقتهم من الكفار والمنافقين، قال الله تعالى عنهم {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزُّخرف:7] {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30].
وأما سخريتهم بالمؤمنين فجاء خبرها في قول الله تعالى {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة:212] {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطَّففين:29-30].
وأما المنافقون فقال الله تعالى عنهم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] وقال الله تعالى عنهم {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) رواه مسلم.
والسخرية سبب للعداوة والخصومات، وقد ينتج عنها سباب واعتداء بالقول أوالفعل ؛ لأن الساخر قد يتمادى في سخريته، فلا يحتمل أخوه منه سخريته، فينتصر لنفسه بالقول أو بالفعل.
بل وقد تُخص السخرية بمجالس وبرامج يتمتع فيها روادها ومشاهدوها بالإستهزاء بعباد الله تعالى، والسخرية منهم،لذا جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟! فقال: (الفم والفرج)، وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواهما الترمذي وصححهما.
وبهذا يتبين لكل عاقل أن السخرية بالناس باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويكفي رادعا عن السخرية بالآخرين أنها من صفات أهل النار من الكفار والمنافقين، فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله.
وإذا فشت السخرية في الناس ، فتنابزوا بالألقاب، وعيَّر بعضهم بعضا، فتنافرت قلوبهم، وانحلت روابطهم، فتعادوا وتهاجروا، وتدابروا وتباغضوا، ولم يكونوا عباد الله إخوانا؛ ولذا نهاهم الله تعالى عن السخرية والتنابز بالألقاب، والتنادي بالعيوب والمعاير .
ثم فليعلم من يفعل هذا أنه يمكن هؤلاء الناس الذين يسخر منهم من حسناته يوم القيامة فيأخذونها بدون تعب بعد أن بذل الجهد في كسبها, فإن لم يكن له حسنات حملوا عليه من أوزارهم وسيئاتهم بقدر ما أساء إليهم وخاض في أعراضهم, وكفى بذلك حسرة ورادعا عن الوقوع في هذه المعصية.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا، يَارَسُولَ اللَّهِ ،مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَاعَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . رواه مسلم
وبذلك يضع الإسلام القواعد الآداب الاجتماعية للتعامل في المجتمع الكريم ،فالإسلام أراد للمسلمين أن يكونوا أخوة متآلفين متحابين، يعطف بعضهم على بعض، ويؤيد بعضهم بعضا، لا يعتدي على جسده، ولا يعتدي على ماله، ولا يعتدي على عرضه، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، قال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري في صحيحه, وفى صحيح مسلم عن جابر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، وفى سنن ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
أسأل الله أن يؤدبنا بآداب الإسلام، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) الحجرات( 11 )
ينهى الله تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " والمراد احتقارهم واستصغارهم ، وهذا النهي صريح في التحريم ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، وقيل أي أنه خيرا معتقدا وأسلم باطنا، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته ، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله ، والاستهزاء بمن عظمه الله .
وينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء أو السخرية إذا رآى غيره رث الحال أو ذا عاهة في بدنه ، أو لذنب ارتكبه ،أو غير لبيق في محادثته أو لغير ذلك ، لأن الله عم بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم)التوبة
وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب ، دفعا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال ،و لأن السخرية منهن أكثر.
وقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا تلمزوا الناس (أي : لا يطعن بعضكم على بعض ،ولا يعب بعضكم بعضا ) والهماز اللماز مذموم ملعون ، كما قال تعالى ( ويل لكل همزة لمزة ) الهمزة : 1 ، فالهمز بالفعل (باليد والعين واللسان) واللمز بالقول ويدخل فيه الغيبة ، كما قال تعالى ( هماز مشاء بنميم ) القلم : 11 أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال .
وقد توعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله تعالى ( ويل لكل همزة لمزة ) بنار الله الموقدة {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} الهمزة:7-9، والهمزة كثير الهمز للناس ، واللمزة كثير اللمز .
كما أن الهماز قد أخذ من الشياطين بعض صفاتهم التي أمر الله تعالى نبيه أن يتعوذ بالله تعالى منها {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} المؤمنون:98
وقوله تعالى ( ولا تلمزوا أنفسكم ) هذا نظير قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم ) بمعنى ولا يقتل بعضكم بعضا ، إن القرآن الكريم يُذَكِّر الَّذين آمنوا بأنهم وحدة متماسكة كنفس واحدة ،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر " .
وقوله : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) أي : لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها.
وقوله ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) أي ومن فعل ما نهينا عنه ، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه ، فسخر من المؤمنين ، ولمزهم ، ونبزهم بالألقاب ، فهو فاسق ،و بئس الصفة والاسم الفسوق بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ( ومن لم يتب ) من هذا ( فأولئك هم الظالمون ) لأنفسهم لاستحقاقهم عقاب الله بارتكاب هذه المناهي.
وفي هذه الآية الكريمة نهى الله عن أخلاق ذميمة ثلاثة:
1- نهى عن السخرية، وهي الاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم وتحقيرهم.
2- ونهى عن اللمز، وهو الغمز بالوجه - مثلاً - أو تحريك الشفاه بما لا يفهم.
3- ونهى عن التنابز بالألقاب، وهو نهيٌ عام في كل لقب يكره المسلم أن ينادى به.
والسخرية بالناس خلق ذميم اتصف به من أبغضهم الله تعالى ومقتهم من الكفار والمنافقين، قال الله تعالى عنهم {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزُّخرف:7] {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30].
وأما سخريتهم بالمؤمنين فجاء خبرها في قول الله تعالى {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة:212] {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطَّففين:29-30].
وأما المنافقون فقال الله تعالى عنهم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] وقال الله تعالى عنهم {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) رواه مسلم.
والسخرية سبب للعداوة والخصومات، وقد ينتج عنها سباب واعتداء بالقول أوالفعل ؛ لأن الساخر قد يتمادى في سخريته، فلا يحتمل أخوه منه سخريته، فينتصر لنفسه بالقول أو بالفعل.
بل وقد تُخص السخرية بمجالس وبرامج يتمتع فيها روادها ومشاهدوها بالإستهزاء بعباد الله تعالى، والسخرية منهم،لذا جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟! فقال: (الفم والفرج)، وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواهما الترمذي وصححهما.
وبهذا يتبين لكل عاقل أن السخرية بالناس باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويكفي رادعا عن السخرية بالآخرين أنها من صفات أهل النار من الكفار والمنافقين، فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله.
وإذا فشت السخرية في الناس ، فتنابزوا بالألقاب، وعيَّر بعضهم بعضا، فتنافرت قلوبهم، وانحلت روابطهم، فتعادوا وتهاجروا، وتدابروا وتباغضوا، ولم يكونوا عباد الله إخوانا؛ ولذا نهاهم الله تعالى عن السخرية والتنابز بالألقاب، والتنادي بالعيوب والمعاير .
ثم فليعلم من يفعل هذا أنه يمكن هؤلاء الناس الذين يسخر منهم من حسناته يوم القيامة فيأخذونها بدون تعب بعد أن بذل الجهد في كسبها, فإن لم يكن له حسنات حملوا عليه من أوزارهم وسيئاتهم بقدر ما أساء إليهم وخاض في أعراضهم, وكفى بذلك حسرة ورادعا عن الوقوع في هذه المعصية.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا، يَارَسُولَ اللَّهِ ،مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَاعَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . رواه مسلم
وبذلك يضع الإسلام القواعد الآداب الاجتماعية للتعامل في المجتمع الكريم ،فالإسلام أراد للمسلمين أن يكونوا أخوة متآلفين متحابين، يعطف بعضهم على بعض، ويؤيد بعضهم بعضا، لا يعتدي على جسده، ولا يعتدي على ماله، ولا يعتدي على عرضه، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، قال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري في صحيحه, وفى صحيح مسلم عن جابر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، وفى سنن ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
أسأل الله أن يؤدبنا بآداب الإسلام، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول