مدير الموقع
إدارة المنتدى
المصادر الاحتياطية للقانون
*خطّة البحث :
- المقدّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـة.
* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.
• المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعدالعدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانونالطّبيعي، و قــواعد العدالة.
- الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.
** المقدّمة:
بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجدنصّا،أو حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذامجيبا عن هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحالإلى مصادر أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا علىتطبيقها، و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادرسنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدررسميّ احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و مايتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماءهي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّمبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
- ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟
* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.
تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيبالمادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،ورسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة -الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبهاالمختلفة.
- المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، ولا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:''شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّبها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعبادهعلى لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمةلا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، ولا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذييستعمل في الاصطلاح الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليمبقضائه، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدةالإسلامية، فالدّين، و الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
- و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان،و يسمّى تشريعاسمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى تشــريعا وضعيًّا.
.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلةالتّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصرالصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرتعدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهبالرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.وتتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنهاالأحكام التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهبلآخر،و هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم علىقواعد، و أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلاميةأتـــت في القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد فيالتّطبيق بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتهابالتفصيل كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية فيقسم الحقوق الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا مسؤوليةالفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ تضمنّهالحديث الشّريف:" لا ضرر، و لا ضرار ".
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:" إنّما الأعمال بالنيّات ".
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود سورة المائدة
د. المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآدابالعامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: " المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطاأحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".
_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
- المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهيالقرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضيالله عنه)"الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلىاليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضيبكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإنلم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر فيالاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد للهالذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله".
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا علىمدى ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتهاتحديدا قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،والقتل بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛فكانت محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفتبالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،وتطوّر الزّمن، لذلك اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاسفي سعة من أمرهم.
و الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفهكلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،ولم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآنبالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّيجاء
فيها : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين، والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول الله (صلّىالله
عليه،وسلّم): "لاوصيّة لوارث "، لكن جمهور الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاببالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّهانأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّىسنّة قولية،و قد تكون فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى اللهعليه،و سلّم)،و لا بدّ من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هومقبول، أو لا. و قد تكون السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أوقول، و هو حاضر، أو غائب بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهراستحسانه له (2)، و هناك من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهدقدرا من النّباهة، و قد اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة فيالرّاوي،و الصّفات التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعدوفاة النّبي(صلّى الله عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريقالاجتهاد الجماعي.ّ
و الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى اللهعليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك منيرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):" لا تجتمع أمّتي على ضلالة "، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماعأكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):" أصحابيكالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم ".و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاقجميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .
و يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذيلم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعونعلى إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع على الصّحابة فهو فيمتناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و سلّم): " لا تزالطائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من خالفهم حتّى يأتي أمرالله ".
رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّعليه في الكتاب و السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطريتقرّه العقول، و يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذاوُجـِدَت صفات موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هوأعمال للنّصوص الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكنتفسير لها(3).
و أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم،الفرع؛ و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذياتّجه القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركةبينهما.فإذا قال سبحانه،و تعالى مثلا : إنّما الخمر،و الميسر، والأنصاب، و الأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،وكذلك هو الضرر الغالب إذ يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،والميسر قل فيهما إثم كبير،و منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذبالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالبفيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بليعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.
- المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.
إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، والطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعةالإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالةالدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرضالموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة فيالشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروفالطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر فيالشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئالشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقدقائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات،و أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا منأهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).والشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمعالعـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
- المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابنالعربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط بهالحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمونحسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرفالمسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّمخالفة العرف الذي
يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: «ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، والمالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).
*خطّة البحث :
- المقدّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـة.
* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.
*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.
• المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعدالعدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانونالطّبيعي، و قــواعد العدالة.
- الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.
** المقدّمة:
بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجدنصّا،أو حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذامجيبا عن هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحالإلى مصادر أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا علىتطبيقها، و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادرسنتناولها من الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدررسميّ احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و مايتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماءهي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّمبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
- ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟
* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.
تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيبالمادّة الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،ورسميا في نفس الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة -الرّوحية، و الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبهاالمختلفة.
- المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، ولا تتبّع أهواء الذين لا يعلمون الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:''شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّبها حياة النّفوس، و العقول، كما أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على الأحكام التّي شرّعها اللّه لعبادهعلى لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمةلا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛ محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، ولا يلتوي عن مقاصدها.أمّا الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذييستعمل في الاصطلاح الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليمبقضائه، و أحكامه، و إلى العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدةالإسلامية، فالدّين، و الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
- و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن طريق الأديان،و يسمّى تشريعاسمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى تشــريعا وضعيًّا.
.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلةالتّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصرالصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرتعدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهبالرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.وتتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنهاالأحكام التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهبلآخر،و هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم علىقواعد، و أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلاميةأتـــت في القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد فيالتّطبيق بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتهابالتفصيل كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية فيقسم الحقوق الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا مسؤوليةالفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ تضمنّهالحديث الشّريف:" لا ضرر، و لا ضرار ".
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:" إنّما الأعمال بالنيّات ".
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود سورة المائدة
د. المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآدابالعامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: " المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطاأحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".
_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
- المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهيالقرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضيالله عنه)"الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلىاليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضيبكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإنلم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر فيالاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد للهالذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله".
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا علىمدى ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتهاتحديدا قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،والقتل بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛فكانت محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفتبالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،وتطوّر الزّمن، لذلك اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاسفي سعة من أمرهم.
و الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفهكلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،ولم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآنبالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّيجاء
فيها : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين، والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول الله (صلّىالله
عليه،وسلّم): "لاوصيّة لوارث "، لكن جمهور الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاببالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّهانأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّىسنّة قولية،و قد تكون فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى اللهعليه،و سلّم)،و لا بدّ من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هومقبول، أو لا. و قد تكون السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أوقول، و هو حاضر، أو غائب بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهراستحسانه له (2)، و هناك من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهدقدرا من النّباهة، و قد اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة فيالرّاوي،و الصّفات التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعدوفاة النّبي(صلّى الله عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريقالاجتهاد الجماعي.ّ
و الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى اللهعليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك منيرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):" لا تجتمع أمّتي على ضلالة "، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماعأكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):" أصحابيكالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم ".و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاقجميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .
و يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذيلم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعونعلى إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع على الصّحابة فهو فيمتناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و سلّم): " لا تزالطائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من خالفهم حتّى يأتي أمرالله ".
رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّعليه في الكتاب و السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطريتقرّه العقول، و يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذاوُجـِدَت صفات موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هوأعمال للنّصوص الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكنتفسير لها(3).
و أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم،الفرع؛ و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذياتّجه القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركةبينهما.فإذا قال سبحانه،و تعالى مثلا : إنّما الخمر،و الميسر، والأنصاب، و الأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،وكذلك هو الضرر الغالب إذ يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،والميسر قل فيهما إثم كبير،و منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذبالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالبفيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بليعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.
- المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.
إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، والطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعةالإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالةالدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرضالموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة فيالشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروفالطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر فيالشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئالشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقدقائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.
*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات،و أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا منأهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).والشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمعالعـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
- المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابنالعربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط بهالحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمونحسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرفالمسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّمخالفة العرف الذي
يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: «ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، والمالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).