الاستعارة التصريحية والمكنية
1- الاستعارة التصريحية: وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه، أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه، ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى:
(كِتابٌ أنزلناهُ إليكَ لِتُخرجَ الناسَ مِنَ الظُلماتِ إلى النُّورِ...
ففي هذه الآية استعارتان في لفظي: الظلمات والنور، لأن المراد الحقيقي دون مجازهما اللغوي هو: الضلال والهدى، لأن المراد إخراج الناس من الضلال إلى الهدى، فاستعير للضلال لفظ الظلمات، وللهدى لفظ النور، لعلاقة المشابهة ما بين الضلال والظلمات.
وهذا الاستعمال _كما ترى _ من المجاز اللغوي لأنه اشتمل على تشبيه حذف منه لفظ المشبه، وأستعير بدله لفظ المشبه به، وعلى هذا فكل مجاز من هذا النوع يسمى "استعارة" ولما كان المشبه به مصرحاً بذكره سمي هذا المجاز اللغوي، أو هذه الاستعارة "استعارة تصريحية" لأننا قد صرحنا بالمشبه به، وكأنه عين المشبه مبالغة واتساعاً في الكلام.
2_ الاستعارة المكنية: وهي ما حذف فيها المشبه به، أو المستعار منه، حتى عاد مختفياً إلا أنه مرموز له بذكر شيء من لوازمه دليلاً عليه بعد حذفه.
ومثال ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:
(ولَمّا سكتَ عَن موسى الغَضَبُ أخَذَ الألواحَ وفي نُسخَتِها هُدىً وَرَحمةٌ...).
ففي هذه الآية ما يدل على حذف المشبه به، وإثبات المشبه، إلا أنه رمز إلى المشبه به بشيء من لوازمه، فقد مثلت الآية (الغضب) بإنسان هائج يلح على صاحبه باتخاذ موقف المنتقم الجاد، ثم هدأ فجأة، وغير موقفه، وقد عبر عن ذلك بما يلازم الإنسان عند غضبه ثم يهدأ ويستكين، وهو السكوت، فكانت كلمة (سكت) استعارة مكنية بهذا الملحظ حينما عادت رمزاً للمشبه به.
وأظهر من ذلك في الدلالة قوله تعالى:
(والصُّبح إذا تَنَفَسَ).
فالمستعار منه هو الإنسان، والمستعار له هو الصبح، ووجه الشبه هو حركة الإنسان وخروج النور، فكلتاهما حركة دائبة مستمرة، وقد ذكر المشبه وهو الصبح، وحذف المشبه به وهو الإنسان، فعادت الاستعارة مكنية.
وهاتان الاستعارتان أعني التصريحية والمكنية نظرا فيهما إلى طرفي التشبيه في الاستعارة، وهما المشبه والمشبه به، فتارة يحذف المشبه فتسمى الاستعارة (تصريحية) وتارة يحذف المشبه به فتسمى الاستعارة (مكنية).
وهذان النوعان أهم أقسام الاستعارة وعمدتها
يقول ابن الأثير:" إنّما سمّي هذا القسم من الكلام استعارة لأنّ الأصل في الاستعارة المجازيّة مأخوذ من العارية الحقيقيّة التي هي ضرب من المعاملة وهي أن يستعيرَ النّاسُ من بعضهم شيئا من الأشياء ولا يقع ذلك إلاّ من شخصين بينهما سبب معرفةٌ وهذا الحكم جارٍ في استعارة الألفاظ بعضها من بعض.
فالمشاركة بين اللّفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشّخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر."...(1(
ب) اصطلاحا:
عرّف البلاغيّون القدامى الاستعارة منذ القرن الثالث الهجريّ كما يلي:
1.
تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامَه. ( الجاحظ) (1) المثلُ السّائرُ 364
2.
نقل للّفظ من معنى إلى معنى. (المبرّد)
3.
اللّفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له إذا كان المسمّى به بسبب من الآخر أو كان مجاريا له أو مشاكلا. (ابن قتيبة)
4.
أن يُستعار للشيء اسمٌ غيره أو معنى سواه. (ثعلب)
5.
استعارة الكلمة لشيء لم يُعرف من شيء عُرِفَ به. (ابن المعتزّ)
6.
ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل ونُقِلت العبارة فجُعِلَت في مكان غيرها.
( علي بن عبد العزيز الجرجانيّ)
7.
تعليق العبارة على غير ما وُضِعت له في أصل اللّغة على جهة النّقل للإبانة. (الرمّانيّ)
8.
نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللّغة إلى غيره. (أبو الهلال العسكريّ)
9.
أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللّغويّ معروفا تدلّ الشّواهد على أنّه اختصّ به حين وُضِعَ ثمّ يستعمله الشّاعر أو غير الشّاعر في غير ذلك الأصل وينقله إليه نقلا غيرَ لازمٍ فيكون هنا كالعارية. ( عبد القاهر الجرجانيّ)
10.
ذكرُ الشيء باسم غيره وإثبات ما لغيره له لأجل المبالغة في التشبيه. ( فخر الدّين بن الخطيب)
11.
نقل المعنى من لفظ إلى لفظ لمشاركةٍ بينهما مع طيّ ذكر المنقولِ إليه. (ابن الأثير)
12.
أن تَذكُرَ أحدَ طرفي التشبيه وتريدَ الطّرف الآخرَ مدّعيا دخول المشبّه في جنس المشبّه به إلاّ على ذلك بإثباتك للمشبّه ما يخصّ المشبّه به. (السكاكيّ)
تلك هي تعريفات الاستعارة مرتّبة ترتيبا تاريخيّا و يُلاحظ الدّارس لها أنّ الاستعارة قد تطوّرت في تعريفها فكانت في أوّل أمرها تشمل المجاز بأنواعه من غير بيان العلاقة بين المستعار منه و المستعار له ثمّ اتّضح التعريف شيئا فشيئا واشترطت العلاقة بالمجاورة أو المشاكلة أو بسبب يربط بين طرفيهما ثمّ ذكر الغرض من استعمالها. وقد خلط غيرُ واحد من علماء البلاغة بين الاستعارة والتشبيه فجعلوا بعض التشبيهات استعارات و بعض الاستعارات تشبيهات وعدّ أهل البلاغة كابن رشيق وأبي الهلال العسكريّ التشبيهَ المضمرَ الأداةِ استعارةً لأنّ التشبيه في نظرهم إنّما يتميّز بالأداة و لذا فهم يرون إنّ المفهوم من " زيدٌ أسدٌ" مثل المفهوم من " لقيتُ الأسدَ" أو" زارني الأسدُ". وقد اعترض على ذلك القاضي الجرجانيّ في "الوساطة" ورأى أنّه ورد ما يظنّه النّاسُ استعارةً وهو تشبيه أو مثلٌ و قد أنار إمام البلاغة الجرجانيّ هذه المسألة ووضّح الفرق بين التشبيه و الاستعارة بقوله :
" إنّ الاستعارة وإن كانت تعتمد التشبيهَ والتمثيلَ و كان التشبيهُ يقتضي شيئين مشبّها ومشبّها به وكذلك التمثيلُ لأنّه كما عرفت تشبيه إلاّ أنّه عقليٌّ فإنّ الاستعارة من شأنها أن تُسقِطَ ذكرَ المشبّه من البين وتطرحه وتدّعي له الاسم الموضوعَ للمشبّه به كما مضى من قولك" رأيتُ زيدا" تريد رجلا شجاعا فاسمً الذي هو غيرُ مشبّهٍ غيرُ مذكورٍ بوجه من الوجوه كما ترى وقد نقلتَ الحديثَ إلى اسم المشبّه به لقصدكَ أن تبالغَ."
ويُجمِعُ البلاغيّون على أنّ الاستعارة ضربٌ من المجاز اللّغويّ علاقته المشابهة أي لفظ استُعمل في غير ما وُضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقيّ ... فالأساس الذي تقوم عليه الاستعارة هو التشبيه ولذلك عُدَّ أصلا وعُدَّتْ الاستعارة فرعًا له.
1- الاستعارة التصريحية: وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه، أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه، ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى:
(كِتابٌ أنزلناهُ إليكَ لِتُخرجَ الناسَ مِنَ الظُلماتِ إلى النُّورِ...
ففي هذه الآية استعارتان في لفظي: الظلمات والنور، لأن المراد الحقيقي دون مجازهما اللغوي هو: الضلال والهدى، لأن المراد إخراج الناس من الضلال إلى الهدى، فاستعير للضلال لفظ الظلمات، وللهدى لفظ النور، لعلاقة المشابهة ما بين الضلال والظلمات.
وهذا الاستعمال _كما ترى _ من المجاز اللغوي لأنه اشتمل على تشبيه حذف منه لفظ المشبه، وأستعير بدله لفظ المشبه به، وعلى هذا فكل مجاز من هذا النوع يسمى "استعارة" ولما كان المشبه به مصرحاً بذكره سمي هذا المجاز اللغوي، أو هذه الاستعارة "استعارة تصريحية" لأننا قد صرحنا بالمشبه به، وكأنه عين المشبه مبالغة واتساعاً في الكلام.
2_ الاستعارة المكنية: وهي ما حذف فيها المشبه به، أو المستعار منه، حتى عاد مختفياً إلا أنه مرموز له بذكر شيء من لوازمه دليلاً عليه بعد حذفه.
ومثال ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:
(ولَمّا سكتَ عَن موسى الغَضَبُ أخَذَ الألواحَ وفي نُسخَتِها هُدىً وَرَحمةٌ...).
ففي هذه الآية ما يدل على حذف المشبه به، وإثبات المشبه، إلا أنه رمز إلى المشبه به بشيء من لوازمه، فقد مثلت الآية (الغضب) بإنسان هائج يلح على صاحبه باتخاذ موقف المنتقم الجاد، ثم هدأ فجأة، وغير موقفه، وقد عبر عن ذلك بما يلازم الإنسان عند غضبه ثم يهدأ ويستكين، وهو السكوت، فكانت كلمة (سكت) استعارة مكنية بهذا الملحظ حينما عادت رمزاً للمشبه به.
وأظهر من ذلك في الدلالة قوله تعالى:
(والصُّبح إذا تَنَفَسَ).
فالمستعار منه هو الإنسان، والمستعار له هو الصبح، ووجه الشبه هو حركة الإنسان وخروج النور، فكلتاهما حركة دائبة مستمرة، وقد ذكر المشبه وهو الصبح، وحذف المشبه به وهو الإنسان، فعادت الاستعارة مكنية.
وهاتان الاستعارتان أعني التصريحية والمكنية نظرا فيهما إلى طرفي التشبيه في الاستعارة، وهما المشبه والمشبه به، فتارة يحذف المشبه فتسمى الاستعارة (تصريحية) وتارة يحذف المشبه به فتسمى الاستعارة (مكنية).
وهذان النوعان أهم أقسام الاستعارة وعمدتها
يقول ابن الأثير:" إنّما سمّي هذا القسم من الكلام استعارة لأنّ الأصل في الاستعارة المجازيّة مأخوذ من العارية الحقيقيّة التي هي ضرب من المعاملة وهي أن يستعيرَ النّاسُ من بعضهم شيئا من الأشياء ولا يقع ذلك إلاّ من شخصين بينهما سبب معرفةٌ وهذا الحكم جارٍ في استعارة الألفاظ بعضها من بعض.
فالمشاركة بين اللّفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشّخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر."...(1(
ب) اصطلاحا:
عرّف البلاغيّون القدامى الاستعارة منذ القرن الثالث الهجريّ كما يلي:
1.
تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامَه. ( الجاحظ) (1) المثلُ السّائرُ 364
2.
نقل للّفظ من معنى إلى معنى. (المبرّد)
3.
اللّفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له إذا كان المسمّى به بسبب من الآخر أو كان مجاريا له أو مشاكلا. (ابن قتيبة)
4.
أن يُستعار للشيء اسمٌ غيره أو معنى سواه. (ثعلب)
5.
استعارة الكلمة لشيء لم يُعرف من شيء عُرِفَ به. (ابن المعتزّ)
6.
ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل ونُقِلت العبارة فجُعِلَت في مكان غيرها.
( علي بن عبد العزيز الجرجانيّ)
7.
تعليق العبارة على غير ما وُضِعت له في أصل اللّغة على جهة النّقل للإبانة. (الرمّانيّ)
8.
نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللّغة إلى غيره. (أبو الهلال العسكريّ)
9.
أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللّغويّ معروفا تدلّ الشّواهد على أنّه اختصّ به حين وُضِعَ ثمّ يستعمله الشّاعر أو غير الشّاعر في غير ذلك الأصل وينقله إليه نقلا غيرَ لازمٍ فيكون هنا كالعارية. ( عبد القاهر الجرجانيّ)
10.
ذكرُ الشيء باسم غيره وإثبات ما لغيره له لأجل المبالغة في التشبيه. ( فخر الدّين بن الخطيب)
11.
نقل المعنى من لفظ إلى لفظ لمشاركةٍ بينهما مع طيّ ذكر المنقولِ إليه. (ابن الأثير)
12.
أن تَذكُرَ أحدَ طرفي التشبيه وتريدَ الطّرف الآخرَ مدّعيا دخول المشبّه في جنس المشبّه به إلاّ على ذلك بإثباتك للمشبّه ما يخصّ المشبّه به. (السكاكيّ)
تلك هي تعريفات الاستعارة مرتّبة ترتيبا تاريخيّا و يُلاحظ الدّارس لها أنّ الاستعارة قد تطوّرت في تعريفها فكانت في أوّل أمرها تشمل المجاز بأنواعه من غير بيان العلاقة بين المستعار منه و المستعار له ثمّ اتّضح التعريف شيئا فشيئا واشترطت العلاقة بالمجاورة أو المشاكلة أو بسبب يربط بين طرفيهما ثمّ ذكر الغرض من استعمالها. وقد خلط غيرُ واحد من علماء البلاغة بين الاستعارة والتشبيه فجعلوا بعض التشبيهات استعارات و بعض الاستعارات تشبيهات وعدّ أهل البلاغة كابن رشيق وأبي الهلال العسكريّ التشبيهَ المضمرَ الأداةِ استعارةً لأنّ التشبيه في نظرهم إنّما يتميّز بالأداة و لذا فهم يرون إنّ المفهوم من " زيدٌ أسدٌ" مثل المفهوم من " لقيتُ الأسدَ" أو" زارني الأسدُ". وقد اعترض على ذلك القاضي الجرجانيّ في "الوساطة" ورأى أنّه ورد ما يظنّه النّاسُ استعارةً وهو تشبيه أو مثلٌ و قد أنار إمام البلاغة الجرجانيّ هذه المسألة ووضّح الفرق بين التشبيه و الاستعارة بقوله :
" إنّ الاستعارة وإن كانت تعتمد التشبيهَ والتمثيلَ و كان التشبيهُ يقتضي شيئين مشبّها ومشبّها به وكذلك التمثيلُ لأنّه كما عرفت تشبيه إلاّ أنّه عقليٌّ فإنّ الاستعارة من شأنها أن تُسقِطَ ذكرَ المشبّه من البين وتطرحه وتدّعي له الاسم الموضوعَ للمشبّه به كما مضى من قولك" رأيتُ زيدا" تريد رجلا شجاعا فاسمً الذي هو غيرُ مشبّهٍ غيرُ مذكورٍ بوجه من الوجوه كما ترى وقد نقلتَ الحديثَ إلى اسم المشبّه به لقصدكَ أن تبالغَ."
ويُجمِعُ البلاغيّون على أنّ الاستعارة ضربٌ من المجاز اللّغويّ علاقته المشابهة أي لفظ استُعمل في غير ما وُضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقيّ ... فالأساس الذي تقوم عليه الاستعارة هو التشبيه ولذلك عُدَّ أصلا وعُدَّتْ الاستعارة فرعًا له.