لقد قطعنا أشواطا بعيدة في تصفية الأشياء و تطهيرها و صهرها و تكريرها , و ذلك حرصا منا على سلامة أجسادنا و راحتها و رفاهيتها . إلا أننا لا نزال متخلفين في تصفية النفس من أدرانها , فقلوبنا و أفكارنا تبدو مباءات لأنواع الأقذار , فما من دقيقة تمر إلا و في فمها بوق ينفخ في قلوب الناس الحقد و الكره و شهوة الفتك و البطش , و ينفخ في أفكارنا الحذر و القلق و الخوف مما نحن عليه .
أفلا يدهشك من الناس أن تراهم يهتمون بالغ الاهتمام بتصفية ما يدخل أجوافهم و جيوبهم في حين لا يلقون بلا إلى تصفية ما يدخل قلوبهم و أفكارهم ؟ و لم يفطنوا إلى أن قلوبهم و أفكارهم أكثر حاجة مصاف و ممصاهر و غرابيل و مناخل , و إلى الصابون و المكانس من حاجة بترولهم و حديدهم و نحاسهم و قمحهم و دقيقهم و مساكنهم و أبدانهم .
و لكي تحسن استعمال المصفاة التي أحدثكم عنها عليك أن تقيم من نفسك محاسبا لنفسك , كأن تخاطبها هكذا : يؤذيك يا نفسي ان تكوني عبدة للغير , فلا تستعبدي الغير و يؤذيك ان يخدعك الغير , فلا تخدعي الغير يؤذيك ان يذمك الناس , فلا تذمي الناس .
و يؤذيك ان تمتهن كرامتك , فلا تمتهن كرامة انسان
اجل نحتاج اليوم حراسا على العيون و الاذان و الافواه , فليس ابشع من العين التي لا تسر إلا برؤية الاوساخ كالذبابة , ولا اقطع من اللسان الذي تنزلق منه الكلمات الجارحة , و لا الذان التي تتسقط اخبار السوء .
إذا فإننا إذا كنا لا نستطيع ان نصفي العالم كله , فلا اقل من يعمل كل منا على تصفية نفسه
:sly:
