[فلسفة] - مقالة فلسفية: هل يمكن تطبيق الحتمية في البيولوجيا ؟ | منتديات الدراسة الجزائرية

[فلسفة] مقالة فلسفية: هل يمكن تطبيق الحتمية في البيولوجيا ؟

الأستاذ علي 12

مشرف عام
%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%B1%D8%AD%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%A8%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA%D9%87-1.gif

مادة الفلسفة للسنة للسنة الثالثة ثانوي


مقالة فلسفية للسنة الثالثة ثانوي

شعبة آداب و فلسفة

---
نص السؤال :​



الطريقة : جدلية . الأستاذ : سمير زاوش

تطور العلم عندما آمن الباحث بأن الظواهر تخضع لنظام ثابت مجسد في مبدإ الحتمية لذا اتصفت الحقيقة العلمية باليقين نتيجة إخضاع الظواهر للتجربة ، هذا ما جعل بقية العلوم تنشد ذلك ومن بينها العلوم البيولوجية . لكن الاختلاف في الطبيعة جعل البعض يؤكد على استحالة تجسيد المبدأ الذي تعتمد عليه العلوم الفيزيائية في البيولوجيا ، هذا ما ولد جدل بين العلماء والمفكرين حول هذه المسألة . فهل يمكن تفسير الظاهرة البيولوجية من خلال مبدأ الحتمية ؟

القضية 01 :
يمكن تجسيد مبدأ الحتمية في البيولوجيا ذلك أن الظاهرة الحية لا تختلف عن الظاهرة الفيزيائية لأنهما يخضعان لنفس النظام القائم أساسا على الثبات و التكرار الشيء الذي يجعل الظاهرة الحية قابلة للتجريب وبالتالي التنبؤ بحدوثها في المستقبل نتيجة تكرار نفس الشروط ونفس النتائج وهنا يقول كلود برنار :" لابد من التسليم كبديهية تجريبية بأن شروط وجود كل ظاهرة - سواء تعلق الأمر بالكائنات الحية أو بالأجسام الجامدة – هي محددة تحديدا مطلقا ، وهذا يعني بتعبير آخر أن الظاهرة إذا عرف شرطها وتوفر وجب أن تحدث من جديد دائما بالضرورة ، وذلك حسب إرادة العالم التجريبي ، وما إنكار هذه القضية سوى إنكار للعلم ذاته ."
ومعنى ذلك أن الظاهرة الحية قابلة للتحقيق والتفسير العلمي القائم على مبدأ الحتمية ، المرتبط بالضرورة القائمة على أنه كلما توفرت نفس الشروط تترتب عنها نفس النتائج ، وأنه عندما لا تعود الشروط واحدة فإن الظاهرة تتوقف عن أن تكون واحدة ، الشيء الذي يثبت أن مبدأ الحتمية مطلق سواء تعلق الأمر بظواهر الأجسام الجامدة أو ظواهر الكائنات الحية ، ولا يمكن لتأثير الحياة أن يغير في القضية شيئا مهما كان الرأي فيه ، والتجارب التي قام بها كلود برنار على آكلات العشب إلاّ دليل على ذلك { اقتن أرنب من السوق وعزل عنه العشب فتحول بوله إلى بول آكلات اللحوم ، وبعد ذلك منحه العشب فعاد إلى حالته الطبيعية ، ثم كرر التجربة عدة مرات فكان دائما يصل إلى نفس النتيجة ، حتى عندما انتقل إلى حيوان آخر من آكلات العشب ، فتوصل إلى الحكم التالي " كل آكلات العشب تتغذى على ما تدخره في بطونها من شحوم "} هذه التجارب أثبتت أنه يجب أن تكون هناك حتمية في الظواهر الحية التي تنظمها ، لأن بدونها تكون قوة عمياء لا تخضع لقانون وهذا أمر مستحيل .
هذا ما جعل الفرق بين المادة الحية والجامدة في الدرجة لا في النوع أي أن المادة الحية تتطلب الدقة والمهارة ومن هنا أكد كلود برنار " خير طريقة ينبغي اعتمادها في علم الحياة هي الطريقة التجريبية " وهذا ما يؤكد أن العضوية عبارة عن نشاط آلي تشارك فيه كل الأعضاء وعليه يكون العضو أسبق من الوظيفة ( عملية الهضم مثلا تحدث بطريقة آلية هي الطريقة نفسها التي تتحكم في حدوث الظواهر الجامدة ، فتبدأ بدور القواطع والغدة اللعابية وصولا إلى دور الأنزيمات التي تحلل المأكولات ) ، فمعرفة وظيفة العضو تمكننا من معرفة النتيجة أو الظاهرة التي سوف تحدث ، لهذا يمكن اعتبار الأعضاء بمثابة الشروط التي تتحكم في حدوث الظاهرة ، وبالتالي يصبح التنبؤ ممكن في الظواهر الحية بشرط أن تتوفر نفس الأعضاء ، وإن حدث خلل في أحد الأعضاء فإن الظاهرة لا تحدث ، وهذا هو مضمون التفسير العلمي يقول كلود برنار :" ينتج أن ظواهر الحياة ليست لها قوانين خاصة إلاّ لأن ثمة حتمية صارمة في شتى الظروف التي تشكل شروط وجودها أو تثير ظروفها وهذا أمر واحد ولكن بفضل التجريب فقط … " .
وعليه يصبح التفسير الغائي تفسير فلسفي والعلم تطور عندما ابتعد عن الغائية ، لأن إنكار مبدأ الحتمية هو إنكار للعلم ( لا يمكننا القول بوجود علم البيولوجيا)
نقد الحجة :
الخصوصية التي تمتاز بها المادة الحية عن المادة الجامدة تثبت استحالة تطبيق مبدأ الحتمية في البيولوجيا لأن المادة الحية متغيرة وفريدة من نوعها متشابكة في عناصره ، وأكثر من ذلك فهي تهدف إلى غاية .



القضية 02 :
تفسير الكائن الحي لا يكون وفق مبدأ الحتمية بل وفق الغائية لأن الظواهر الحية ترجع إلى علم الروح دون تقيدها بأي حتمية ، وهذا ما ينفي تكرار الظاهرة بنفس الشروط ، فضلا عن أن الروح كفكرة ميتافيزيقية يصعب علينا أو من المستحيل أن تجسد في الواقع ، وهذا دليل على أن أحد شروط الفرضية العلمية غير ممكن " يجب أن تكون الفرضية قابلة للتحقيق عن طريق التجريب " ،وهذا ما جعل المادة الحية تتميز عن المادة الجامدة بصفات أهمها الغائية باعتبار أن الأنشطة العضوية التي يقوم بها الكائن الحي موجهة نحو تحقيق غاية معينة وهــي تحقيق التوازن العضوي " توازن الكائن الحي" أرسطو الحياة طبيعة لا تفهم إلا عـلى ضوء التفسير الغائي . كما نجد أيضا من بين العوائق صعوبة تصنيف الظاهرة الحية كما هو الشأن في المادة الجامدة ،لأن كل كان حي ينطوي على خصوصيات ينفرد بها دون غيره وبالتالي صعوبة إخضاع الظاهرة الحية لمبدأ الحتمية الذي يمتاز بالمطلقية لهذا فالظاهرة الحية تمتاز بالفجائية الشيء الذي يطرح صعوبة التنبؤ بالظاهرة يقول برغسون " مع الحياة ظهرت الظواهر الفجائية التي لا يمكن التنبؤ بها ."
إضافة إلى ذلك نجد كل عضو وجد من أجل تأدية وظيفة معينة لهذا فالوظيفة سابقة وجودا للعضو ، وتكامل الوظائف يؤدي إلى حفظ التوازن والبقاء وهي غاية داخلية ، أما الخارجية فتتكون من علاقة الكائنات مع بعضها
هذه العوائق التي تمنع تجسيد مبدأ الحتمية فرضت عدم مصداقية التجربة ، لأن هذه الأخيرة تتطلب العزل وهذا ما لا يمكن تحقيقه في المادة الحية لأنه لا يمكننا عزل العضو عن محيطه الأصلي إلى الاصطناعي وإلا تصبح التجربة على المادة الجامدة لا الحية ،فلا يمكننا مثلا استئصال الغدة النخاعية دون أن نأخذ بعين الاعتبار مفعول المخدر والصدمة النفسية
نقد الحجة :
صحيح أن الظاهرة الحية تمتاز بالخصوصية إلا أن التسليم بوجود الغائية في الحياة يبعد البحث عن التفسير العلمي لهذا لا يمكن اعتماد الغائية كأساس للعلم لأن التفسير الغائي أقرب إلى التفسير الغيبي الميتافيزيقي منه إلى التفسير العلمي باعتبار الغائية عائقا أمام البحث العلمي .
التركيب
إن الإيمان الكامل بمبدأ الحتمية في مجال الكائنات الحية لا ينفي وجود نوع من الغائية يتحقق وفقها الانسجام والتضامن بين الأعضاء ، فلقد آمن كلود برنار بالحتمية في علوم الحياة لكنه لم ينكر الغائية حتى قال عنه رافسون " إن نظرية كلود برنار هي نظرية ما يسميه الميتافيزقيون بالعلة الغائية " فالبيولوجيا تعتمد على منهج علمي يخضع لمبدأ الحتمية دون التخلي عن الطبيعة الغائية ، وهنا يقول باسكال " إن الكائن الحي آلة حية من صنع الله ترتبط أفعالها ارتباطا حتميا فكل وظيفة حية تتطلب وظيفة حية أخرى التي تنتهي إلى غاية ما تتمثل في توازن الجسم الحي . " وهذا دليل على أن الغائية لا تنفي الحتمية .

حل المشكلة
يمكن القول في الأخير أو على ما سبق ذكره أن الكائن الحي له طبيعة خاصة وأن علم الحياة يمكن أن يوجد دون أن يكون مضطر لأن يحل هذا المشكل المتمثل في الغاية ، فإذا كان القول بالحتمية لا ينكر القول بالغائية ، فإن التسليم أيضا بوجود الغائية في علم الحياة لا ينفي الحتمية بل يستلزم القول بها ، لأن التسليم بوجود الغائية وحدها لا يكفي بل لابد من التعرف على خصائص التركيب الذي يمكن من تحقيق الغاية ، وهذا يعني أن أي ظاهرة تحدث في الكائن الحي مرتبطة بشروط ، وهذا يثبت أن تطبيق مبدأ الحتمية في البيولوجيا يتطلب نوع من الدقة فقط حتى نتمكن من تفسيرها تفسيرا علميا

---


بالتوفيق و النجاح ان شاء الله
:bigsmile:
 
عودة
أعلى