الأستاذ علي 12
مشرف عام
مادة الفلسفة للسنة للسنة الثالثة ثانوي
مقالة فلسفية للسنة الثالثة ثانوي
شعبة آداب و فلسفة
---
مقالة فلسفية
نص السؤال : إذا افترضنا الأطروحة القائلة :" الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية " أطروحة صحيحة وتقرر لديك إبطالها . فما عساك تفعل ؟
الطريقة : استقصاء بالرفع .
المراحل
تحليل المقالة
مرحلة طرح المشكلة
تصادف الفرد جملة من القضايا التي تدفعه إلى التساؤل والإجابة عنها بهدف تحليلها والوصول إلى تصور دقيق حولها مجسداً في حكم منطقي سليم يتقبله الذهن دون تناقض ، ونتيجة ارتباط الحكم بذات الفرد أصبح للميول والرغبات تأثير في ذلك ، الشيء الذي جعل البعض يعتبر أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، لكن الفرد مدني بطبعه ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الجماعة ، وبالتالي فإن تفكيره من تفكيرهم ، الشيء الذي يجعل الحكم المنطقي غير مرتبط بالحتمية النفسية .
فما الذي يحملنا على ذلك ؟ وكيف لنا تفنيد صحة النظرة التي تعتبر بأن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ؟
مرحلة محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة :
الحكم هو الوحدة الأساسية في المنطق نتيجة تأديته لوظيفة عقلية تخص الذات المفكرة ، فهو عمل من أعمال الفرد الإرادية ، هذه العملية دفعت بالعديد من الفلاسفة منذ القديم إلى عصرنا هذا إلى اعتبار أن الحكم المنطقي وجوده مرتبط بوجود الذات ، وبالتالي فإن بناءه مرتبط بهذه الحتمية الذاتية ، هذا ما جعل زعيم السفسطائيين قديما بروتاغوراس يقول :" إن الإنسان مقياس كل شيء " فما يراه الشخص بأنه حقيقة يكون فعلاً حقيقة صادقة وليس في ذلك خطأ ، لأنه لا يمكن القول بأن الشيء يحمل صفته في ذاته ، وإنما هو قائم في تصوري أنا له أو تصور غيري أيضا ، هذا إن دل فإنما يدل على أنه لا توجد هناك حقيقة مطلقة وإنما حقائق ما دام الفرد حسب السفسطائيين يعتمد على حواسه كمصدر للمعرفة و بالتالي بناء الأحكام ، إضافة إلى ذلك فإن القوانين المنطقية الأساسية التي تنظم أحكامنا ما هي إلاّ تجريدات وتعميمات لتجارب ذاتية ، فقانون عدم التناقض مثلا ناشئ عن التجربة الحسية التي نشعر فيها يوميا بأن الحركة والسكون لا يجتمعان ، وأن أحدهما يرفع الأخر وفي هذا الصدد يقول كوندياك " الحكم جمع بين احساسين في الذهن " . وفي السياق نفسه والمؤكد لارتباط الحكم بالذات نجد الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس لا يعتقد بصحة شيء إلاّ إذا رأى نفعه ونجاحه ، لهذا فإن التفكير هو أولاً وآخرًا ، ودائماً من أجل العمل وتصورنا لأي شيء ندركه بالحس ليس في الواقع إلاّ أداة نحقق بها غاية ما ، وبالتالي فإن مقياس الحكم على الأشياء هو أن تحقق هذه الأخيرة منفعة عملية ، وأن كل فكرة أو بحث لا تحمل في طياتها مشروعاً قابل لإنتاج آثار عملية نفعية تعود على الفرد بالفائدة تعتبر خرافة شأنها شأن الكلام الفارغ ، فحتى الحكم على المعتقد الديني حسب هذه النظرية يعتبر صادقا طالما تترتب عنه آثار ونتائج عملية في حياتنا اليومية ، وفي هذا الصدد يقول وليام جيمس :" إن الفكرة الصادقة هي تلك التي تؤدي بنا إلى النجاح في الحياة " وهذا ما يثبت أن الحكم الصحيح والفكرة الصحيحة هما الناجحان واللذان نجني منهما عمل ، وهنا ينزل الحكم إلى الواقع الحسي ، هذا فضلا عن أن الإنسان في بعض الأحيان يستعمل العاطفة في عملية الحكم والاستدلال حيث تسبق النتائج مقدماتها . والاستدلال بالمماثلة حيث يقس الغائب على الشاهد ، فكم من النظريات الفلسفية التي تفسر الوجود ، وكم هي متضاربة فيما بينها ، وفي مجال العلم نجد غاليلي فسر سرعة سقوط الأجسام عن طريق إقامة علاقة تناسب طردي بينها وبين المسافة التي تقطعها ، وفيما بعد إكتشف هو ذاته أن هذه الفرضية متناقضة ولا بد من الإعراض عنها .
إبطال الأطروحة :
لكن الإقرار بأن الحكم المنطقي في بنائه يخضع إلى حتمية نفسية يدفعنا على طرح السؤال التالي : هل يمكن أن يعيش بمعزل عن غيره ؟ . هذا السؤال المطروح وما يترتب عنه من إجابات وتفسيرات تؤكد بوجود حقيقة واحدة والتي مفادها أن الحكم المنطقي غير مرتبط بالحتمية النفسية ، وإنما هو عملية يكتسبها الفرد داخل الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، وليس في جوهره مسألة فردية ولا نفسية ، ذلك أن تفكير الفرد من تفكير الجماعة ، وحتى ضميره من ضمير الجماعة ، هذا ما أكد عليه دوركايم في قوله :" إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم ." وهذا الإقرار مفاده أن الحكم المنطقي لا يمكن أن يرتبط بالحتمية النفسية ما دام الفرد يتكلم بضمير الجماعة لا بضميره الخاص ، لذا فإن الأحكام التي يتوصل إليها والتي يعبر عنها في قضية منطقية لن يتسنى له بناؤها إلاّ إذا استعمل اللغة التي يتكلم بها المجتمع ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير المعتقدات التي يؤمن بها المجتمع ، وبالتالي فإن مخالفة الفرد لها تترتب عنها نتائج يتحملها الفرد لوحده نتيجة مقاومة ورفض المجتمع لها فغاليلي مثلا قضى فترة زمنية طويلة في إيجاد حل لفكرة أيهما يدور حول الآخر الشمس أم الأرض ،وعندما توصل إلى أن الشمس هي الثابتة والأرض هي التي تدور حولها تعرض لعقاب من المجتمع ، وذلك نتيجة مخالفة الحكم الذي توصله لما كان سائد في المجتمع ، إضافة إلى ذلك نجد أن أفراد المجتمع عند مناقشتهم لمختلف الأمور فيما بينهم ويحكمون على الشيء بالصواب أو الخطأ فلا بد من أن يتفقوا على أوضاع خاصة ومبادئ معينة يأخذون بها وينظمون سلوكهم على أساسها كالإجماع عند المسلمين القائم على عدم معارضة ولو شخص واحد للجماعة وإلاّ بطل الإجماع ، وفي هذا الصدد يقول غوبلو :" إن فكرة الحقيقة لا يمكن أن تفهم ولا أن تفسر إلاّ بالحياة الجماعية ، ومن دونها لا يتعدى الفكر حدود الفرد ، وحينئذ تكون طيبة أو رديئة ، ولكنها لن تكون صائبة ." وعلى أساس هذا التصور يصبح الحكم المنطقي غير مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، بل المجتمع هو مقياس كل شيء لا كما يبدو للفرد ، أو ما يترتب عنه من منفعة فردية ، فالخير والشر من حكم المجتمع والمعتقد الذي يدين ويؤمن به المجتمع ، ومن هذا المنطلق نصل إلى أن مبادئ العقل التي تبدو للبعض من وضع ذهن الفرد هي في حد ذاتها مفروضة عليه من طرف المجتمع ، وعندما كان هذا الأخير غير ثابت بل في تطور مستمر وتغير فإن الحكم يكون حسب المرحلة التي يكون فيها .
وعندما كان المجتمع متغير فلا بد من تغيير الفرد لتصوراته ، هذه العملية أدت إلى تعدد في المذاهب والاتجاهات المتبعة في بناء مختلف الأحكام حول العديد من القضايا التي تصادف الإنسان يوميا ،فقد تكون فلسفية مثارة في قالب فكري فلسفي مرتبط بآراء ميتافيزيقية ، وقد تكون ذات صبغة علمية مرتبطة بمسايرة هذه الأحكام للتطور العلمي مما أدى إلى اختلاف منطق كل حكم ، وبالتالي الخضوع إلى إحدى هذه الحتميات ، لكن الهدف يبقى واحد هو تحديد شروط صحة الإستدلالات التي يقوم بها الفرد . فديكارت مثلا قال :" أن لا أتقبل شيء على أنه كذلك إلاّ إذا بدا لي بالبداهة أنه كذلك ." وهنا تأكيد على أن منطق الحكم عقلي ، لأن البداهة التي يتحدث عنها هنا هي العقل ، وهذا هو أساس المذهب العقلي عند الحكم على الأشياء .
نقد منطق أنصار الأطروحة :
ومنه هذا تصبح النظرة التي ذهب إليها ذوي الحتمية النفسية من أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير هذه الأخيرة كما أكد على ذلك الرواقيون ، والسفسطائيين والبراغمتيين ، باعتبار أن الفرد خاضع إلى ذاته في جميع معارفه وأحكامه ، ما دامت الحواس هي مصدر المعرفة ، والفرد يخضع لمختلف الدوافع الذاتية . ما هي إلاّ نظرة فلسفية غير قابلة للتحقيق في أرض الواقع ، ذلك أن الحكم نشاط ذهني يكون نتيجة عملية استنتاجيه تمكن الفرد من الوصول إلى جوهر الشيء لا ظاهره كما يدعي ذوي الحتمية النفسية ، إضافة إلى ذلك نجد أن الأحكام العلمية تتصف بالموضوعية باعتبار أن هذه الأخيرة الميزة الأساسية للمعرفة العلمية لا الصفة الذاتية التي تجسد من خلالها مختلف الدوافع الذاتية ، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه لا يوجد هناك دليل تجريبي أو علمي يثبت صحة ارتباط الحكم بالحتمية النفسية ، وحتى العقل يؤيد ذلك لأن ارتباط الحكم بالذات جعله متعدد ومتنوع ، وبالتالي لا يمكن التأكد من صحته ، إضافة إلى ذلك فإن العقل لا يقر بوجود شيء يحتمل صفتين مختلفتين كأن يكون موجود وغير موجود ، فكيف لنا أن نقول أن الحكم مرتبط في بنائه بالحتمية النفسية والتي تترتب عنها نتائج متعددة ، والحكم الحقيقي لا بد من أن يكون واحد.
مرحلة حل المشكلة
ومن هذا كله يمكن القول بأن الحكم المنطقي الحقيقي والذي يتصف بسمة الموضوعية والمنطقية لا يمكن له أن يرتبط بالذات ، وبالتالي فإن القول بخضوعه للحتمية النفسية ليس له ما يبرره ، وعليه فلا يمكننا تقبله والتأكيد على صحته ، وإلاّ فإننا سنقع في تناقض وهذا ما لا يتقبله العقل ، فإذا قلت هذا فعل خير فليس لأنه يبدو لي أنا كذلك ، وعليه تصبح النظرة التي تؤكد على أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، نظرة غير قابلة للأخذ بها والإقرار بصحتها .
تحليل المقالة
مرحلة طرح المشكلة
تصادف الفرد جملة من القضايا التي تدفعه إلى التساؤل والإجابة عنها بهدف تحليلها والوصول إلى تصور دقيق حولها مجسداً في حكم منطقي سليم يتقبله الذهن دون تناقض ، ونتيجة ارتباط الحكم بذات الفرد أصبح للميول والرغبات تأثير في ذلك ، الشيء الذي جعل البعض يعتبر أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، لكن الفرد مدني بطبعه ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الجماعة ، وبالتالي فإن تفكيره من تفكيرهم ، الشيء الذي يجعل الحكم المنطقي غير مرتبط بالحتمية النفسية .
فما الذي يحملنا على ذلك ؟ وكيف لنا تفنيد صحة النظرة التي تعتبر بأن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ؟
مرحلة محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة :
الحكم هو الوحدة الأساسية في المنطق نتيجة تأديته لوظيفة عقلية تخص الذات المفكرة ، فهو عمل من أعمال الفرد الإرادية ، هذه العملية دفعت بالعديد من الفلاسفة منذ القديم إلى عصرنا هذا إلى اعتبار أن الحكم المنطقي وجوده مرتبط بوجود الذات ، وبالتالي فإن بناءه مرتبط بهذه الحتمية الذاتية ، هذا ما جعل زعيم السفسطائيين قديما بروتاغوراس يقول :" إن الإنسان مقياس كل شيء " فما يراه الشخص بأنه حقيقة يكون فعلاً حقيقة صادقة وليس في ذلك خطأ ، لأنه لا يمكن القول بأن الشيء يحمل صفته في ذاته ، وإنما هو قائم في تصوري أنا له أو تصور غيري أيضا ، هذا إن دل فإنما يدل على أنه لا توجد هناك حقيقة مطلقة وإنما حقائق ما دام الفرد حسب السفسطائيين يعتمد على حواسه كمصدر للمعرفة و بالتالي بناء الأحكام ، إضافة إلى ذلك فإن القوانين المنطقية الأساسية التي تنظم أحكامنا ما هي إلاّ تجريدات وتعميمات لتجارب ذاتية ، فقانون عدم التناقض مثلا ناشئ عن التجربة الحسية التي نشعر فيها يوميا بأن الحركة والسكون لا يجتمعان ، وأن أحدهما يرفع الأخر وفي هذا الصدد يقول كوندياك " الحكم جمع بين احساسين في الذهن " . وفي السياق نفسه والمؤكد لارتباط الحكم بالذات نجد الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس لا يعتقد بصحة شيء إلاّ إذا رأى نفعه ونجاحه ، لهذا فإن التفكير هو أولاً وآخرًا ، ودائماً من أجل العمل وتصورنا لأي شيء ندركه بالحس ليس في الواقع إلاّ أداة نحقق بها غاية ما ، وبالتالي فإن مقياس الحكم على الأشياء هو أن تحقق هذه الأخيرة منفعة عملية ، وأن كل فكرة أو بحث لا تحمل في طياتها مشروعاً قابل لإنتاج آثار عملية نفعية تعود على الفرد بالفائدة تعتبر خرافة شأنها شأن الكلام الفارغ ، فحتى الحكم على المعتقد الديني حسب هذه النظرية يعتبر صادقا طالما تترتب عنه آثار ونتائج عملية في حياتنا اليومية ، وفي هذا الصدد يقول وليام جيمس :" إن الفكرة الصادقة هي تلك التي تؤدي بنا إلى النجاح في الحياة " وهذا ما يثبت أن الحكم الصحيح والفكرة الصحيحة هما الناجحان واللذان نجني منهما عمل ، وهنا ينزل الحكم إلى الواقع الحسي ، هذا فضلا عن أن الإنسان في بعض الأحيان يستعمل العاطفة في عملية الحكم والاستدلال حيث تسبق النتائج مقدماتها . والاستدلال بالمماثلة حيث يقس الغائب على الشاهد ، فكم من النظريات الفلسفية التي تفسر الوجود ، وكم هي متضاربة فيما بينها ، وفي مجال العلم نجد غاليلي فسر سرعة سقوط الأجسام عن طريق إقامة علاقة تناسب طردي بينها وبين المسافة التي تقطعها ، وفيما بعد إكتشف هو ذاته أن هذه الفرضية متناقضة ولا بد من الإعراض عنها .
إبطال الأطروحة :
لكن الإقرار بأن الحكم المنطقي في بنائه يخضع إلى حتمية نفسية يدفعنا على طرح السؤال التالي : هل يمكن أن يعيش بمعزل عن غيره ؟ . هذا السؤال المطروح وما يترتب عنه من إجابات وتفسيرات تؤكد بوجود حقيقة واحدة والتي مفادها أن الحكم المنطقي غير مرتبط بالحتمية النفسية ، وإنما هو عملية يكتسبها الفرد داخل الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، وليس في جوهره مسألة فردية ولا نفسية ، ذلك أن تفكير الفرد من تفكير الجماعة ، وحتى ضميره من ضمير الجماعة ، هذا ما أكد عليه دوركايم في قوله :" إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم ." وهذا الإقرار مفاده أن الحكم المنطقي لا يمكن أن يرتبط بالحتمية النفسية ما دام الفرد يتكلم بضمير الجماعة لا بضميره الخاص ، لذا فإن الأحكام التي يتوصل إليها والتي يعبر عنها في قضية منطقية لن يتسنى له بناؤها إلاّ إذا استعمل اللغة التي يتكلم بها المجتمع ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير المعتقدات التي يؤمن بها المجتمع ، وبالتالي فإن مخالفة الفرد لها تترتب عنها نتائج يتحملها الفرد لوحده نتيجة مقاومة ورفض المجتمع لها فغاليلي مثلا قضى فترة زمنية طويلة في إيجاد حل لفكرة أيهما يدور حول الآخر الشمس أم الأرض ،وعندما توصل إلى أن الشمس هي الثابتة والأرض هي التي تدور حولها تعرض لعقاب من المجتمع ، وذلك نتيجة مخالفة الحكم الذي توصله لما كان سائد في المجتمع ، إضافة إلى ذلك نجد أن أفراد المجتمع عند مناقشتهم لمختلف الأمور فيما بينهم ويحكمون على الشيء بالصواب أو الخطأ فلا بد من أن يتفقوا على أوضاع خاصة ومبادئ معينة يأخذون بها وينظمون سلوكهم على أساسها كالإجماع عند المسلمين القائم على عدم معارضة ولو شخص واحد للجماعة وإلاّ بطل الإجماع ، وفي هذا الصدد يقول غوبلو :" إن فكرة الحقيقة لا يمكن أن تفهم ولا أن تفسر إلاّ بالحياة الجماعية ، ومن دونها لا يتعدى الفكر حدود الفرد ، وحينئذ تكون طيبة أو رديئة ، ولكنها لن تكون صائبة ." وعلى أساس هذا التصور يصبح الحكم المنطقي غير مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، بل المجتمع هو مقياس كل شيء لا كما يبدو للفرد ، أو ما يترتب عنه من منفعة فردية ، فالخير والشر من حكم المجتمع والمعتقد الذي يدين ويؤمن به المجتمع ، ومن هذا المنطلق نصل إلى أن مبادئ العقل التي تبدو للبعض من وضع ذهن الفرد هي في حد ذاتها مفروضة عليه من طرف المجتمع ، وعندما كان هذا الأخير غير ثابت بل في تطور مستمر وتغير فإن الحكم يكون حسب المرحلة التي يكون فيها .
وعندما كان المجتمع متغير فلا بد من تغيير الفرد لتصوراته ، هذه العملية أدت إلى تعدد في المذاهب والاتجاهات المتبعة في بناء مختلف الأحكام حول العديد من القضايا التي تصادف الإنسان يوميا ،فقد تكون فلسفية مثارة في قالب فكري فلسفي مرتبط بآراء ميتافيزيقية ، وقد تكون ذات صبغة علمية مرتبطة بمسايرة هذه الأحكام للتطور العلمي مما أدى إلى اختلاف منطق كل حكم ، وبالتالي الخضوع إلى إحدى هذه الحتميات ، لكن الهدف يبقى واحد هو تحديد شروط صحة الإستدلالات التي يقوم بها الفرد . فديكارت مثلا قال :" أن لا أتقبل شيء على أنه كذلك إلاّ إذا بدا لي بالبداهة أنه كذلك ." وهنا تأكيد على أن منطق الحكم عقلي ، لأن البداهة التي يتحدث عنها هنا هي العقل ، وهذا هو أساس المذهب العقلي عند الحكم على الأشياء .
نقد منطق أنصار الأطروحة :
ومنه هذا تصبح النظرة التي ذهب إليها ذوي الحتمية النفسية من أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير هذه الأخيرة كما أكد على ذلك الرواقيون ، والسفسطائيين والبراغمتيين ، باعتبار أن الفرد خاضع إلى ذاته في جميع معارفه وأحكامه ، ما دامت الحواس هي مصدر المعرفة ، والفرد يخضع لمختلف الدوافع الذاتية . ما هي إلاّ نظرة فلسفية غير قابلة للتحقيق في أرض الواقع ، ذلك أن الحكم نشاط ذهني يكون نتيجة عملية استنتاجيه تمكن الفرد من الوصول إلى جوهر الشيء لا ظاهره كما يدعي ذوي الحتمية النفسية ، إضافة إلى ذلك نجد أن الأحكام العلمية تتصف بالموضوعية باعتبار أن هذه الأخيرة الميزة الأساسية للمعرفة العلمية لا الصفة الذاتية التي تجسد من خلالها مختلف الدوافع الذاتية ، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه لا يوجد هناك دليل تجريبي أو علمي يثبت صحة ارتباط الحكم بالحتمية النفسية ، وحتى العقل يؤيد ذلك لأن ارتباط الحكم بالذات جعله متعدد ومتنوع ، وبالتالي لا يمكن التأكد من صحته ، إضافة إلى ذلك فإن العقل لا يقر بوجود شيء يحتمل صفتين مختلفتين كأن يكون موجود وغير موجود ، فكيف لنا أن نقول أن الحكم مرتبط في بنائه بالحتمية النفسية والتي تترتب عنها نتائج متعددة ، والحكم الحقيقي لا بد من أن يكون واحد.
مرحلة حل المشكلة
ومن هذا كله يمكن القول بأن الحكم المنطقي الحقيقي والذي يتصف بسمة الموضوعية والمنطقية لا يمكن له أن يرتبط بالذات ، وبالتالي فإن القول بخضوعه للحتمية النفسية ليس له ما يبرره ، وعليه فلا يمكننا تقبله والتأكيد على صحته ، وإلاّ فإننا سنقع في تناقض وهذا ما لا يتقبله العقل ، فإذا قلت هذا فعل خير فليس لأنه يبدو لي أنا كذلك ، وعليه تصبح النظرة التي تؤكد على أن الحكم المنطقي مرتبط بتأثير الحتمية النفسية ، نظرة غير قابلة للأخذ بها والإقرار بصحتها .
إعداد الأستاذ : سمير زاوش
---
بالتوفيق و النجاح ان شاء الله