الأستاذ علي 12
مشرف عام
مادة الفلسفة للسنة للسنة الثالثة ثانوي
--
آداب و فلسفة و جميع الشعب
--
في العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية.
طرح المشكلة: لقد كان وراء ازدهار العلوم التجريبية في المادة الجامدة كالفيزياء والكيمياء هو المنهج التجريبي،من أجل الالتحاق بمركز العلوم وبلوغ مراتبها ،كما كان ذلك هدف المبتدئة كالعلوم الحية والبيولوجية ،بحيث حاولت استثمار خبرات العلوم السالفة وتقليدها في تطبيق المنهج العلمي ،ولكن المشكلة المطروحة هي :إذا لم يتم استخدام هذا المنهج استخداما صارمًا –وهذا احتمال وارد – فهل يرتجي الوصول على نتائج دقيقة ؟وإذا تم تطبيقه بهذه الصورة ،في كل الدراسات بما فيها دراسة الظاهرة البيولوجية ،فماذا يبقي من اعتبار من خصوصية الموضوع المدروس؟
١-كيف نسلم بأن التجربة هي مقياس الأساسي الذي يجعل العلم علمًا؟
أولا:استقلال العلم عن الفلسفة:تم استقلال العلم عن الفلسفة يوم أعرضوا الباحثون عن طرح المسائل الميتافيزيقية والتجرد لدراسة الظواهر التي تقع تحت المشاهدة والإعراض عن منطق الأهواء وتبني المنهج التجريبي ،تبن هذا الاستقلال الانفصال "كوبرنيك" و"كبلر" و"غاليلي" وتجسد أكثر بوضوح بوضع المنهج التجريبي مع "ف-بيكون"
ثانيا:خطوات المنهج التجريبي :يتألف المنهج التجريبي من ثلاثة خطوات أساسية الملاحظة والفرض.
-التجريب:
-الملاحظة:والمقصود بها ليست مجرد شاهدة.وإنما هي الاتصال بعالم الأشياء
عن طريق الحواس وتوجيه الانتباه إلى ظواهر معينة ،كما تعني مشاهدة الظواهر و مراقبتها بالذهن والحواس وهي على ما هي عليه بالذات
-ثم ان الباحث الملاحظ لا يستقبل كل ما يقع في عالم الأشياء استقبالا سلبيا ،ويتم ذلك بواسطة الفكر الذي يساعده على تنظيم عقلي للظواهر.مما في نشأته، أن يوحي بفكرة خيالية نفترضها من أجل تفسير مؤقت للظواهر المبحوثة،التي يصدق العالم إلى كشف القانون الذي يتحكم فيها وما القانون إلا فرضية أثبتت التجربة صحتها.
- والتجربة هي الخطوة الأخيرة في مسار المنهج العلمي ،وتتمثل على مجمل الترتيبات العملية التي يحدها المجرب قصد تقرير ،الفرضيات التي لتبنيها في حالة صدقها أو رفضها في حالة كذبها،أو تهذبيها في حالة تشخيص المجرب خطئها وهي تقوم على عمليتين :- التجربة العملية أو ما يسميه "كلود برنار"بالتجريب –الاستدلال التجريبي أي الحوصلة ،وما يترتب من نتائج من أجل تدوين قانون يفسر الوقائع ويسهل السيطرة عليها لصالح الإنسان.
ثالثا:معني التجربة بمفهومها الأوسع:إذا كانت التجربة هي الخطوة التي تستوعب المراحل السابقة من الملاحظة والفرض من أجل تدوين دستور العلاقات الثابتة بين الظواهر .من أجل التنبؤ بحركات الظواهر وتسخيرها لخدمة الإنسان .بحيث يقول كلود برنار إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نمتلكها لنتطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا ) كما أنه لايمكن أن نعتبر أنها المقياس الفصل في الحكم على مدى التحاق مساعي الأبحاث العلمية بمصف العلوم ،لذلك وجب أن نفهم التجربة بمفهومها الذي قد ينمو ويتهذب مع تنوع ميادين البحث حسب حقوله ،ومن هنا وجب أن نقول أن التجربة في مفهومها العلمي تنمو وتتقو لب مع طبيعة الموضوع ومن أمثلة ذلك ،أن إجراء التجربة يختلف من عالم الفلك على عالم البيولوجيا إلى عالم النفساني ....
٢- إذا كان الأمر كذلك ،فهل العلوم التجريبية تحترم هذا المقياس ؟وهل ما نستخلصه من نتائج يمكن وصفه بالدقة ؟
تتنوع العلوم وتختلف على اختلاف طبيعتها وموضوعها ومقتظيات العمل الميداني في دراستها وكل هذا من شأنه أن يؤثر على مدى تطابق المبدأ المنهجي ومدى مصداقية نتائجه.
أولا أصناف العلوم :يمكن تصنيف العلوم التجريبية والعلوم القريبة منها إلى ثلاثة أنواع :
- علوم المادة الجامدة :وتتناول الفيزياء والكيمياء وعلم الفلك والجيولوجيا....
- علوم المادة الحية : وتتناول البيولوجيا وما تفرع عنها من علم النبات والحيوان والبشر
- العلوم الإنسانية:وتتناول أحوال الناس متفردا وجماعة .أي من حيث أنه يشعر ويفكر وينفعل ويريد وهذه الأخيرة تعاني على غرار سابقتها معانات منهجية على الرغم من تسليمه بأهمية المنهج التجريبي العلمي .
ثانيا:تتشكل التجربة حسب طبيعة الموضوع في الزمرة الواحدة:إن الباحث يدرك فائدة المنهج العلمي كمبدأ فطري للوصول بالمعرفة إلى طابعها العلمي هو الإدراك والفهم الذي يسهل له تطبيق المنهج تطبيق كاملا أو بتكيف خطواته على مقياس الأهداف المرسومة ،وهذا يعني أن المنهج العلمي منهج طيع ولين يساعد على فهم الموضوع فهما موضوعيًا وذلك حسب ما تمليه طبيعة الموضوع المبحوث وهذا من شأنه أن يوسع دائرة وقدرة الاستيعاب لأكبر قدر ممكن من العلوم المختلفة ، بحيث قد يستغني الباحث عن خطوة من خطوات المنهج كالملاحظة مثلا بحيث يستبدلها بغيرها تماشيًا مع طبيعة الموضوع ،فيتعين عليه الاستدلال عندما تكون المشاهدة عصية ،مثلما هو الحال في معرفة مركز الأرض أو رؤية الشمس في مختلف أوقاتها خاصة في الصيف زوالا ،فهنا ينظر إلى الآثار التي تتركها هذه الظواهر وبهذا الشكل يمكن القول بأن مفهوم التجربة وحتى وإن هناك تميز إنما هو تميز نظري أو يكون لأغرض منهجية .
ماهية المشكلة الفلسفية
” إن تناول الفيلسوف لمشكلة ما ، يشبه علاج أحد الأمراض “ فتجنشتين ( 1 )
إن أول صعوبة تواجهنا عندما نبحث في مفهوم ” المشكلة “ هي ما يسمى في المنطق بالإسناد الذاتي ، فمفهوم المشكلة هو ذاته مشكلة ، والحال هنا أشبه بالصعوبة الحاصلة عن تناول مفهوم ” الوجود “ !! يشير المعنى العام لكلمة ” مشكلة “ إلى وجود صعوبة ما بإزاء ” موضوع “ معين ، وقد تكون هذه الصعوبة غموض في المعنى ، أو تعذر للحل ، أو حتى تعدد للحلول وبالتالي صعوبة الاختيار من بينها . ولذلك فقد تكون المشكلة نظرية أو عملية ، أو ربما مزيج بينهما ! وإذا كان الأمر كذلك ، فهذا يعنى أن لكل مجال من مجالات الحياة الدينية منها أو العلمية أو حتى الحياة اليومية للأفراد مشكلاته الخاصة به ، وهذا أمر طبيعي ، طالما أن في الإنسان من النقص في القدرات الذهنية أو الجسمانية ما يحيل بينه وبين معرفة ” كل شيء “ .
” شَكَلَ الأمر يشكُل شَكلاً [ أي ] التبس [ الأمر ] … والعامة تقول شَكَل فلان المسئلة أي علّقها بما يمنع نفوذها “ ( 2 ) وعند التهانوي : ” المشكل اسم فاعل من الإشكال وهو الداخل في أشكاله وأمثاله ، وعند الأصوليين اسم للفظ يشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله على وجه لا يعرف المراد منه إلاّ بدليل يتميز به من بين سائر الأشكال … [ و ] المشكل ملا ينال المراد منه إلا بالتأمل بعد الطلب … “ ( 3 ) ، كما أننا نجد عند الجرجاني ، بالإضافة إلى المعنى المذكور عند التهانوي حول المشكل ، نجد مفهوم المسائل ، وهي عنده : ” المطالب التي يبرهن عليها في العلم ويكون الغرض من ذلك معرفتها “ ( 4 ) .
أما المشكلة ( Problem (E.) ; Problème (F.) ; Problema (L.) ) كما نجدها في المعاجم الفلسفية فهي : ” المعضلة النظرية أو العملية التي لا يتوصل فيها إلى حل يقيني . “ ( 5 ) والمعضلة ( Dilemma ) تعني حالة لا نستطيع فيها تقديم شيء ، وهي تفيد معنى التأرجح بين موقفين بحيث يصعب ترجيح أحدهما على الآخر . والمشكلة تختلف عن المسالة في كون الأولى نتيجة عملية تجريد من شأنها أن تجعل ” المسالة “ موضوع بحث ومناقشة ، وتستدعي الفصل فيها . وقد أكد أرسطو هذه التفرقة في كتاب ” الطوبيقا “ ( المقالة الأولى ) حين وضع ” المشكلة الجدلية “ في مقابل ” القول الديالكتيكي “ ، فقال إن المشكلة الجدلية ” هي مسألة موضوعة للبحث ، تتعلق إما بالفعل أو بالترك ، أو تتعلق فقط بمعرفة الحقيقة إما لذاتها أو من أجل تأييد قول آخر من نفس النوع ، لا يوجد رأي معين حوله ، أو حوله خلاف بين العلة والخاصة ، أو بين كل واحد من هذين فيما بين بعضهم وبعض “ ( 6 ) ويذكر الدكتور عبد الرحمان البدوي بأن المنطق التقليدي ( الأرسطي ) لم يعالج موضوع ” المشكلة “ إلا نادرا ، وذلك يرجع إلى كون ” المشكلة “ بوصفها من موضوعات ” الطوبيقا “ ( الجدل ) تنتسب إلى منطق الاحتمال لا إلى منطق اليقين ، فهي تدخل في موضوع إفحام الخصم ، وبالتالي فهي أقرب إلى الخطابة منها إلى المنطق . ( 7 )
تختلف ” المشكلة “ كذلك عن ” الإشكالية “ Problematic ، حيث أن ” الإشكالية “ تعني الاحتمال والحكم الاحتمالي يدرس في موضوع أحكام الموجهات Judgements of modality وهي أحكام تتميز بأنها تكون مصحوبة بالشعور بمجرد إمكان الحكم ، بينما الحكم التقريري يكون مصحوبا بالشعور بواقعة الحكم . والإشكال عند كنت مرادف للإمكان ، وهي مقولة من مقولات الجهة ، ويقابله الوجود والضرورة ، والأحكام الإشكالية عنده هي الأحكام التي يكون الإيجاب أو السلب فيها ممكنا لا غير ، وتصديق العقل بها يكون مبنيا على التحكم ، أي مقررا دون دليل . وهي مقابلة للأحكام الخبرية ( 8 ). ويذكر لالاند في موسوعته الفلسفية بأن الإشكالية problematique ( ويترجمها مترجم الكتاب بـ : مسألية ) هي : ” سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة ( = ربما تكون حقيقية ) لكن الذي يتحدث لا يؤكدها صراحة . “ ( 9 )
تتعلق ” المشكلة “ بصورة عامة بالصعوبات المرتبطة بموضوع ما ، فإن كانت الصعوبات تتصل بالجزئيات ، كانت مشكلة علمية ( أو دينية ، فنية ، حياتية … الخ ) ، أما إذا كانت الصعوبات تتصل بالمبادئ ، الأصول ، الأسس ، الكليات … الخ فإن ذلك يعني أنها مشكلة فلسفية على وجه التحديد . ومن هنا يمكن القول بأن ” أَمَـارَة “ المشكلة الفلسفية هي أن تتعلق بالمبادئ الكلية . ولذلك فإن أوّل ” مشكلة فلسفية “ ظهرت في تاريخ الفلسفة هي مشكلة ” أصل الوجود “ والتي طرحها طاليس ( حوالي 630 – 570 ق.م ) حين ” تسائل “ عن أصل الكون ؟!!
يرتبط مفهوم المشكلة بمفهوم السؤال أشد ارتباط ، فوراء كل مشكلة سؤال ، مع أنه ليس بالضرورة أن يكون وراء كل سؤال مشكلة بالمعنى الفلسفي !! وأول من تعرض لمفهوم السؤال وجعل منه قضية فلسفية في كتاباته المنطقية هو أرسطو ؛ ففي كتاب المسائل Topica يقول : ” والمسئلة [ أي المشكلة problem ] إنما تخالف المقدمة [ القضية proposition ] بالجهة . “ ( 10 ) على اعتبار أن الفرق بينهما هو فرق في تحوّل صيغة العبارة ، فإذا وضعت العبارة على هذا النحو : ” أليس الحي جنسا للإنسان ؟ “( 10 ) كانت مقدمة أو قضية. أما إذا قيل : ” هل قولنا ”الحي” جنس للإنسان أم لا ؟ “ ( 10 ) فإن العبارة تكون مسئلة ، أي مشكلة . كما يضيف أرسطو بعد ذلك تمييزا آخر بين ” المقدمة المنطقية “ وبين ” المسئلة المنطقية “ بأن يقول : ” والمقدمة المنطقية هي مسئلة ذائعة إما عند جميع الناس ، أو عند أكثرهم ، أو عند جماعة الفلاسفة … وجميع الآراء أيضا الموجودة في الصناعات المستخرجة قد تكون مقدمات منطقية … ” ( 11 ) أما المسئلة المنطقية فهي ” طلب معنى ينتفع به في الإيثار للشيء والهرب منه ، أو في الحق والمعرفة - … مثال ذلك قولنا هل اللذة مؤثرة أم لا . “ ( 12 ) ” والوضع هو رأي مبدَع لبعض المشهورين بالفلسفة … فالوضع أيضا مسئلة ، وليس كل مسئلة وضعا ، لأن بعض المسائل يجري مجرى ما لا يعتقد فيها أن الأمر فيها كذا أو كذا … ” ( 13 ) . وللسؤال أهمية خاصة في الفلسفة ، فهو المدخل الأساسي إلى الحكمة ، إلى الفلسفة . والسؤال هو الذي يشكل المشكلة ؛ فالمشكلة في نهاية الأمر سؤال يبحث عن إجابة . وقد حظي مفهوم ” السؤال “ بأهمية خاصة في الفلسفة الوجودية ، وبوجه خاص لدى هيدجر الذي ذهب إلى تأويله على أنه سؤال عن الكينونة Seinsfrage أو سؤال عن معنى الكينونة Sinn von Sein يعود إلى ماهية الوجود الإنساني ( 13 ).
يحدد ديكارت ثلاثة شروط لأهلية ” السؤال “ كتمهيد للمعرفة وهي :
وفي السؤال يتحدد أيضا الفرق بين العلم والفلسفة ، فالعلم يطرح السؤال حول ما هو جزئي في الظاهرة التي يبحثها ، ولا يبتعد بالمسالة وحلها إلى ” الشمول الكلي “ ، كما هو الحال في الفلسفة ، وإنما يظل مقيدا بحدود المسألة كما يجري طرحها ضمن نطاقه الخاص . ” إن المشكلة بمثابة ” سؤال “ تأزم وتعذر الوصول إلى حل متفق عليه ، فإذا كان هذا التأزم على المستوى النظري فيسمى ” مشكلة “ ، وإذا تعلق بأمور الحياة الإنسانية فيسمى ” إشكالية ” ، وغالبا ما يتعذر الوصول إلى حل للإشكالية . “ ( 14 )
يصاغ السؤال في اللغة العربية من جملة خبرية أو إنشائية بإضافة أداة استفهام إلى أولها : ” سقراط معلم أفلاطون .” ، ” هل سقراط معلم أفلاطون ؟ ” ؛ ومن أدوات السؤال : هل ، لماذا ، كيف ، لم ، لمن ، ماذا ، متى ، من أين ، إلى أين … أما في اللغات الأجنبية ( الهندو – أوربية ) فيصاغ السؤال عادة من خلال عكس الجملة فيأتي الفعل أو الفعل المساعد في أول الجملة .
قد يبدو بأن بين السؤال والجواب علاقة تضايف ، فبما أن لكل جواب سؤال ، فيظن بأن لكل سؤال جواب ، ولكن الواقع غير ذلك !!! وهذا يقودنا إلى مسالة الأسبقية المنطقية بين السؤال والجواب ، ففي حين تبدأ الفلسفة بوصفها نسق شامل بالجواب ، إلا أن النشاط الفلسفي ذاته قد يبدأ بالسؤال أولاً . وقد اعتبر هيدجر السؤال نقطة البداية الحقة في الفلسفة . والسؤال الفلسفي كان دائما يتميز عن باقي أنواع الأسئلة بكونه أعم وأشمل ، شأنه بذلك شأن الفلسفة ذاتها واختلافها عن باقي الفروع العلمية الخاصة ( 15 ).
كل ” سؤال “ لا بد وأن يصاغ بلغة سليمة ، واللغة السليمة ترتبط بالتفكير السليم ، وبالتالي ، ثمة علاقة بين المشكلة ( كونها سؤال متأزم ) وبين التفكير . يقول هيدجر : ” إننا لا نستطيع أن نفكر إلا حينما نحب ما يكون في ذاته " الشيء الذي هو محط عناية " وحتى نصل إلى هذا الفكر يجب علينا من جانبنا أن نتعلم التفكير … سندعو ما هو في ذاته " الشيء الذي يعنى به " بـ : ” بؤرة التوتر “ . كل ما هو متوتر يسمح بالتفكير . “ ( 16 ) يقودنا هذا إلى مسألة ” الأهمية “ في السؤال ، وبالتالي أهمية المشكلة . ولكن من الذي يحدد تلك الأهمية ؟ هل هو الإنسان ؟ فهل هناك اليوم من شيء غير مهم للإنسان ؟!! يقول هيدجر : ” أن نهتم ، معناه أن نكون مع الأشياء وبينها ، أن نقيم في قلب الشيء ونمكث هناك من غير كلل … و ” مهم “ تعني : ما يسمح للموضوع الذي هو محل سؤال أن يصير بعد ذلك ، ومن جديد ، غير ذي أهمية فيعوض بموضوع آخر يعنينا أمره أكثر قليلا من السابق . “ ( 17 ) ولكن هل يمكن أن يقوم التفكير بدون أن تسبقه مشكلة ما تتحدى عقل الفرد وتحرك مشاعره وتحفزه ؟ !! يقول جون ديوي : ” لا ينشأ التفكير إلا إذا وجدت مشكلة “ .
” الحاجة إلى حل مشكلة ما هي العامل المرشد دائما في عملية التفكير “ جون ديوي وراء كل مشكلة ، رغبة في الوصول إلى الحل ، وحل المشكلات ما هو إلا محاولة وضع وتنظيم للمفاهيم لكي تصل إلى الحل المناسب . والوصول إلى الحل يرتبط بشكل أساسي بنمط التفكير المتبع والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص . فمشكلة فيضان النيل على سبيل المثال تم حلها من قبل قدماء المصريون من خلال إلقاء عروس النيل بهدف إرضاء الآلهة ، في حين عالج المصريين حديثا ذات المشكلة بتفكير علمي من خلال بناء السدود …
ثمة أمر آخر يتعلق ” بالحل “ ، وهو السلطة التي يستند عليها ؛ فما هو مصدر الحلول ؟ هل هو روح الأجداد ، أم الآلهة ، أم العقل الإنساني ؟!! واضح أن هناك علاقة بين مصدر الحل و سلطته من جهة ، وبين نوع التفكير المتبع من جهة أخرى . ونحن لا نتوقع من شخص يؤمن بأرواح أجداده وهيمنتها بأن يضع حلولا علمية للمشكلات التي تواجهه !!
تبدأ الفلسفة عندما ” نقول “ شيئا ما ، وتبدأ المشكلة الفلسفية عندما نؤكد ذلك ” القول “ . ( من وحي فلسفة كنت )
لكل مجال أو فرع من فروع المعرفة مشكلاته الخاصة ، ولكل مشكلة أسبابها المتعلقة بها أيضا ، أما فيما يتعلق بالمشكلات الفلسفية ، فقد حدد ديكارت أربعة أسباب رئيسية يرى أن المشكلات الفلسفية قد تنشأ بسببها وهي :
وتقودنا النقطة الرابعة بالتحديد إلى مسألة هامة ظهرت في منتصف هذا القرن مع حركة الوضعية المنطقية ، وهي مسألة إنكار ورفض معظم المشكلات الفلسفية ، بل وكل مشكلات الميتافيزيقا ، بحجة أنها لغو فارغ من المعنى .
انطلق أصحاب الوضعية المنطقية في رفضهم لمعظم المشكلات الفلسفية بحجة أنها لغو فارغ من المعنى من معيار التحقق Verification والذي وضعه كارنب في كتابه المشكلات الزائفة عام 1966 ، وخلاصة هذا المبدأ أن كل عبارة لا نستطيع أن ” نتحقق “ منها تجريبيا ، أي أن يكون لها مقابل في الواقع ، هي عبارة فارغة من المعنى ، ولذلك تم إنكار كل قضايا الميتافيزيقا على اعتبار أنه لا يمكن التحقق من عباراتها تجريبيا . كما أرجع فتجنشتين في كتابه ” بحوث فلسفية “ معظم المشكلات الفلسفية إلى ” سوء استخدام اللغة “ ، وهو يقول في ذلك : ” إن المشكلات التي تنشأ نتيجة لسوء تفسير صورنا الخاصة باللغة ، تتصف بأنها ذات عمق . إنها اضطرابات عميقة ، جذورها ضاربة في أعماقنا بعمق صور لغتنا ، ودلالتها كبيرة بنفس قدر أهمية لغتنا . “ ( 19 ) ولما كانت المشكلات الفلسفية في نظر فتجنشتين هي مشكلات ” زائفـة “ ، فهي إذن لابد وأن تزول تماما ، طالما أن الهدف الذي نطمح إليه في الفلسفة هو الوضوح الكامل . والوضوح الكامل لا يتأتى إلا بلغة سليمة ، خالية من العيوب والأخطاء المنطقية ، ومنها التحدث عن أشياء لا يمكن التحقق منها تجريبيا . ولذلك قال فتجنشتين مقولته المشهورة : ” إن كل ما يمكن التفكير فيه على الإطلاق ، يمكن التفكير فيه بوضوح ، وكل ما يمكن أن يقال ، يمكن قوله بوضوح . “ ( 20 )
إن مشكلة القضايا أو ” المشكلات الفلسفية “ الزائفة التي أظهر فتجنشتين مفارقاتها الممكنة في المرحلتين المبكرة والمتأخرة من فلسفته ، وكذلك الحال مع كارنب وبقية المناطقة الوضعيين ، إنما ترتبط أساسا ” بمشكلة “ المعنى والصدق ، أو مشكلة الحقيقة في العلم والميتافيزيقا( 21 ) . ولذلك ستبقى هذه المشكلات الفلسفية ما بقيت الفلسفة ذاتها بوصفها ” مشكلة فلسفية “ !!!
تنطوي ” المشكلة “ على بناء وتركيب ، أي أنها ينبغي أن توضع في سياق من التصورات التي تختلف عن” المشكلة “ ذاتها. فقد تثار الأسئلة حول أي شيء دون سياق توضع فيه ، أما المشكلة فيجب أن تبنى وتركب في سياق ، لأنها نتاج تركيب فكري ، إنها تنبع عن ارتباط موضوع يعد – ولو مؤقتا – إطارا لإمكان الحل . وبهذا المعنى يمكن أن يقال إن وضع المشكلة يؤذن بحلها . ومن هنا كذلك يمكن أن يقال عن مشكلة ما أنها أسيء وضعها ، أي أن وضعها على ذلك النحو لا يؤدي إلى حلها .
إن المشكلة الفلسفية سؤال لم يجد حلا مقبولا لدى الجميع ، فهي سؤال حي لا يزال يوضع ، إنها إذن مفعمة بالحياة . إن المشكلة هي ” بؤرة التوتر “ التي تؤرق الإنسان ، وتحثه على إيجاد الحل ، مع أنها ذاتها ، أي ” المشكلة “ ليس لها حل !! و ” البؤرة الأكثر توترا تتجلى في كوننا لا نفكر بعد . دائما ليس بعد ، رغم أن حالة العالم تدعونا باستمرار إلى التفكير وتسمح به . “ هيدجر I. مقدمــة II. ” المشكلة “ .. مدخل لغـوي III. مـا هـي المشكلـة الفلسفيـة ؟ IV. سمات المشكلة الفلسفية وخصائصها 1. إن أول سمة تميز المشكلة الفلسفية عن غيرها من المشكلات هي أنها تتعلق بالمبادئ أو الأصول الكلية . فالسؤال عن الكل ، المبدأ ، الأصل ، والأساس … هو الذي يضع الحد الفاصل بين كون هذا السؤال يعبر عن مشكلة فلسفية أم مشكلة علمية . 2. تتميز ” المشكلة الفلسفية “ كذلك بأنها على درجة عالية من التجريد والبحث النظري . ولذلك ترتبط بمن يثيرها ، ولذلك فالمشكلة الفلسفية نسبية ، أي تتحدد بالنسبة لمن يطرح السؤال ، وتعتمد على مدى قبول أو رفض الآخرين لهذا السؤال . 3. يعد السؤال عن ” الماهية “ من سمات المشكلة الفلسفة أيضا ، وهذه مسألة هامة في نظرية المعرفة على وجه الخصوص . 4. ترتبط المشكلة الفلسفية بـ ” القول “ وليس بالأشياء ذاتها . V. العلاقة بين ” المشكلة “ و ” السؤال “ 1 - ينبغي أن يكون في كل سؤال شيء غير معروف . 2 - أن يكون هذا المجهول معروفا على نحو معين أو إلى حد معين . 3 - أن هذا المجهول لا يمكنه أن يصبح معروفا إلا بواسطة ما هو معروف . IV. علاقة السؤال بالجواب VII. العلاقة بين السؤال والتفكير VIII. المشكلة .. والحل IX. الأسباب المؤدية لظهور المشكلة 1 - الأحكام المبتسرة التي اتخذناها في مقتبل عمرنا . 2 - أننا لا نستطيع نسيان هذه الأحكام المبتسرة . 3 - أن ذهننا يعتريه التعب من إطالة الانتباه إلى جميع الأشياء التي نحكم عليها . 4 - أننا نربط أفكارنا بألفاظ لا نعبر عنها تعبيرا دقيقا ( 18 ). X. المشكلات الزائفة في الفلسفة XI
بالتوفيق و النجاح ان شاء الله