الحلال والحرام في الإسلام | منتديات الدراسة الجزائرية

الحلال والحرام في الإسلام

خطبة عن الحلال والحرام للشيخ محمد نبيه بمسجد العطار يوضح فيها تعريف الحلال والحرام ويبين قواعد الحلال والحرام في الإسلام.

مقدمة عن الحلال والحرام
قال تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). (سورة الأنعام: الآية 153)
هذا الصراط المستقيم هو منهج المسلم، وطريقه الذي يسير فيه، وفقاً لأمر الله (افعل) و(لا تفعل)؛ لأن (افعل) يعني المسلك “الحلال”، الذي من سلكه فاز ونجا، و(لا تفعل) هو المسلك “الحرام”، الذي من سلكه ضل وهلك.
ويبقى بين الخطين المستقيمين: افعل ولا تفعل، منطقة متداخلة، هي الأمور (المشتبهات)، التي يُقارب حلالها حرامها، وعلى المسلم أن يحذر منها، ويحتاط لنفسه.
لذلك ورد أن من يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، فقد استبرأ لدينه أي حقق لدينه الكمال والبراءة من النقصان.
ما هو تعريف الحلال لغة وشرعا؟
تعريف الحلال لغة هو: الفعل (حَلَّ) متشعب المعاني، ومنه حَلَّ الشيء يَحِلُ حِلاً: أُبيح وجاز. وأحلّ الله الشيء وحَلَّلَه: أباحه، ومنه قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). (سورة البقرة: 275)
واللفظ (حِلّ) بالكسر أي الحلال، وهو ضد الحرام، وأحل له الشيء جعله حلالاً له. واستحل الشيء عدّه حلالاً.
أما تعريف الحلال شرعاً هو: الفعل الحسن الذي يُثاب فاعله ويفوز بمرضاة الله وهو المباح الذي انحلت عنده عقدة الحظر، وأذن الله في فعله.
ما هو تعريف الحرام لغة وشرعا؟
تعريف الحرام لغة هو: حَرُمَ الشيء حُرْمَةً: صار ممنوعاً. وحَرُم عليه الشيء حُرْمَاً وحراماً: فهو غير مباح. وحَرَّم الله الشيء تحريماً، جعله محظوراً.
أما تعريف الحرام شرعاً هو: هو الأمر الذي نهى الله عن فعله، نهياً جازماً، بحيث يتعرض من خالف النهي لعقوبة في الآخرة، وقد يتعرض لعقوبة شرعية في الدنيا أيضاً.
وقد ورد في السنة النبوية الشريفة: (الْحلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ). (سنن ابن ماجه:3358)
وتشمل هذه الإباحة في الأصل، ليس فقط الأشياء التي ينتفع بها الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه، بل تتعدى ذلك إلى الأفعال والتصرفات.
سوى تلك التي من أمور العبادة وهي ما يسمى (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم، إلا ما حرمه الله، مثل الربا، أو بعض أنواع الأنكحة في الجاهلية.
يقول الله تعالى في نص واضح وصريح على هذا المعنى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم). (سورة الأنعام:119)
الأعمال منها :
  • عبادات وهي ما يتصل بما أوجبه الله وما أحبه، يثبت أمرها بالشرع.
  • ومنها عادات وهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
ما هي قواعد الحلال والحرام في الإسلام؟
الأصل في الأشياء الإباحة
يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا). (سورة البقرة:29)
ويقول الله عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). (سورة الجاثية:13)
ولقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ). (سورة لقمان:20)
أيّ قضية سكت عنها الدين قضية مباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح.
إذاً النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها.
لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية؛ إن كنت ناقلاً فالصحة، إن كنت مدعياً فالدليل.
لا يقبل شيئاً محرماً إلا بالدليل القطعي، طالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة.
أما أن تعتمد نصاً ضعيفاً، أو موضوعاً، أو أن تعتمد مدلولاً ظنياً، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراماً.
بالمناسبة أي إنسان مهما كان علمه محدوداً بإمكانه أن يقول لك: هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حرام وهذا الدليل.
واعلموا، هذا الشرع من عند الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثماً كبيراً لأنه جعل من نفسه مشرعا أشرك نفسه فيما لله.
والله يقول : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ). (سورة النحل:116)
وهذا من أكبر المعاصي على الإطلاق.
واعلموا أن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله بها، و أشياء نهانا الله عنها، وأشياء كثيرة جداً سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات.
لذلك يمكن أن نقول: هناك أمر واجب، فرض، واجب مستحب أو مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام.
فيجب أن يعقل عقل المؤمن دائماً، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً تحريماً، حرام.
التحليل والتحريم من حق الله وحده
اعلموا أن دائرة المباحات كبيرة جداً، وأن دائرة المحرمات صغيرة جداً، أي لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر.
عن أبي الدرداء: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)). (المستدرك على الصحيحين:3/127)
وعن أبى ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائِضَ فلا تُضَيِّعوها، وحَدَّ حُدودًا فلا تَعْتَدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تَنْتَهكوها، وسَكَتَ عن أشياءَ رَحْمةً لكم غيرَ نِسيانٍ، فلا تَبْحَثوا عنها). (تخريج رياض الصالحين:1832)
فالإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات، تشمل الأفعال والعادات والتقاليد ما لم يأت نص في تحريمها.
أصل العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). (سورة الشورى:21)
ويقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا). (سورة يونس:59)
أصل الحلال والحرام في العبادات أن الله شرعها ابتداء، بينما أصل المعاملات أن الناس ابتدؤها، لكن الشرع صححها، أو أقرها، أو عدلها، أو بدلها.
قال بعض الصحابة الكرام – سيدنا جابر بن عبد الله – في الحديث الصحيح قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). (صحيح مسلم:1440)
هذه قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح في تحريمها.
لا يستطيع إنسان كائناً من كان ولو كان نبيا أن يحرم من عنده أو أن يحلل، قال تعالى: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). (سورة الأنعام:50)
قال بعضهم ثلاث نصائح تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.
أول كلمة في الخلافة التي ألقاها الخليفة الصديق عليه رضوان الله قال: إنما أنا متبع ولست بمبتدع.
الله جلّ جلاله في القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب أنهم جعلوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
فالتحليل والتحريم من حق الله وحده، الأنبياء يبلغون، والعلماء يبينون، والمشرع هو الله، هذه قواعد خطيرة وأساسية في علوم الدين.
جاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اتبع النصرانية قبل الإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية.
الحقيقة أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار، كلمة كبيرة جداً أن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعاً إلا إذا كان هناك دليل يقيني كالشمس تقول له: هذا حلال أو هذا حرام.
لذلك ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي.
 
عودة
أعلى