خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يبين فيها فضل العشر الأوائل من ذي الحجة وما هي أفضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام.
# الخطبة الأولى #
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (سورة آل عمران:102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً غڑ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ غڑ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (سورة النساء:1)
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ غ– وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ). (سورة الأنعام:134)
# طريق السعادة #
عباد الله، تأتي الأيام مسرعة وتمضي مسرعة، وفي النهاية لقاء الله تبارك وتعالى.
دنيانا التي نتكالب عليها قصيرة الأمد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركَها). (صحيح الترغيب 3282)
إذا ضرب الإنسان منا تعب أو رهق ينزل للقيلولة، فكم يقيل؟
يقيل ساعة، هكذا عمر الدنيا التي يتكالب عليها الخلق.
والإنسان السعيد هو الذي ينتهز الفرص، ينتهز فرصة وجوده في الحياة القصيرة ليسعد في حياة لا نهاية لها.
قال الله تعالى: (وَمَا هَظ°ذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ غڑ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ غڑ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). (سورة العنكبوت:64)
ومن السعادة أن ترزق الفهم الصحيح، لأن الفهم الصحيح إرادة خير من رب العالمين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ). (صحيح البخاري 71)
فإرادة الخير سعادة، ومن ثم الفهم الصحيح طريق السعادة.
ومن الفهم الصحيح أن تعلم أن هذا اليوم أشرف أيام الدنيا.
وقد ورد في السنة النبوية عن أوس بن أبي أوس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ).
قالَ: قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ – يقولونَ بليتَ – فقالَ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ). (صحيح أبي داود 1047)
وهذا اليوم يوم الجمعة زاد في الفضل لأنه في شهر حرام.
كذلك زاد في الفضل لأنه أول الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه.
قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَظ°لِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)).
فهذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في نسك قريب.
وأن يختم لنا جميعاً بخير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
# فضل العشر من ذي الحجة #
العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.
يمتاز رمضان في فضل لياليه، ويمتاز شهر ذي الحجة في فضل نهاره وأيامه.
وهذه الأيام العشر قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ خرَج بنفسِه ومالِه ثمَّ لم يرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ). (صحيح ابن حبان 324)
# أعمال العشر من ذي الحجة #
الأعمال الصالحة في هذه العشر كثيرة مثل الصيام والصلاة والصدقات وسائر الصالحات، وما توفق إليه هو أفضل عمل.
إن كنت موفقاً للصيام فصم، وإن وفقت للصدقات فتصدق، وإن وفقت لقول الخير فانطق به.
ما توفق إليه من صالحات هو أفضل الأعمال فاشتغل فيه وأتقنه.
لذلك قال تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ غڑ وَمَن يَفْعَلْ ذَظ°لِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). (سورة النساء:114)
## الصلاة ##
إذا وفقت للصلاة فصلي ما استطعت إلى الصلاة سبيلا.
وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاةُ خيرٌ موضوعٍ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَسْتكْثِرَ فلْيستكْثِرْ). (الجامع الصغير 5163)
عندك في طول النهار وعرضه ركعات مؤكدات قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ). (صحيح مسلم 728)
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
من داوم على هذه الركعات في اليوم الواحد يبنى له بها بيت في الجنة.
كذلك عندك في أول النهار ركعتي الشروق ورد فيها عن أنس بن مالك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ). قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ). (صحيح الترمذي 586)
وعندك أربع ركعات كذلك في أول النهار كان يصليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيها: (قال اللهُ تعالى: يابنَ آدمَ! لا تعجِزْ عنْ أربعِ ركعاتٍ في أولِ النهارِ، أكفِكَ آخرَهُ). (صحيح الجامع 4342)
يعني من ركع في أول النهار أربع ركعات كفاه الله تعالى شر يومه.
كذلك هناك أربع ركعات قبل العصر قال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ غفرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ مغفرةً عَزَمًا). (عمدة القاري 7/341)
أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
فأربع ركعات قبل العصر سبيل إلى رحمة الله، وعندك صل ما شئت بليلك، إن وفقت إلى الصلاة فهي خير عمل.
## الصدقات ##
ومن وفق إلى الصدقات فهي خير عمل، وما أحوجنا إلى الصدقات في هذه الأيام، حيث الستر على المسلمين، حيث كفاية المعوزين والمحتاجين، حيث تفريج الكرب وفك الأسر والخلاص.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه). (صحيح ابن حبان 534)
هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى ثياب للعيد، هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى كفايتها.
فإن وفقت في الصدقات فأتقنها واشتغل، واعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (سورة محمد:35)، (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ). (سورة النحل:96)
السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أتاها الفقير وضعت الصدقة في يدها وقالت له: خذها.
لماذا كل هذا؟
حتى تكون يد الفقير هي العليا، وفي هذا إعزاز للفقير.
لكننا عكسنا الأحوال، إن أعطينا الفقير نعطيه لنذله، وفي القريب العاجل نمن عليه بما أعطيناه.
والمن بالصدقة يبطلها، كما قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى). (سورة البقرة:264)
فأي من بالصدقة، أي من بموقف من المواقف يحبط أجره ويعيد صاحبه صفراً.
لذلك من وفق إلى الصدقات فليتصدق وليعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع على صاحبه أبداً.
بل إن الله تعالى ينمي الصدقة لصاحبها، يكبرها حتى تكون يوم يوافيه كجبل أحد في ميزان صاحبها.
## قول الخير ##
ومن وفق إلى قول المعروف والخير فليصدح به، فقول المعروف من الصدقات.
ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ) قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ). قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ قالَ: بالمَعروفِ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فإنَّه له صَدَقَةٌ). (صحيح البخاري 6022)
إذا وفقت إلى قول الخير فاصدح به، وإذا لم توفق إلى قول الخير فلا تقل الشر ولا تركن إلى أهله.
واعلم باركك الله أن بيوتاً كثيرة معرضة للخراب، لماذا؟
لغشم في التعامل، لغشم في العشرة، لغشم في التصرف.
هناك نساء كثر غضبى إن كانت في بيت أبيها أو إن كانت في بيت أخيها أو إن أخذت مكاناً واستقلت به.
لا تريد أن تعامل البشر، من ماذا؟
لخديعة وقعت فيها في الزواج، خدعها بطيب حاله بحسن مظهره فلما أضيفت إليه كزوجة رأت حقيقة أمره.
فعلمت أنها وقعت في خداع، غضبت أعادها أبوها، غضبت أعادها أبوها.
سئمت من الحال بين أبيها وزوجها تركت الدنيا ومشت في شوارع الناس تدور على البيوت، لماذا؟
لإذلال وقهر وقعت فيه.
ما هذا؟
## الإصلاح بين الناس ##
لذلك الله تعالى ما غفل الحال أبداً ولذا أوصى بالإصلاح بين الناس.
الإصلاح بين الناس ما أحوجنا إليه، بيوت معطلة، أطفال مشردة، من ماذا؟
من سوء العشرة في البيوت.
لذلك من كانت امرأته غضبى فليسعى في اصلاحها، ومن كانت ابنته غضبى فليسعى في ارجاعها.
هكذا ما ينبغي أن يكون قبل مجيء العيد.
وإلا كيف يكون العيد عيداً!؟
كيف يكون العيد عيداً وحالنا هكذا؟
الجار مع الجار، الزوج مع الزوجة، بيوت تهتكت وخربت بأسباب حقيرة.
من لا شيء تصنع أزمة، من لا شيء يغضب الإنسان، من لا شيء والعياذ بالله يكفر الإنسان.
لذلك أول يوم من أيام ذي الحجة ما ينبغي أن نتركه هكذا.
بل العاقل من ينتهز الفرص حتى إذا وافته المنية وافته وهو على خير.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ)، قِيلَ: وما عَسَلَهُ؟ قال: (يَفتحُ لهُ عملًا صالِحًا قبلَ مَوتِه، ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ). (صحيح الجامع 307)
فاللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا، هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
# الخطبة الثانية #
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد النبيين وخاتم المرسلين ورحمة الله للعالمين.
لما عرج بالنبي إلى السماوات، رأى آدم عليه السلام وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة.
والأسودة هي الجماعة من الناس.
وكان آدم عليه السلام كلما نظر عن يمينه سُر، وكلما نظر عن يساره اغتم.
فعجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا، فسأل جبريل عليه السلام: ما هذا يا جبريل؟
قال جبريل عليه السلام: هذا أبوك آدم، والذين عن يمينه هم من قسم الله لهم بالجنة من ذريته نسأل الله تعالى أن نكون منهم.
وأما الذين عن يساره فهم من قسم الله لهم بالنار من ذريته نعوذ بالله أن نكون منهم.
فكان آدم عليه السلام كلما نظر إلى ولده الصالح الذي قسم له بالجنة يفرح ويسر.
هكذا فكن، افرح لصلاح ولدك واحزن لفساده.
إذا كان الولد صالحاً وسبقني إلى ربي، سبق جزء مني إلى الرضا والرحمة.
وإذا ما سبقته أنا تركت أثراً صالحاً يُدعى إلي به، ويستغفر إلي به.
مشاهدة الخطبة على اليوتيوب
# الخطبة الأولى #
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (سورة آل عمران:102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً غڑ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ غڑ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (سورة النساء:1)
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ غ– وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ). (سورة الأنعام:134)
# طريق السعادة #
عباد الله، تأتي الأيام مسرعة وتمضي مسرعة، وفي النهاية لقاء الله تبارك وتعالى.
دنيانا التي نتكالب عليها قصيرة الأمد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركَها). (صحيح الترغيب 3282)
إذا ضرب الإنسان منا تعب أو رهق ينزل للقيلولة، فكم يقيل؟
يقيل ساعة، هكذا عمر الدنيا التي يتكالب عليها الخلق.
والإنسان السعيد هو الذي ينتهز الفرص، ينتهز فرصة وجوده في الحياة القصيرة ليسعد في حياة لا نهاية لها.
قال الله تعالى: (وَمَا هَظ°ذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ غڑ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ غڑ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). (سورة العنكبوت:64)
ومن السعادة أن ترزق الفهم الصحيح، لأن الفهم الصحيح إرادة خير من رب العالمين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ). (صحيح البخاري 71)
فإرادة الخير سعادة، ومن ثم الفهم الصحيح طريق السعادة.
ومن الفهم الصحيح أن تعلم أن هذا اليوم أشرف أيام الدنيا.
وقد ورد في السنة النبوية عن أوس بن أبي أوس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ).
قالَ: قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ – يقولونَ بليتَ – فقالَ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ). (صحيح أبي داود 1047)
وهذا اليوم يوم الجمعة زاد في الفضل لأنه في شهر حرام.
كذلك زاد في الفضل لأنه أول الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه.
قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَظ°لِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)).
فهذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في نسك قريب.
وأن يختم لنا جميعاً بخير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
# فضل العشر من ذي الحجة #
العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.
يمتاز رمضان في فضل لياليه، ويمتاز شهر ذي الحجة في فضل نهاره وأيامه.
وهذه الأيام العشر قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ خرَج بنفسِه ومالِه ثمَّ لم يرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ). (صحيح ابن حبان 324)
# أعمال العشر من ذي الحجة #
الأعمال الصالحة في هذه العشر كثيرة مثل الصيام والصلاة والصدقات وسائر الصالحات، وما توفق إليه هو أفضل عمل.
إن كنت موفقاً للصيام فصم، وإن وفقت للصدقات فتصدق، وإن وفقت لقول الخير فانطق به.
ما توفق إليه من صالحات هو أفضل الأعمال فاشتغل فيه وأتقنه.
لذلك قال تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ غڑ وَمَن يَفْعَلْ ذَظ°لِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). (سورة النساء:114)
## الصلاة ##
إذا وفقت للصلاة فصلي ما استطعت إلى الصلاة سبيلا.
وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاةُ خيرٌ موضوعٍ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَسْتكْثِرَ فلْيستكْثِرْ). (الجامع الصغير 5163)
عندك في طول النهار وعرضه ركعات مؤكدات قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ). (صحيح مسلم 728)
ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
من داوم على هذه الركعات في اليوم الواحد يبنى له بها بيت في الجنة.
كذلك عندك في أول النهار ركعتي الشروق ورد فيها عن أنس بن مالك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ). قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ). (صحيح الترمذي 586)
وعندك أربع ركعات كذلك في أول النهار كان يصليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيها: (قال اللهُ تعالى: يابنَ آدمَ! لا تعجِزْ عنْ أربعِ ركعاتٍ في أولِ النهارِ، أكفِكَ آخرَهُ). (صحيح الجامع 4342)
يعني من ركع في أول النهار أربع ركعات كفاه الله تعالى شر يومه.
كذلك هناك أربع ركعات قبل العصر قال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ غفرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ مغفرةً عَزَمًا). (عمدة القاري 7/341)
أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
فأربع ركعات قبل العصر سبيل إلى رحمة الله، وعندك صل ما شئت بليلك، إن وفقت إلى الصلاة فهي خير عمل.
## الصدقات ##
ومن وفق إلى الصدقات فهي خير عمل، وما أحوجنا إلى الصدقات في هذه الأيام، حيث الستر على المسلمين، حيث كفاية المعوزين والمحتاجين، حيث تفريج الكرب وفك الأسر والخلاص.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه). (صحيح ابن حبان 534)
هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى ثياب للعيد، هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى كفايتها.
فإن وفقت في الصدقات فأتقنها واشتغل، واعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (سورة محمد:35)، (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ). (سورة النحل:96)
السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أتاها الفقير وضعت الصدقة في يدها وقالت له: خذها.
لماذا كل هذا؟
حتى تكون يد الفقير هي العليا، وفي هذا إعزاز للفقير.
لكننا عكسنا الأحوال، إن أعطينا الفقير نعطيه لنذله، وفي القريب العاجل نمن عليه بما أعطيناه.
والمن بالصدقة يبطلها، كما قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى). (سورة البقرة:264)
فأي من بالصدقة، أي من بموقف من المواقف يحبط أجره ويعيد صاحبه صفراً.
لذلك من وفق إلى الصدقات فليتصدق وليعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع على صاحبه أبداً.
بل إن الله تعالى ينمي الصدقة لصاحبها، يكبرها حتى تكون يوم يوافيه كجبل أحد في ميزان صاحبها.
## قول الخير ##
ومن وفق إلى قول المعروف والخير فليصدح به، فقول المعروف من الصدقات.
ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ) قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ). قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ قالَ: بالمَعروفِ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فإنَّه له صَدَقَةٌ). (صحيح البخاري 6022)
إذا وفقت إلى قول الخير فاصدح به، وإذا لم توفق إلى قول الخير فلا تقل الشر ولا تركن إلى أهله.
واعلم باركك الله أن بيوتاً كثيرة معرضة للخراب، لماذا؟
لغشم في التعامل، لغشم في العشرة، لغشم في التصرف.
هناك نساء كثر غضبى إن كانت في بيت أبيها أو إن كانت في بيت أخيها أو إن أخذت مكاناً واستقلت به.
لا تريد أن تعامل البشر، من ماذا؟
لخديعة وقعت فيها في الزواج، خدعها بطيب حاله بحسن مظهره فلما أضيفت إليه كزوجة رأت حقيقة أمره.
فعلمت أنها وقعت في خداع، غضبت أعادها أبوها، غضبت أعادها أبوها.
سئمت من الحال بين أبيها وزوجها تركت الدنيا ومشت في شوارع الناس تدور على البيوت، لماذا؟
لإذلال وقهر وقعت فيه.
ما هذا؟
## الإصلاح بين الناس ##
لذلك الله تعالى ما غفل الحال أبداً ولذا أوصى بالإصلاح بين الناس.
الإصلاح بين الناس ما أحوجنا إليه، بيوت معطلة، أطفال مشردة، من ماذا؟
من سوء العشرة في البيوت.
لذلك من كانت امرأته غضبى فليسعى في اصلاحها، ومن كانت ابنته غضبى فليسعى في ارجاعها.
هكذا ما ينبغي أن يكون قبل مجيء العيد.
وإلا كيف يكون العيد عيداً!؟
كيف يكون العيد عيداً وحالنا هكذا؟
الجار مع الجار، الزوج مع الزوجة، بيوت تهتكت وخربت بأسباب حقيرة.
من لا شيء تصنع أزمة، من لا شيء يغضب الإنسان، من لا شيء والعياذ بالله يكفر الإنسان.
لذلك أول يوم من أيام ذي الحجة ما ينبغي أن نتركه هكذا.
بل العاقل من ينتهز الفرص حتى إذا وافته المنية وافته وهو على خير.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ)، قِيلَ: وما عَسَلَهُ؟ قال: (يَفتحُ لهُ عملًا صالِحًا قبلَ مَوتِه، ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ). (صحيح الجامع 307)
فاللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا، هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
# الخطبة الثانية #
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد النبيين وخاتم المرسلين ورحمة الله للعالمين.
لما عرج بالنبي إلى السماوات، رأى آدم عليه السلام وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة.
والأسودة هي الجماعة من الناس.
وكان آدم عليه السلام كلما نظر عن يمينه سُر، وكلما نظر عن يساره اغتم.
فعجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا، فسأل جبريل عليه السلام: ما هذا يا جبريل؟
قال جبريل عليه السلام: هذا أبوك آدم، والذين عن يمينه هم من قسم الله لهم بالجنة من ذريته نسأل الله تعالى أن نكون منهم.
وأما الذين عن يساره فهم من قسم الله لهم بالنار من ذريته نعوذ بالله أن نكون منهم.
فكان آدم عليه السلام كلما نظر إلى ولده الصالح الذي قسم له بالجنة يفرح ويسر.
هكذا فكن، افرح لصلاح ولدك واحزن لفساده.
إذا كان الولد صالحاً وسبقني إلى ربي، سبق جزء مني إلى الرضا والرحمة.
وإذا ما سبقته أنا تركت أثراً صالحاً يُدعى إلي به، ويستغفر إلي به.
مشاهدة الخطبة على اليوتيوب