لي فات مات | منتديات الدراسة الجزائرية

لي فات مات

تدكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره ، والحزن لماسيه حمق
وجنون ، وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة. ان ملف الماضي عند
العقلاء يطوى ولا يروى ، يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان ، يقيد
بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبدا ، ويوصد عليه فلا
يرى النور ، لأنه مضى وانتهى ، لا الحزن يعيده ، لا الهم يصلحه ، لا
الغم يصححه ، لا الكدر يحييه ، لأنه عدم ، لا تعش في كابوس
الماضي وتحت مظلة الفائت ، أنقذ نفسك من شبح الماضي ،
أتريد أن ترد النهر إلى مصبه ، والشمس إلى مطلعها ، والطفل
إلى بطن أمه ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العين ، إن تفاعلك
مع الماضي ، وقلقك منه واحتراقك بناره ، وانطراحك على أعتابه
وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ، وتمزيق للجهد ، ونسف
للساعة الراهنة ،ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال : { تلك امة قد
خلت } انتهى الأمر وقضي ، ولا طائل من تشريح جثة الزمان ،
وإعادة عجلة التا ريخ.
إن الذي يعود للماضي ، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا ،
وآالذي ينشر نشارة الخشب. وقديما قالوا لمن يبكي على
الماضي : لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدث على
ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر؟ قال : اكره الكذب.
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا ونشتغل بماضينا ، نهمل قصورنا
الجميلة ، ونندب الأطلال البالية ، ولئن اجتمعت الإنس والجن على
إعادة ما مضى لما استطاعوا لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف ، لأن الريح
تتجه إلى الأمام والماء ينحدر إلى الأمام والقافلة تسير إلى الأمام
، فلا تخالف سنة الحياة.
 
عودة
أعلى