*** ضوابط في معرفة السيرة‏‏ *** | منتديات الدراسة الجزائرية

*** ضوابط في معرفة السيرة‏‏ ***

مدير الموقع

إدارة المنتدى
ضوابط في معرفة السيرة‏‏
للشيخ/ صالح آل الشيخ
أول هذه الضوابط: أنّ ترتب قوة مصادر السيرة على ثلاث مراتب:
1- المرتبة الأولى: فهي للقرآن العظيم فما دل عليه القرآن فهو مقدَّم على غيره.
2- المرتبة الثانية: ثم سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي مبينة وموضحة لما في القرآن، والسنة نعني بها ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام سواء كان من أحاديث الآحاد أم من الأحاديث المتواترة وسواء صح سنده لذاته أو لغيره سواء حسن سنده لذاته أو لغيره فإذا ثبت الحديث فإنه يؤخذ به في السيرة ويكون مقدما على غيره ويليه الأخذ بتفاسير اهل العلم من الصحابة فمن بعدهم في آي القرآن أو بعض أحاديث السنة فإنهم في الغالب فسروا القرآن بعلمهم بسنة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
3- المرتبة الثالثة: ما جاء في كتب السير وإذا وجدنا في كتب السير ما لا يتعارض مع الكتاب والسنة فإنّ لنا أنْ نأخذه وأنْ نقول بما فيه دون تردد لأنّه لا يخالف الكتاب والسنة سيما إذا اعتضد باتفاق العلماء عليه أو بجريانهم عليه فإنه لا حرج علينا في ذلك إذ كما قال بعض أهل العلم: السير بلا شك أرفع درجة وأقوى ثبوتا من أحاديث بني اسرائيل والنبي صلّى الله عليه وسلّم رخص لنا في الحديث عن بني اسرائل وقال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) وبنو إسرائيل لا نصدقهم ولا نكذبهم وأما ما روى في السير مما لا يصادم نصا من القرآن أو من سنة العدنان عليه الصلاة والسلام فإنه لا بأس من القول به والأخذ به؛ لأنّ العلماء تتابعوا على قبول ما فيها إذا لم يعارض ما جاء في الكتاب والسنة في الأصول وفي الفروع وفي السير هذا هو الضابط الأول.

الضابط الثاني: أنّ السيرة يستفاد منها في أنواع من الفوائد الدعوية والإيمانية والعلمية فينبغي لمن يقرأ السيرة أو يذكر ما فيها أنّ ينتبه لإنزال كل مسألة منزلها فإذا كان إيراد القصة وحكاية الغزوة أو ما حدث للنبي عليه الصلاة والسلام ولأصحابه المقصود منه تقوية ما في القلوب من الإيمان ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام وتقوية العزة في قلوب أهل الإيمان وفي قلوب الناشئة وربطهم بسيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فإنه لا بأس بذلك ويؤخذ على هذا القدر ناظرا إلى الضابط الأول الذي ذكرناه، ثم إذا وجد في السيرة ما يخالف ما أفتى به أهل العلم سواء في التوحيد أو في تفسير القرآن أو في السنة أو ما أشبه ذلك أو في الدعوة أو في الأحكام الفقهية فإنه لابدّ له من البيان لأنّ إيراد القصة مع إيراد مشكل فيها من جهة الشرع أو ما هو منكر فيها من جهة الشرع والسكوت على ذلك لا يسوغ إذ هو نوعٌ من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وهذا ربما وقع في أنواع من الإلباس.
الجهة الثانية: من هذا الضابط: الاهتمام بالجوانب الفقهية والعلمية في السيرة بأنْ ينظر إليها نظر علمي يعني ينظر إليها طلبة العلم لا على أنها رواية وقصة وحكاية وهكذا بل إنما يأخذها مستفيد مما جاء فيها من جهة الأحكام.
فخذ مثلا قصة الحديبية وغزوة الحديبية بل فتح الحديبية فإنّ ابن القيم رحمه الله أخذ في ذكر الفوائد من هذا الحدث الفوائد الفقهية في العبادات وفي المعاملات بل وفي أمور تتعلق بالدول وتتعلق بولاة الأمر وتتعلق بالملوك وتتعلق بالأحوال ما تعجبُ منه وهذا لا شك أنه من النظر الفقهي العظيم الذي ينبغي أنْ يتحلى به طالب العلم.

الضابط الثالث: أنّ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت صراعا بين التوحيد وبين الشرك وسيرته عليه الصلاة والسلام لم تكن سيرة قائد حزب ولا ممثل لفئة ولا طالب دولة ولا أشباه ذلك وإنما كانت صراعا في مسألة عظيمة بل أعظم المسائل بل أعظم المطالب وهو توحيد الله جلّ وعلا ولهذا ترى أنّ المحققين من أهل العلم ممن انتبهوا لعظم شأن الدعوة للتوحيد كابن تيمية وابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب ومن بعده نظروا إلى تلك السيرة وتلك الأحداث ونزّلوها على المعركة بين التوحيد وبين الشرك وهذا أعظم ما يكون من الصواب في الاستدلال لأنها واقعة، وإذا كان في يوم ما عادت الكرة للشرك ولأهله واندرست معالم التوحيد فإنّ ظهور أثر السيرة في ذلك وظهور معالم السيرة عند الناظر فيها في الفرقان ما بين أهل الشرك وأهل الإيمان ظاهر بيِّن، لهذا من رأى كتاب السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتاب السيرة لعبد الله بن الشيخ رحمهما الله تعالى نظر إلى أنه مستفاد من جهة المعركة بين التوحيد والشرك وهذا استدلال صحيح في مكانه؛ لأنّه قائم على الاستدلال بالمطابقة فإنها هي حقيقة ما كان ما بين النبي عليه الصلاة والسلام وما بين أصحابه والناس ممن نظروا في السيرة مجمعون على هذا وأنّ المعركة ما بين داع إلى الله جلّ وعلا بل سيّد الدعاة إلى الله جلّ وعلا بل سيِّد المرسلين عليه الصلاة والسلام وبين المشركين الكفار المعاندين لله جلّ وعلا ولرسله عليهم صلوات الله وسلامه والله جلّ وعلا قال لنا عن نبيه: {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} وبيَّن جلّ وعلا أن المراد من القصص العبرة فقال جلّ وعلا: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثًا يفترى} وهذا واضح معلوم في صنيع أهل العلم.

الضابط الرابع: أن يهَابَ أهل العلم وطلبة العلم والدعاة من أن يخوضوا في السيرة بلا علم فلا يظننَّ الظانُّ أنَّ السيرة قصة تقبل الزيادة والنقصان فربما سمع بعضكم بعض من يميل إلى القصص والحكايات سواءً من جهة التعليم أو من جهة الإلقاء وذكر أحداثًا من السيرة وحلاَّها بزيادات من عنده ظانًّا أن باب السير باب قصص وأنه يسوغ فيه الزيادة وهذا ليس بصواب بل هو باطل في نفسه إذْ السيرة هي سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فلا تقبل الزيادة على الحوادث إذا كان يريد أن يشرح ما ثبت فهذا شيئ جيد من الإيضاح ومن تعليق الناس وأخذ العبرة والفائدة لكن أن يزيد حكايات بخروج وذهاب وبذكر أحوال لم ترد في كتب السير ولم تصح فهذا نوع من القول على الله جلَّ وعلا بلا علم بل هو نوع من الكذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم فسمعت أحاديث في بعض الغزوات جيئ فيها بأشياء لم ترد اصلاً وسمعت أحاديث في بعض حوادث جرت في مكة على صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيعة العقبة بل وهجرة الصحابة إلى الحبشة وأشباه ذلك مما لم يرد أصلاً وزيادات اقتضاها الطابع القصصي وهذا لا يسوغ أن يعذر المرء فيه نفسه لأن الأمر شديد والكلام على سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم نوع من الكلام على سنته والكذب فيها كذب على سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأعظم ما جاء في ذلك من التحذير قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر (من كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار).
الضابط الخامس: أن لا يستعجل بالنقد فيما يورده أهل العلم في السير فإن السير لها طابع وكثيرون وهَّمُوا بعض أهل العلم أو تعقبوهم بما ليس مجالاً للتعقب واستعجلوا في ذلك، فقصص السير ونوع ثبوتها والاجتهاد في تأول إيرادها هذا كثير فإذا لم تكن القصة أو السيرة أو الحكاية سواءٌ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوعن الصحابة إذا لم تكن مصادمة لنصوص الكتاب والسنة أو لم تكن باطلة من جهة العقيدة والشريعة والسنة فإن إيرادها للعلماء فيه مآخذ فلا يأتيَنَّ آتٍ ويقول فلان يورد من السيرة ما لم يثبت وهذا يورد حديثًا ضعيفًا في السيرة وأشباه ذلك إذ الأصل عندهم ما ذكرته لكم من التوسع في نقل السيرة إذا لم يكن ما ينقل باطلاً أو منكرًا وهذا أصل عظيم لا بد من الاهتمام به لأنّ نقد أهل العلم أو الاعتراض عليهم بما ليس له حجة بينة غير مقبول وربما سبب أشياء غير محمودة.

المصدر
 
عودة
أعلى