مساعدة في تعبير كتابي ارجوكم | منتديات الدراسة الجزائرية

مساعدة في تعبير كتابي ارجوكم

أثر الحضارة العربية والإسلامية في الحضارة الأوربية عده الجزائري
icon.aspx
09:19 - 2014/04/15
icon.aspx

1. مقدمة:
يذكر ابن خلدون في مقدمته أن بغداد كانت المركز الثقافي لبلدان الشرق وسوقا تجاريا عالميا تتعامل مع نيسابور وبخارى و طاشقند و القاهرة و القيروان و قرطبة , وكانت بغداد السوق المالية المزدهرة متحكمة في دينارها الذهبي ودرهمها الفضي , وفي الوقت نفسه كانت انهار الثقافة تتدفق على بغداد من ينابيعها القديمة في مصر وبابل والشام لتفجر بركان الأبداع في عاصمة الإمبراطورية الإسلامية حتى غدت منارا للإشعاع الفكري ورائدة للنهضة الثقافية , فقد ادخل الخليفة العباسي المأمون الى بلاطه اساطين العلم والمعرفة من شتى الأرجاء لينشروا ما عندهم ويترجموا الكتب اليونانية واللاتينية والفارسية و السنسكريتية والهندية والسريانية إلى اللغة العربية وبذلك اغنوا البلاد بعلمهم الوافر ومعرفتهم الواسعة و إبداعاتهم الخلاقة.
و بينما كانت أوربا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما أقسى صنوف العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت أكثر من ألف عام، كانت العواصم في الوطن العربي الكبير كبغداد زمن العباسيين و القاهرة زمن الفاطميين و قرطبة زمن الأندلسيين تطفح بالأزدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب بل جاوزتها إلى البلدان الأوربية ودخلت جامعاتها.
2. أوربا خلال القرون الوسطى:
العصور الوسطىهي فترة من تاريخ أوروبا بدأت بسقوطالإمبراطورية الرومانية الغربية، و استمرت حتى القرن السادس عشر الميلادي. اختفت فيتلك الفترة أقوى الحكومات التي أسسها الرومان، و حلت محلها دويلات و ممالك صغيرة.
و أصبحت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، القوة الوحيدة صاحبة أوسع نفوذ في القارة،ليس في الأمور الدينية فحسب بل في ميادين السياسة و الفنون و العلم أيضًا.
كانت القرون الأولى من العصور الوسطى، خاصة من القرن الخامس إلى أواخر القرنالعاشر الميلاديين أقرب إلى أن تكون مظلمة لذا سميت بالقرون المظلمة، حيث أصيبت حضارة غربي أوروبا بالانحطاط،و لم يتبق من معرفة الرومان القدامى سوى ما بقي في قلة قليلة من مدارس الأديرةو الكاتدرائيات و البلاط. أما المعرفة التي نُقلت عن اليونانيين فقد اندثرت تقريبًا.و كان الذين تلقوا علمًا فئة قليلة من الناس، كما ضاع الكثير من المهارات الفنيةو التقنية القديمة. و أمسى الكُتّاب، في جهالتهم، يتقبلون الحكايات الشعبية و الشائعاتعلى أنها حقيقة.
ظلت معظم دول أوروبا تعاني من الفقر وقلة السكان طيلة الفترة الواقعة بينالقرنين الخامس والعاشر الميلاديين. كما لم يكن في الإمكان استغلال المساحاتالشاسعة التي تغطيها المستنقعات و الغابات الكثيفة في الزراعة. و لقد أدى تفشيالأمراض و انتشار المجاعات و نشوب الحروب و انخفاض معدل المواليد إلى عدم زيادة عددالسكان، بالإضافة إلى أن معدل عمر الإنسان الأوروبي أصبح لا يتعدى الثلاثين عامًا.
بينما كانت أوربا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما أقسى صنوف العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت أكثر من ألف عام، كانت العواصم في الوطن العربي الكبير كبغداد زمن العباسيين و القاهرة زمن الفاطميين و قرطبة زمن الأندلسيين تطفح بالازدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب بل جاوزتها إلى البلدان الأوربية ودخلت جامعاتها.
3. الحضارة العربية الإسلامية :
مرت الحضارة العربية الإسلامية بمراحل ثلاث قبل أن تنضج وتبدع وتسهم في بناء حضارة الإنسان أولها مرحلة الترجمة و الاقتباس و التمثل التي دامت طوال العصر العباسي الأول وتلتها مرحلة الإبداع والخلق أما المرحلة الثالثة فكانت حقبة العالمية حين أخذ الغرب ينقل إلى لغاته العلوم التي حصلها العرب والتي أبدعوها .
ففي العصر الأموي بدأت حركة ترجمة فردية محددة على يد الأمير خالد بن يزيد الذي دعا بعض علماء مدرسة الإسكندرية إلى دمشق لكي ينقلوا له بعض كتب الإغريق في الطب والفلك والكيمياء ويقول ابن خلكان: كان خالد عالما بالطب والكيمياء وكتب في هذين العلمين وتعلم الصنعة من الراهب اليوناني (مريانوس) . ويؤكد صاحب الفهرست بأن هذه الترجمات هي الأولى من أية لغة منذ ظهور الإسلام.
ثم أمر الخليفة عمر بن العزيز بترجمة كتاب طبي من السريانية هو كناش (أهارون) لضرورات عملية بحتة. وبعد نصف قرن استؤنف هذا العمل على نطاق أوسع و أعم جعل من القرن التاسع عصرا فريدا من نوعه في تاريخ الإنسانية.
ففي نهاية القرن الثامن الميلادي لم يكن بحوزة العرب من الثروة العلمية إلا ترجمة لموسوعة طبية وكتب فلكية ولكن لم ينته القرن التاسع إلا وقد تمثلوا كل علوم اليونان وأصبح لديهم علماء من الطراز الأول. فقد تعرفوا على مدرسة جنديسابور التي لعبت الدور الرئيسي في الحركة العلمية التي كانت بغداد مسرحها كما زودتها بخميرة حركت العالم الإسلامي برمته.
لقد انتشرت الكتب التي ترجمت بين الناس فتداولوها و نسخوها و قرءوها و أنشأت الدولة دورا للكتب في كل مكان. ففي عام 891م أحصى مسافر عدد دور الكتب في بغداد فكانت أكثر من مائة. وكان في سوق الكتب عند بوابة البصرة ببغداد أكثر من مائة متجر لبيع الكتب.
فمن هذا الوسط التجاري برز علماء ألفوا الكتب و صنفوها، على رأسهم محمد بن إسحق بن النديم البغدادي صاحب الفهرست، الكتاب الذي يحوي أسماء جميع الكتب و الترجمات التي ظهرت خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى.
فلقد شجع الخلفاء المسلمون هذه الحركة العلمية الشاملة بدافع من حبهم الشخصي للعلم و شعورهم بالمسئولية تجاه الدين الذي يحث على طلب العلم و يرفع من منزلة العلماء. و يقول الدكتور فؤاد سيزكين في هذا المعني: لا بد من فهم موقف الدين الإسلامي من العلم، و موقفة هذا كان المحرك الكبير لا للحياة الدينية فحسب بل للحياة الإنسانية من جميع جوانبها و موقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي و وراء العلوم و فتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية و لولاه لانحصرت الترجمة في الأشياء الضرورية للحياة العملية وحدها، و لعل أكبر دليل على أن رغبة المسلمين في العلم لم تنبع من حاجاتهم المادية هو انكبابهم على تحصيل العلوم النظرية البحتة منذ بزوغ شمس هذه الحركة في عهد المنصور فقد ذكر حاجبي خليفة أن المنصور أرسل سفراء إلى القسطنطينية جلبوا منها كتب إقليدس وكتبا بالفيزياء ترجموها وقرءوها بسرعة فائقة.
و من أوائل العلوم التي طرق العرب بابها و أبدعوا فيها الكيمياء و هي بلا شك وليدة مدرسة الإسكندرية و قد وجدت بدمشق أرضا خصبة فقد تعهدها رجلان ينتميان إلى أشرف البيوت خالد بن يزيد و الإمام جعفر الصادق الذي أنجب تلميذا ارتبط اسمه مع الكيمياء أبد الدهر و هو جابر بن حيان الذي يعتبر بحق أول رائد لهذا العلم، و من العلوم التي شغل فيها العرب مركز الريادة علم الحساب إذ أن ترجمة كتب كبار العلماء اليونان كإقيلدس و بطليموس و هيرون و غيرهم أثار في نفوس العرب الرغبة في استكشاف مجاهل العلوم الدقيقة، ففي نهاية القرن العاشر أصبح العرب على علم تام بحساب براهماكوبتا الهندي و بالجبر و استعملوا الصفر و النظام العشري الذي أحدث ثورة في عالم الرياضيات،, كما أن كلمات الجبر و الكيمياء و اللوغاريتم و الصفر كلها ذات أصول عربية صريحة. فقد وضع العرب أسس الهندسة التحليلية و المثلثات المسطحة و الكروية التي لم تكن معروفة من قبل الرياضيين الإغريق . إذ نشر الخوارزمي منذ عام 825م أعماله الهامة المتعلقة بالجبر وسماها "كتاب حساب الجبر و المقابلة" و أهداه إلى الخليفة المأمون.
أما في الفيزياء فلم يكتف العرب بإعادة النظر بنظريات الإغريق و توضيحها بل إنهم أضافوا إليها الكثير من مكتشافتهم فابن الهيثم المولود في البصرة عام 965م كان بلا شك أكبر فيزيائي عربي فقد عارض في كتابه "البصريات" إقليدس و بطليموس في تصورهما الخاطئ بأن الشعاع البصري يخرج من داخل العين إلى الأشياء الخارجية و بذلك قلب النظرية اليونانية بالنسبة لوظيفة "الحجرة المظلمة" كما درس انكسار الضوء و في علم الحيل " الميكانيك " عرف مبدأ العطالة التي صاغها فيما بعد إسحاق نيوتن في قانونه المتعلق بالحركة. لقد أصبح كتاب المناظير لابن الهيثم أساس جميع البصريات في القرون الوسطى خصوصا أعمال روجيه بيكون في القرن الثالث عشر. أما في عصر النهضة فقد تأثر به ليوناردو دافنتشي ويوهان كيبلر.
ومن بين العلوم التي برز فيها العلماء العرب و أنتجوا و أفاضوا على غيرهم مما أبدعوا من معارف علم الجغرافيا فقد ظهر من بينهم منذ بداية القرن التاسع رحالة و جغرافيون طافوا العالم المعروف في زمانهم كالخوارزمي و سليمان تاجر صيراف اللذين بلغا الهند و الصين و لحق بهما ابن جبير في القرن الثاني عشر و ابن بطوطة في القرن الرابع عشر. و بين الخوارزمي وابن بطوطة ظهرت أعداد من الرحالة و الجغرافيين و الخرائطيين و مؤلفي المعاجم الجغرافية جمعت أعمالهم في موسوعة من ثمانية مجلدات تحت اسم المكتبة الجغرافية العربية قام بهذا العمل الجليلM.J. GOEJE في ليدن بهولندا في عام 1870 .
هذا و تعد أعمال الشريف الإدريسي المولود في سبتة بالمغرب الأقصى أهم ما أنتجه العرب في حقل الجغرافيا لأنها بقيت حتى عصر النهضة، المراجع التي اعتمد عليها الأوربيون في إغناء معلوماتهم الجغرافية.
وبعد زمن الإدريسي بقليل قام الرحالة ابن جبير برحلته إلى مشرق العالم العربي دون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة.
كما ظهرت في القرن الثالث عشرة معاجم جغرافية جمع فيها ياقوت و القزويني كثيرا من المعلومات الجغرافية رتبوها على الحروف الهجائية.
لم يكتف علماء المسلمين بترجمة كتب علماء العصور السابقة بل تعدوا ذلك إلى تصنيف المؤلفات، حتى أنه صار لهم في كل مجالات الحياة مؤلفات و إنجازات صارت فيما بعد مراجع للحضارة الأوربية المعاصرة.
4. أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية:
اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة الإسلامية كان لها آثار بالغة في الحضارة الغربية، و نستطيع أن نجمل هذه الآثار في ميادين أربعة رئيسية:
· ميدان العقيدة والدين
· ميدان التشريع
· ميدان اللغة والأدب
· ميدان العلوم التطبيقية
أ‌- ميدان العقيدة و الدين:
قد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته و روبوبيته و أسمائه و صفاته، و تنزيهه عن التجسيم و التشبيه و التعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته و صلته مع الله و فهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته، كان عاملاً كبيراً في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق و الغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله و عباده، و يدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين و مراقبتهم، و يؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن للعلماء المسلمين من آراء في العقيدة و الوحي، و قد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية .
ب‌- ميدان التشريع:
لم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية على العقيدة و الدين و العلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من
الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل"الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي.

ت‌- ميدان اللغة والأدب:
فقد تأثر الأوروبيون و خاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثراً كبيراً، فقد دخل أدب الفروسية و الحماسة و المجاز و التخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص، يقول الكاتب الأسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية و لا تدين بآدابها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس و انتشار فرسانهم و أبطالهم في أقطار الجنوب"، كما تأثرت اللغات الأوروبية على اختلافها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة حتى أنها لتكاد كما هي في اللغة العربية، كالقطن والمسك و الشراب و الجرة و الليمون و غير ذلك مما لا يحصى.
ث‌- ميدان العلوم التطبيقية:
في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس و الجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقاً و غرباً، وكثرت المكتبات و امتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب و رياضيات و كيمياء و جغرافيا و فلك. اجتذبت هذه المدارس و الجامعات و المكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، و كانوا شديدي الإعجاب و الشغف بكل ما يدرسون و يقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية و مؤلفاتهم عن دوران الأرض و كرويتها و حركات الأفلاك و الأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات و الأوهام عن هذه الحقائق كلها، و من ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، و غدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية.
ث-1) الكيمياء

اعتمد علم الكيمياء الغربي تمامًا على المصادر العربية، فقد كانت الترجمات اللاتينية لأعمال جابر بن حيان في الكيمياء المرجع الأساسي لعلماء الكيمياء الأوروبيين. إلا أنه ما زال الإسناد الدقيق لهذه الأعمال إلى مؤلفيها مثار بعض الجدل، فبعضها دون شك ترجمات من العربية لأعمال لجابر بن حيان ومنها كتاب الكيمياء (الذي ترجم في أوروبا بعنوان كتاب تراكيب الكيمياء)بالإنجليزية:(Book of the Composition of Alchemy))، الذي ترجمه روبرت من شيستر عام 1144، وكتاب الرسائل السبعين الذي ترجمه جيراردو الكريموني (قبل عام 1187)و بغض النظر عن من كتب تلك الكتب، فأنها بلا شك كانت ذات تأثير عظيم على علم الكيمياء في أوروبا العصور الوسطى كما ترجمت الأعمال الكيميائية للرازي إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر تقريبًا.
و ترجع أصول العديد من الكلمات التقنية الكيميائية إلى كلمات عربية مثلalkali (قلوي)، و التي انتقلت إلى العديد من اللغات الأوروبية و أصبحت جزءً من المصطلحات العلمية.
ث-2) الفلك والرياضيات:

كان لترجمة أعمال الخوارزمي أكبر الأثر على علم الرياضيات في أوروبا. كتب الأستاذ الجامعي فيكتور كاتز قائلاً: "معظم الأعمال الأولى في الجبر في أوروبا، اعتمدت في الأساس على الترجمات لأعمال الخوارزمي و العلماء المسلمين الآخرين. كما أنه كان هناك إقرار بأن معظم علمي حساب المثلثات المستوي و الكروي ينسبان إلى العلماء المسلمين "كما أن كلمة"algorithm"(خوارزمية)، مشتقة من الترجمة اللاتينية لاسم الخوارزمي"Algorismi"، و أيضًا كلمة "algebra"(جب)مشتقة من عنوان كتاب المختصر في حساب الجبر و المقابلة، لذا فهما يصنفان ككلمات إنجليزية من أصل عربي.كما ترجمت الأعمال الفلكية و الرياضياتية العربية للبتاني و الفزاري إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.
ترجم أيضًا كتاب الزيج السانجاري للخازني إلى اليونانية على يد غريغوري شونيادس في القرن الثالث عشر، و كان يدرّس في الإمبراطورية البيزنطية. قادت التعديلات الفلكية التي أدخلها البتاني و ابن رشد على نموذج مركز الأرض إلى النماذج غير البطلمية التي صنعها مؤيد الدين أوردي و نصير الدين الطوسي و ابن الشاطر، و التي طوّرت بعد ذلك إلى نموذج كوبرنيكوس (en)‏. كما ترجمت كتب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة والقانون المسعودي للبيروني إلى اللاتينية تحت اسم Indica وCanon Mas’udicus على الترتيب. و في عام 1202، نقلليوناردو فيبوناتشي نظام العد الهندي العربي بالأرقام العربية إلى أوروبا في كتابه Liber Abaci.
كان لكتاب "القسي المجهولة في الكرة"لابن معاذ الجياني" (و هو مخطوط في علم حساب المثلثات الكروي)أثره البالغ على علم الرياضيات في أوروبا، و قد ذكر جيرولامو كاردانو في القرن السادس عشر، أن ريجيمونتانوس اعتمد في كتابه
On Triangles على المراجع العربية، و بالأخص أعمال جابر بن أفلح. كما كانت أعمال فولبرت من شارتر، أقدم الدلائل على استخدام كلمات عربية مستعارة في النصوص اللاتينية.

ث-3)الطب و الصيدلة:
كانت ترجمة كتاب القانون في الطب لابن سينا أحد أعظم أعمال الترجمة لكتب طبية، و الذي ترجم إلى اللاتينية، ثم طبع و انتشر في أوروبا. ظل هذا الكتاب المرجع الأساسي في الطب في أوروبا، حتى بداية العصر الحديث، و خلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر و حدهما، طبع الكتاب أكثر من 35 مرة، لاحظ ابن سينا ظاهرة نقل العدوى لبعض الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الهواء من قبل شخص مريض، و شرح كيفية اختبار بعض الأمراض الجديدة حينها. و قد كتب ابن سينا أيضًا كتاب الشفاء، و الذي كان بمثابة موسوعة عامة في العلوم و الفلسفة، و قد حظي هذا الكتاب أيضًا بشعبية في أوروبا.
كتب أبو بكر الرازي كتاب الحاوي في الطب، و الذي وصف فيه بعناية بل و ميّز بين مرضي الحصبة و الجدري، و قد كان لهذا الكتاب أيضًا أثره في أوروبا. كما كتب الزهراوي كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، و هو موسوعة طبية اشتهرت بسبب قسم الجراحة بها. تضمن هذا الكتاب وصف و رسوم لأكثر من مائتي جهاز جراحي، العديد منها من اختراع الزهراوي نفسه. و قد ترجم جيراردو الكريموني جزء الجراحة في الكتاب إلى اللاتينية، و استخدم من حينها في كليات الطب الأوروبية لقرون، و ظلوا يصدرون منه الطبعات حتى نحو عام 1770.


ث-4) الفيزياء:

كان كتاب المناظر لابن الهيثم من أهم الأعمال الفيزيائية التي ترجمت، لما كان لهذا الكتاب من أقدمية في إجراء التجارب المبنية على منهج علمي، و فيه وضع نظرية في الرؤية و الضوء فنّدت نظريةكلاوديوس بطليموس (تفترض نظرية بطليموس بأن الضوء ينبعث من العين، بينما أصر ابن الهيثم بأن أشعة الضوء هي التي تدخل العين)، و التي تعد أهم حدث علمي في هذا المجال حتى عصر يوهانس كيبلر، لذا فيعد كتاب المناظر نقطة انطلاق مهمة في تاريخ المنهج العلمي و تاريخ علم البصريات. أثرت الترجمات اللاتينية لكتاب المناظر في الكثير من أعمال العلماء الأوروبيين اللاحقين، و منهم روجر باكون و يوهانس كيبلر، كما أثر الكتاب في جوانب أخرى في الثقافة الأوروبية. ففي الأدب، على سبيل المثال، أشاد جيوم دي لوريه بكتاب المناظر في روايته Roman de la Rose. و في الفن، وضع كتاب المناظر أسس تقنيات الرسم المنظوري، و ربما أثر في استخدام العوامل المساعدة البصرية في فن عصر النهضة، استخدمت نفس التقنيات في الخرائط الجغرافيةالتي رسمها رسامي الخرائط أمثال باولو توسكانيللي خلال عصر الاستكشاف.
ربما أثرت نظرية الحركة التي طورها ابن سينا من الفيزياء الأرسطية نظرية قوة الدفع لجان بوريدان (التي سبقت مفاهيم العطالة وزخم الحركة). أيضًا أعمال جاليليو جاليلي في الميكانيكا الكلاسيكية (و التي أبطلت الفيزياء الأرسطية) تأثرت بكتابات الفيزيائيين المسلمين كابن باجة.
لم يكتفي الأوربيون بنقل العلوم فقط عن الحضارة الإسلامية بل تعدى ذلك إلى كل مجالات الحياة م لباس و فنون و زراعة و صناعة و غيرها حيث عرفت أوروبا عددًا من تقنيات الزراعية الجديدة لبعض الفواكه و الخضروات في العصور الوسطى على أيدي المسلمين، بعضها منقول من الصين و الهند، و منها الخرشوف و السبانخ و الباذنجان.
كما نقل المسلمون تقنيات جديدة في الملابس و المواد كالنسيج الموصلي و التفتة و الساتان.
كما كان فن الزخرفة الإسلامي من الواردات ذات القيمة العالية إلى أوروبا طوال العصور الوسطى. في الفترة الأولى، كانت المنسوجات ذات أهمية خاصة، و تستخدم لأثواب الكنيسة و الأغطية الواقية و الستائر و ملابس النخبة. كما كان الفخار الإسلامي عالي الجودة يلقى رواجًا بين الأوروبيين، نظرًا لزخارفه و مشاهد الصيد الصغيرة المنقوشة عليه و ما شابه ذلك. و لأنها لم تكن مفهومة النقوش حينئذ، فلم تكن تلك الأشياء تسيء إلى مشاعر المسيحيين، وكان فن العصور الوسطى في صقلية مثار اهتمام، نظرًا لنمطه الذي يخلط بين الثقافات النورمانية والعربية و البيزنطية في مجالات كالفسيفساء و التطعيمات المعدنية و النحت و الأعمال البرونزية.
5. أهم معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا:
كانت نقاط التواصل بين أوروبا و الأراضي الإسلامية متعددة، فقد انتقلت المعارف الإسلامية بكثافة إلى أوروبا عن طريق صقلية و الأندلس، و بالأخص في طليطلة (على يد جيراردو الكريموني بعد أن استولى الإسبان المسيحيون على المدينة عام 1085). و في صقلية، بعد ضم المسلمون الجزيرة عام 965، و استعادها النورمان مرة أخرى عام 1091، تولّدت ثقافة نورمانية عربية، التي رعاها حكام أمثال روجر الثاني ملك صقلية، الذي كان لديه جنود و شعراء و علماء مسلمين في بلاطه. و يعد كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي كتبه العالم الجغرافي الإدريسي للملك روجر أحد أعظم المخطوطات الجغرافية في العصور الوسطى.
كان للحملات الصليبية أيضًا دورها في تبادل المعرفة بين أوروبا و بلاد الشام، و بالأخص الجمهوريات البحرية التي لعبت دورها في هذا التبادل، حتى أن مدنًا كأنطاكية اختلطت فيها الثقافتين العربية و اللاتينية بشدة.
خلال القرنين الحادي عشر و الثاني عشر، رحل العديد من المسيحيين إلى الأراضي الإسلامية لطلب العلم، أمثال ليوناردو فيبوناتشي و أديلارد أوف باث و قسطنطين الإفريقي. أيضًا خلال القرون الحادي عشر إلى الرابع عشر، درس العديد من الطلبة الأوروبيين في مراكز العلم الإسلامية لدراسة الطب و الفلسفة و الرياضيات و العلوم الأخرى.
أ‌) بلاد الأندلس:
فتح المسلمون الأندلس ووجدوا أهلها يعيشون في جهل مطبق فنقلوهم إلى رحاب العلم وعمروا الأرض وأحيوا الأرض الميتة و زرعوها بأنواع الفواكه و الثمار التي لم تكن موجودة عندهم، و قاموا بإحصاء السكان، و مراقبة الأسواق و ازدهرت التجارة، و قاموا بتصنيع أنواعاً من الصناعات، حتى بلغت الذروة في القرن العاشر الميلادي، و أصبحت عاصمة الخلافة قرطبة يضرب بها المثل في بنائها و الخدمات التي رافقت البناء و حدائقها الغناء وسواني المياه النقية، و قد نالت اللغة العربية إعجاب أهل شتى البلاد المجاورة فأخذوا يتحدثون بها. و قد قام الأوروبيون بترجمة الكثير من مؤلفات المسلمين إلى اللاتينية كما ترجموا كتب جالينوس وأفلاطون وأرسطو وغيرهم. مما سهل نقل العلوم والمعارف العربية الإسلامية إلى أوروبا.
ب‌) جزيرة صقلية:
كانت صقلية المعبر الثاني للحضارة الإسلامية إلى أوروبا في العصور الوسطى فعندما فتح المسلمون الجزيرة و دخلوا مدينة بالرمو نشروا فيها العلم و المعرفة و شقوا الترع و زرعوا الأرض بالقطن و قصب السكر، و استخرجوا من المناجم الفضة و الحديد و النحاس و الكبريت و نشطت الصناعة و التجارة، و شاعت اللغة العربية في أنحاء صقلية و لا تزال المساجد والآثار شاهدة على حضارة العرب هناك.
ت‌) بلاد الشام و الحروب الصليبية:
شن الغرب حروبه الصليبية على بلاد المسلمين وكان هجوماً استعمارياً نتيجة أوضاع أوروبا الدينية و الاقتصادية و المعاشية التي كانت تعيشها أوروبا، و تاريخ الحروب الصليبية كان في نهاية القرن الخامس الهجري وكان الغرض من هذه الحملة السيطرة على حوض البحر المتوسط و الطمع في خيرات العالم الإسلامي، علماً بأن أغلب المجندين كانوا قد خرجوا هروباً من الواقع المعاش و لم يكن همهم طلب العلم إنما قدموا للقتال و الحرب، و قد ساهمت المدن الإيطالية بمد الحملات الصليبية بالمال، وكان
الصليبيون همهم السيطرة على العالم الإسلامي بدليل إنهم أقاموا إمارات لهم في أنطاكية و الرها و طرابلس و مملكة بيت المقدس.
و أحدثت الحروب الصليبية احتكاكاً بين المسلمين و الصليبين بحكم تواجدهم في وسط العالم الإسلامي حيث اكتسبوا الكثير من العادات و المصطلحات العربية و نقلوا إلى أوروبا طرق القتال و وسائل البريد كالحمام الزاجل و المتاريس و المدن المحصنة إضافة على أنواع البذور و الثمار كالأرز و السمسم و الليمون و غير ذلك؛ مما كان له الأثر الكبير في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا.
و يضاف إلى المعابر السابقة عوامل أخرى أثرت في نقل الحضارة الإسلامية للغرب من أبرزها :
ث‌) التجارة:
كان العالم الإسلامي يتوسط منطقة مهمة للتجارة و النقل و التوزيع و بخاصة منتجات الشرق الأقصى و جنوب شرق آسيا و التي كانت حاجة أوروبا في تنام مستمر لاستهلاك منتجاتها و على وجه الخصوص البهارات. لذلك نمت المبادلات
التجارية بين العالم الإسلامي و بيزنطة و أعماق أوروبا، مما أدي إلى نشوء منظومات تجارية متكاملة و مراكز تجارية في جنوب أوروبا أو في بعضها كانت هناك جاليات إسلامية كبيرة، تنقل خبراتها و أدواتها و علومها إلى الغرب. و في المقابل كان التجار الأوروبيون يجوبون المدن الإسلامية على سواحل البحر الأبيض المتوسط، و في رحلات كانت الواحدة منها تستغرق في بعض الأحيان ستة أشهر متواصلة. فكانت فرصة كبيرة لهم لتلقى ثقافة العالم الإسلامي و حضارته و نقلها عند عودتهم إلى الغرب
الأوروبي.
ج‌) طلاب العلم:
كان لهم دور فعال في نقل الحضارة الإسلامية حيث كانوا يفدون إلى العالم الاسلامي لطلب العلم و تلقى المعرفة، و هم كثيرون و لا نريد أن نسترسل في الأمثلة و يكفى أن نذكر هنا ما يذكره ابن جبير أنه شاهد في عكا بعض طلاب العلم الصليبين المقيمين في الشام و الوافدين من أوروبا، يلتحقون بالمدارس العربية، يتلقون العلوم بلغة العرب. و من هولاء الذين تعلموا في العالم العربي "أولا رداف بات"، الذي زار مصر و القدس في سنة1104م و تتلمذ على يد العلماء المسلمين في الفلك و الرياضيات. و بعد عودته إلى انجلترا عُين معلماً للأمير "هنري" الذي أصبح فيما بعد الملك "هنري الثاني"
و في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي قدم إلى مصر و الشام ليوناردو طيبونا نشي و اصله من بيزا إلا انه عاش مع والده في الجزائر فتعلم العربية، ثم سافر إلى المشرق الاسلامي و أتقن فيه الرياضيات. و من هؤلاء أيضاً الجراح الايطالي هوج البولوني، الذي قدم إلى المشرق الاسلامي في عام 1218م و مكث ثلاث سنوات تعلم الكثير في مجال الجراحة و التخدير و تجبير كسور العظام.


6. كلمات لاتينية أصلها عربي:
كان لنقل الغرب للتقنيات والمواد من العالم الإسلامي انعكاسه على العديد من الكلمات التي أصبحت شائعة، إلا أنها في الأصل كلمات عربية، و منها:
· "Admiral"أدميرالأمير البحر
· Alchemy" خيمياء/ "Chemistry"كيمياء الكيمياء
· Algebra" جبراالجبر.
· "Algorithm"خوارزميةمن الاسم اللاتيني "Algorismus"للعالم محمد بن موسى الخوارزمي.
· "Amber" كهرمانعنبر.
· "Artichoke" خرشوفأرض-شوكي.
· "Camphor" كافوركافور.
· "Carat" قيراطقيراط.
· "Coffee" قهوةقهوة.
· "Cotton" قطنقطن.
· "Sugar"سكرسكر.
· "Zero"صفرمن الكلمة اليونانية "zephyrus"التي جاءت من كلمة صفر.


7. خلاصة:
من هنا يتبين لنا أن الحضارة الإسلامية قد أسهمت في وضع أساس الحضارات الحديثة بنصيب موفور وأن فضلها عليها واضح غير منكور، و في الحق، إن الحضارة الإسلامية قد أحدثت ثورة علمية عَمَّ خيرها العالم الإنساني كله، و قد اعترف بذلك
كثير من المفكرين المنصفين الأوروبيين أمثال سارطون و ينكسون و دريبر و زنعريد هونكه، يقول نيكسون "إن أعمال العرب (أي المسلمين) العلمية اتصفت بالدقة وسعة الأفق.
و قد استمد منها العلم الحديث – ما تحمله هذه العبارة من معان - مقوماته بصورة أكثر فعالية مما نفترض". و يقول سيديو:"كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم و الفلسفة و الفنون، و قد نشروهما أينما حلت أقدامهم، و تسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها و ارتقائها".
وفي هذا السياق يؤكد المؤرخ بلاسكو أن النهضة الأوربية أتت مع الفاتحين العرب , أنها كانت حملة حضارية مشبعة بالقوى الشابة القوية السريعة المتقدمة بطريقة مذهلة , و عندما بدأت الحروب الصليبية كان العرب في ذروة مجدهم . يقول الأديب الفرنسي أناتول فرانسيس مخاطبا الأمير فيصل الأول أثناء حضوره مؤتمر باريس للصلح عام 1919 :أحييك بصفتك قائدا عربيا مسلما , فالمسلمون كان لهم النصيب الأكبر في ترقية العالم و إسعاده , فقد خدموا الحضارة الإنسانية خدمة جليلة.
و يقول كارل ماركس رأيه في هذا الصدد ما نصه – لقد وجد العرب نظام الحساب العشري و مبادئ الجبر و الكتابة الحديثة للأعداد , في حين أن المسيحية خلال القرون الوسطى لم تقدم شيء . إن الذي مهد السبيل أمام مادية القرن الثالث عشر و اخذ يترسخ و يمد جذوره بين الشعوب الأوروبية هو الفكر العربي الخلاق.
مراجع البحث:
· أثر الحضارة العربية والإسلامية في الحضارة الغربية/ د . رضا العطار
· ويكيبيديا الموسوعة الحرة
· الموسوعة العالمية العربية

 
لتراث اليوناني والحضارة العربية الإسلامية
عادل زيتون
من الحقائق الثابتة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية أن التراث اليوناني شكّل عنصراً رئيسياً من عناصر تكوينها؛ ولم يتمثل ذلك في وفرة العلوم والمعارف التي أفاد منها العرب من هذا التراث فحسب، وإنما تمثَّل أيضاً في اتخاذ المثقفين العرب والمسلمين قواعد منطق أرسطو دليلاً أو منهجاً لتنسيق مختلف العمليات الفكرية وخدمة العلوم بغية الوصول إلى الحقيقة. ومن هنا جاء هذا المقال ليلقي نظرة علمية على مكانة التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ويبيّن متى وكيف اتصل العرب بهذا التراث؟ ومن هم رعاته؟ ومن هم نقلته إلى العربية؟ وما أهم الكتب التي ترجمت من اليونانية إلى العربية؟ وما مدى تأثير هذا التراث في الفكر العربي والإسلامي؟
· وصلت الثقافة اليونانية إلى العرب عن طريق العلماء الهنود، الذين برعوا بصفة خاصة في الرياضيات والفلك والطب، والتي اعتمدوا في معظمها على التراث اليوناني .
· ترجم العرب ما كتبه اليونانيون في ميدان الفلك والجغرافيا، وذلك لمعرفة مواقيت الصلاة والأعياد ومعرفة الطالع. وقد حظي المنجمون وعلماء الفلك بمكانة كبيرة في البلاط العباسي .
· ويقول ابن أبي أصيبعة إن الفارابي فاق جميع المسلمين في صناعة المنطق «فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وعرف طرق استعمالها»
وصلت الثقافة اليونانية إلى الشرق مع فتوحات الإسكندر المقدوني (المتوفى عام 323 ق.م)، التي امتدت من ليبيا غرباً إلى الهند شرقاً. وقد عمل الإسكندر على نشر الثقافة اليونانية ومزجها مع ثقافات شعوب المناطق التي فتحها. وظلت هذه الثقافة في هذه المناطق بعد انسحاب جيوش الإسكندر منها.) ويهمنا أن نؤكد أن معظم البلاد التي فتحها الإسكندر غدت، بعد الفتوحات العربية، داخل حدود الدولة العربية الإسلامية، ولهذا فقد كان من الطبيعي أن تصل الثقافة اليونانية إلى العرب والمسلمين من خلال عدة مدن كانت لاتزال حتى ذلك الوقت مراكز أساسية للثقافة اليونانية، منها:
1 - الإسكندرية: كان قد أسسها الإسكندر المقدوني، وظهرت فيها مدرسة فلسفية مستمدة من آراء أفلاطون (ت347 ق.م) وأرسطو (ت322 ق.م). وبعد أن انتشرت فيها المسيحية سارت جنباً إلى جنب الفلسفة، حيث استخدم المسيحيون الفلسفة والمنطق اليونانيين، لحل المنازعات بين مذاهبهم. وعند الفتح العربي لهذه المدينة كانت قد اشتهرت بالطب والكيمياء والعلوم الطبيعية.
2 - مدن السريان-النساطرة: مثل نصيبين والرها وغيرهما من مدن شمال الجزيرة السورية، حيث ظهرت فيها مدارس على النمط الإسكندري، أي المزج بين الفلسفة اليونانية والمسيحية. وقامت فيها حركة ترجمة مهمة من اليونانية إلى السريانية قبل الإسلام. وعند الفتح العربي لهذه المدن كانت قد اشتهرت فيها دراسات الفلسفة والمنطق، وسيلعب العلماء النساطرة فيها دوراً علمياً مهماً في العصر العباسي، سواء في قيادة حركة الترجمة من السريانية واليونانية إلى العربية أو المشاركة بفعالية في النهضة العلمية آنذاك.
3 - حران: كانت هذه المدينة مركزاً للثقافة اليونانية، وظل أهلها الصابئة يرفضون اعتناق المسيحية والإسلام، وبرز منهم عدد من العلماء والفلاسفة الذين لعبوا دوراً كبيراً في حركة الترجمة من السريانية واليونانية إلى العربية في العصر العباسي أمثال ثابت بن قرة وأولاده.
4 - جنديسابور: وهي مدينة أسسها الملك الفارسي سابور الأول (ت 272م) في جنوب غربي إيران، لتكون معسكراً لأسرى الروم. ثم لجأ إليها عدد من الفلاسفة اليونانيين بعد أن أغلق الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني (ت 565م) مدرسة الفلسفة في أثينا عام 529م. كما هاجر إليها الكثير من العلماء النساطرة نتيجة الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له في ظل الدولة البيزنطية التي تعتنق المسيحية على المذهب الملكاني. وسرعان ما اشتهرت جنديسابور بمدرستها الطبية والمشفى الملحق بها. وكان التعليم فيها يقوم على أكتاف العلماء اليونانيين والنساطرة. واللغة المستخدمة فيها كانت اليونانية والسريانية. وبعد الفتح العربي استمرت هذه المدينة بالازدهار العلمي، وفي العصر العباسي انتقل علماؤها النساطرة تدريجياً إلى بغداد وأفل نجمها، ومن هؤلاء العلماء آل بختيشوع، الذين توارثوا خدمة الخلفاء العباسيين منذ عهد أبي جعفر المنصور.
5 - الهند: كما وصلت الثقافة اليونانية إلى العرب عن طريق العلماء الهنود، الذين برعوا بصفة خاصة في الرياضيات والفلك والطب، والتي اعتمدوا في معظمها على التراث اليوناني. وقد هاجر عدد من هؤلاء العلماء الهنود إلى بغداد وهم يحملون معهم الثقافة اليونانية إلى جانب ثقافة بلادهم، وشاركوا في الكثير من ميادين الثقافة العربية آنذاك.
بدايات الترجمة إلى العربية:
يجمع المؤرخون على أن الترجمة من اليونانية إلى العربية بدأت في العصر الأموي على يد الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (ت 85 هـ). فقد كان هذا الأمير مرشحا لتولي الخلافة بعد أخيه معاوية الثاني، إلا أن مروان بن الحكم (ت 65 هـ) نجح في انتزاعها له ولأولاده من بعده، وبالتالي تحطم حلم خالد في ميدان السياسة وعمل على التعويض عنه بتحقيق المجد في الميدان العلمي، ولاسيما أنه قد امتلك الطموح العلمي والثروة المادية. فقد كانت أهم النظريات الرائجة في ميدان الكيمياء (علم الصنعة) آنذاك، والموروثة عن اليونان والرومان، أن المعادن الرخيصة، مثل النحاس والرصاص والقصدير يمكن أن تتحول إلى ذهب وفضة بواسطة مادة كيميائية غامضة؛ ولهذا استقدم خالد من الإسكندرية أحد العلماء، اسمه «مريانوس»، ليعلمه الكيمياء، وبعد أن أتقنها أمر بترجمة ما كتب باليونانية والقبطية في الكيمياء إلى العربية، فقام بهذا العمل عالم اسمه «اصطفان». وهذه هي أول عملية ترجمة من لغة إلى اللغة العربية. ورغم أن خالد فشل في تحويل تلك المعادن إلى ذهب إلا أنه حقق بعض الاكتشافات في هذا الميدان، كما تشير المصادر إلى أن الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز (ت 101 هـ) أمر بنقل بعض كتب الطب من اليونانية إلى العربية. ومهما يكن من أمر فإن حركة الترجمة في هذا العصر، على تواضعها، كانت مقدمة لحركة الترجمة الكبرى التي شهدها العصر العباسي.
الترجمة في العصر العباسي:
كانت ترجمة التراث اليوناني إلى العربية، حدثاً ثقافياً كبيراً، لما ترتب عليها من نتائج بالغة الأهمية، فما العوامل التي ساعدت على ازدهارها في العصر العباسي؟
1- دعم المجتمع العباسي لحركة الترجمة، إذ لم يقتصر هذا الدعم على الخلفاء العباسيين فحسب وإنما امتد إلى الوزراء والعلماء، ففي مقدمة الخلفاء الذين قاموا برعاية الترجمة يأتي أبو جعفر المنصور (ت 158 هـ) الذي كلّف طبيبه جورجيس بن بختيشوع بترجمة بعض كتب الطب من اليونانية إلى العربية؛ ومن ثم الخليفة المهدي (ت 169 هـ) الذي تُرجم له بعض كتب المنطق، ثم الرشيد (ت 193 هـ) الذي تُرجم له بعض كتب الطب، ثم المأمون (ت 218 هـ) الذي بلغت الترجمة في عهده ذروتها لما كان يتمتع به هذا الخليفة من شغف بعلوم الأوائل (أي علوم اليونان). ومن الوزراء الذين كانوا من رعاة حركة الترجمة نذكر الوزراء البرامكة، والوزير الزيات (ت235هـ) الذي كان ينفق على النساخين والمترجمين ما يقرب من ألف دينار شهرياً. ومن العلماء نذكر أولاد موسى بن شاكر: محمد وأحمد والحسن، الذين كانوا ينفقون على الترجمة نحو خمسمائة دينار شهرياً.
2 - إن الازدهار الاقتصادي الذي عاشت في ظله الدولة العباسية شكّل سنداً قوياً لحركة الترجمة، حيث تمكنت من الإنفاق بسخاء للحصول على الكتب اليونانية ومكافأة المترجمين.
3 - إن بناء المؤسسات التي تخدم حركة الترجمة كان عاملاً مهماً في ازدهارها، حيث بنى الرشيد نواة بيت الحكمة في بغداد وقام المأمون باستكماله حتى غدا مركزاً مهماً للترجمة والنسخ، فضلا عن مكتبة للمطالعة، كما أن تأسيس أول معمل للورق في بغداد في عهد الرشيد شكل ثورة في عالم الثقافة، حيث أصبح الحصول على الكتاب أمراً ميسوراً.
4 - إن التسامح الديني الذي ساد العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع العباسي شكّل دافعاً قوياً لمساهمة غير المسلمين في الحركة العلمية النشطة التي غمرت المجتمع العباسي ولا سيما حركة الترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية، ولهذا لعب مثقفو مصر وبلاد الشام والعراق وبلاد فارس، من نساطرة ويعاقبة وصابئة وغيرهم، دوراً رائعاً في هذه الحركة.
أهم المترجمين
لقد اهتم المؤرخون العرب والمسلمون بذكر أسماء المترجمين وتصنيفهم وفقاً لجودة ترجماتهم، وبخاصة ابن النديم صاحب كتاب «الفهرست» وابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء». وسنكتفي بذكر بعض أهم هؤلاء:
1 - حنين بن إسحق (ت260هـ) وهو من نساطرة الحيرة، وكان يتقن أربع لغات، هي: السريانية واليونانية والعربية والفارسية، وكان يترجم من اليونانية والسريانية إلى العربية. وكان المأمون يعطيه وزن ما يترجمه ذهباً. ترجم حنين وتلاميذه زبدة المؤلفات اليونانية، وتناولها بالشرح والاختصار، وتولى رئاسة بيت الحكمة في عهد الخليفة المتوكل (ت 248 هـ).
2- ثابت بن قرة (ت288هـ) وهو من صابئة حران، وانتقل إلى بغداد بصحبة محمد بن موسى بن شاكر، الذي أوصله بالخليفة المعتضد (ت 289 هـ) فأدخله في جملة منجميه. ولم يكن أحد في أيام ثابت يماثله في الترجمة وصناعة الطب.
3 - قسطا بن لوقا البعلبكي (ت288هـ) وهو من المسيحيين الملكانيين، ولد في بعلبك، وكان يتقن السريانية واليونانية والعربية.
4 - إسحق بن حنين (ت298هـ)، وكان في مستوى أبيه في الترجمة من اليونانية والسريانية إلى العربية، وساعد والده في بيت الحكمة، وترجم وصحح أكثر من نصف مؤلفات أرسطو.
5 - وهناك عدد كبير آخر من المسيحيين الذين ذاع صيتهم في الترجمة، نذكر منهم على سبيل المثال: حبيش الأعسم (ابن أخت حنين بن إسحق) والحجاج بن مطر وعبدالمسيح بن ناعمة الحمص ومتى بن يونس ويحيى بن عدي وغيرهم. وكان هؤلاء المترجمون يتمتعون بكفاءة علمية كبيرة، ولم يقتصر عملهم على الترجمة فحسب وإنما وضعوا شروحاً وملخصات لتسهيل فهم ما يترجمونه للقراء العرب والمسلمين، هذا فضلاً عن أن هؤلاء المترجمين قاموا كما سنرى- بتأليف كتب ذات قيمة علمية تضاهي أحيانا المستوى العلمي لما يترجم من اليونانية.
دوافع الترجمة في العصر العباسي:
رغم تباين آراء الباحثين حول دوافع ترجمة التراث اليوناني إلى العربية، إلا أنهم أجمعوا على عدة دوافع نذكر منها:
1 - دوافع علمية: وهي رغبة رعاة الترجمة في العصر العباسي، من خلفاء ووزراء وعلماء، في الاطلاع على الثقافات القديمة والإفادة منها، ولا سيما أن الإسلام وقف منها موقفاً إيجابياً بغض النظر عن عقائد أصحابها. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها ولا يبالي في أي وعاء خرجت». ومن ناحية أخرى فقد وجد العرب في علوم اليونان إنتاجاً عقلياً متميزاً، ولابد من استيعابه للانتقال إلى مرحلة التجديد والإبداع.
2 - دوافع دينية: وهي الرغبة في استخدام الفلسفة والمنطق اليونانيين للدفاع عن الإسلام، بطريقة عقلانية، في المناقشات التي كانت تدور بينهم وبين المثقفين اليهود والمسيحيين والمانويين وغيرهم، خاصة أن هؤلاء كانوا يحسنون استخدام المنطق الأرسطي في حوارهم مع المسلمين، وبالتالي كانت الحاجة ماسة إلى دليل بالعربية يكون بأيدي المثقفين يعلمهم قوانين المناظرات وقواعد الحوار، ولهذا كان لابد من ترجمة كتب الفلسفة والمنطق اليونانيين إلى العربية.
3 - دوافع اجتماعية: وهي الرغبة في تلبية حاجات المجتمع وتنظيم شئونه، فكل العلوم اليونانية التي تُرجمت إلى العربية تخدم جانبا من جوانب المجتمع العربي، والمثال على ذلك: (أ) الطب: ترجم العرب معظم مؤلفات عمالقة الطب اليوناني، أمثال أبقراط (القرن الخامس ق.م) وجالينوس (ت 199 م)، وذلك للإفادة منها في حماية الصحة ومعالجة الأمراض. (ب) الهندسة والحساب: ترجم العرب معظم المؤلفات اليونانية في هذه الميادين، مثل مؤلفات إقليدس (ولد عام 330 ق.م) وأبلونيوس (ت 190 ق.م) وغيرهما، وذلك لحاجتهم إليها في مسح الأراضي وأعمال الري وحل مشكلات الإرث وحسابات بيت المال والخراج.. إلخ. (جـ) الكيمياء: ترجم العرب ما كتبه اليونانيون في ميدان الكيمياء منذ أيام خالد بن يزيد (كما أشرنا)، وكذلك اهتم الخليفة أبو جعفر المنصور بالكيمياء رغبة منه في الحصول على الذهب والفضة، هذا بالإضافة إلى فوائد الكيمياء الأخرى التي تخدم حاجات المجتمع. (د) الفلك والجغرافيا: ترجم العرب ما كتبه اليونانيون في ميدان الفلك والجغرافيا، وذلك لمعرفة مواقيت الصلاة والأعياد ومعرفة الطالع. وقد حظي المنجمون وعلماء الفلك بمكانة كبيرة في البلاط العباسي، وهذا يفسر لنا أسباب ترجمة كتب بطليموس (ت 170 م) المتعلقة بالجغرافيا والفلك إلى العربية أكثر من مرة.
4 - دوافع نفسية: ينقل بعض المؤرخين، أمثال ابن النديم وابن أبي أصيبعة رواية مفادها أن الخليفة المأمون رأى في منامه الفيلسوف اليوناني أرسطو، وسأله: «ما الحُسْن؟ فقال أرسطو: ما حَسُن في العقل، قلت ثم ماذا؟ قال: ما حَسُن في الشرع، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حسن عند الجمهور، قلت: ثم ماذا؟ قال: لا ثم». ويؤكد هذان المؤرخان أن هذا الحلم كان وراء حركة ترجمة التراث اليوناني إلى العربية. ولكن التحليل العلمي لهذا الحلم يدل على مدى احترام المأمون لأرسطو، ورغبته في نشر المنهج العقلاني في الأوساط الثقافية، هذا فضلاً عن رغبة الخليفة في دعم موقفه المؤيد للمعتزلة الذي يشكل العقل جوهر فكرهم ومقياس أحكامهم. ويهمنا أن نؤكد أن هذا الحلم قد تُرجم على أرض الواقع، حيث أجرى الخليفة اتصالاته مع إمبراطور الروم وجلب أحمالا من الكتب اليونانية من بلاد الروم إلى بيت الحكمة في بغداد، وأحضر أمهر المترجمين لنقلها إلى العربية.
أهم كتب التراث اليوناني التي ترجمت إلى العربية:
لقد ترجم إلى العربية معظم التراث اليوناني الذي وجد فيه المثقفون العرب والمسلمون قيمة علمية كبيرة ويلبي حاجتهم، وسنكتفي بذكر أمثلة عما ترجم، أولاً: في ميدان الفلسفة: تُرجمت بعض مؤلفات أفلاطون مثل كتابيه «السياسة» و«النواميس» وقد ترجمهما حنين بن إسحق. كما ترجمت محاوراته السبع. وتجدر الإشارة إلى أن ما وصلنا من تراث أفلاطون أقل مما وصلنا من تراث أرسطو، وربما يعود ذلك إلى اكتساح أرسطو وفلسفته الميدان الثقافي العربي الإسلامي آنذاك. كما تُرجمت إلى العربية مؤلفات أرسطو وقد وصلت إلينا هذه الترجمات جميعها باستثناء كتاب «الكون والفساد» والمقالتين الأخيرتين من كتابه «ما بعد الطبيعة». ومن كتب أرسطو التي ترجمت إلى العربية نذكر كتاب «المقولات» ترجمة حنين بن إسحق و«البرهان» ترجمة متى بن يونس و«الجدل» ترجمة يحيى بن عدي و«الخطابة» ترجمة إسحق بن حنين. ثانياً: في ميدان الهندسة: ترجم العرب مؤلفات إقليدس مثل كتابه «أصول الهندسة» الذي ترجمه الحجاج بن مطر مرتين، الأولى أيام الرشيد وعرفت بالهارونية، والثانية أيام المأمون وعرفت بالمأمونية. كما ترجمه إسحق بن حنين وأصلحه ثابت بن قرة. كما ترجمت مؤلفات أبلونيوس مثل كتابه «المخروطات» الذي ترجمه هلال الحمصي وثابت بن قرة ومؤلفات أرخميدس (ت 211 ق.م) مثل كتابه «المخروطات» الذي ترجمه ثابت بن قرة. ثالثاً: في ميدان الطب: ترجمت معظم مؤلفات أبقراط الملقب «أبوالطب» مع شروحها، مثل كتابه «الأمراض الحادة» وكتاب «الأخلاط» و«الكسر» وغيرها. وممن ترجم مؤلفاته نذكر: حنين بن إسحق وحبيش الأعسم. كما ترجمت مؤلفات جالينوس، الذي حظي بمكانة كبيرة عند العرب بسبب كثرة مؤلفاته وتنوعها، ويقول حنين بن إسحق إن ما ترجم من كتب جالينوس بلغ نحو مائة كتاب، وترجم حنين وحده منها نحو أربعة وثلاثين كتاباً، في حين ترجم البقية ابنه إسحق وابن أخته حبيش وغيرهما. ومن كتب جالينوس التي ترجمت إلى العربية نذكر كتاب «التشريح الكبير» و«الأدوية المفردة» و«المولود لسبعة أشهر». رابعاً: في ميدان الجغرافيا والفلك: ترجمت معظم مؤلفات الجغرافي بطليموس المتعلقة بالجغرافيا والفلك والتنجيم. مثل كتابه «المجسطي» الذي ترجمه إسحق بن حنين وأصلحه ثابت بن قرة، ويبدو أنه كان قد تُرجم أيضا أيام الرشيد.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يُترجم إلى العربية ما كتبه اليونانيون في ميدان الأدب والشعر، وربما يعود ذلك لأسباب عدة منها:
1 - أن الأدب اليوناني اشتمل على أساطير وخرافات تتمثل في صراع الآلهة وهذا لم يتقبله عقل العربي.
2 - أن الأدب عموماً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بذوق الشعوب، والذوق العربي ينفر من تلفيق الروايات ويأنف من سماع القصص المختلقة.
3 - ربما شعر العرب بالاكتفاء الذاتي في ميدان الشعر والأدب مما صرفهم عن ترجمة كتب الشعر والأدب.
4 - أن العرب لم يتأثروا بالشعراء والمؤرخين اليونان لأنه عندما ورث العرب ثقافة اليونان كان الفكر اليوناني منصرفاً إلى العلم، وكانت الإسكندرية التي حلّت محل أثينة- قد اصطبغت بالنزعة العلمية، ولهذا تأثر العرب بالفلاسفة والأطباء والفلكيين وليس بالأدباء والشعراء.
سمات الترجمة في العصر العباسي:
إذا دققنا في طبيعة حركة الترجمة في العصر العباسي ومضمونها يمكن أن نتلمس سمات عامة تختلف اختلافاً كلياً عن تلك التي جرت في العصر الأموي، ومنها:
1 - لقد سارت الترجمة في العصر العباسي وفقا لخطة مدروسة في حين كانت في العصر الأموي عفوية أو عشوائية.
2 - أصبحت الترجمة في العصر العباسي سياسة للدولة في حين كانت في العصر الأموي بدوافع فردية أو شخصية.
3 - شملت الترجمة في العصر العباسي معظم التراث اليوناني من فلسفة وطب وهندسة ورياضيات وعلوم وجغرافيا وفلك.. في حين اقتصرت الترجمة في العصر الأموي على الكيمياء.
4 - تلقت حركة الترجمة في العصر العباسي دعماً مادياً ومعنوياً من الدولة وفئات عريضة من المجتمع العباسي، رسمية وغير رسمية، كما أشرنا، في حين لم تتلق هذا الدعم من الدولة الأموية، وإنما كل ما تم كان على نفقة من أمروا بها.
5 - استمرت الترجمة في العصر العباسي نحو قرنين ونيف (من منتصف القرن الثاني حتى نهاية القرن الرابع الهجريين)، في حين كانت حركة الترجمة في أيام الأمويين سريعة الزوال.
الفلاسفة والتراث اليوناني:
إن رصد تأثير التراث اليوناني في الحضارة العربية الإسلامية موضوع لا يحتمله مقال كهذا، ولهذا سنكتفي بالإشارة إلى أثر هذا التراث في إبداعات بعض الفلاسفة العرب والمسلمين، الذين بذلوا جهودا جبارة للحصول على كتب التراث اليوناني ودراستها واستيعابها والإفادة منها، لأنهم كانوا يدركون أن هذه الجهود تشكل المقدمة الطبيعية للانتقال إلى مرحلة العطاء والإبداع. ومن هؤلاء نذكر:
1 - الكندي (ت 252 هـ)، وقد أُطلق عليه لقب «فيلسوف العرب» وجاءت مؤلفاته لتعالج الموضوعات نفسها التي تناولتها الفلسفة اليونانية. وكان الكندي يعلن دائما أنه تلميذ أرسطو. وقام بتلخيص وتفسير الكثير من المؤلفات اليونانية مثل كتابه «أغراض كتاب إقليدس» وكتاب «تقريب قول أرخميدس» و«الطب البقراطي» و«قصد أرسطو في المقولات» وغيرها.
2 - الرازي (ت320 هـ)، تأثر الرازي تأثراً كبيراً بالتراث اليوناني لدرجة أنه لقب «جالينوس العرب». وتؤكد مؤلفاته هذه الحقيقة، مثل كتابه «اختصار النبض الكبير لجالينوس» و«الشكوك والمناقضات في كتب جالينوس» و«العلم الإلهي على رأي أفلاطون» وغيرها.
3 - الفارابي (ت 339 هـ)، درس الفارابي الفلسفة اليونانية في بغداد على يد العالم يوحنا بن حيلان، كما أخذ عنه صناعة المنطق. ويقول ابن أبي أصيبعة إن الفارابي فاق جميع المسلمين في صناعة المنطق «فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وعرف طرق استعمالها». وأصبح الفارابي أستاذا للفلاسفة يدرسون على يديه صناعة المنطق. ويقول ابن سينا إنه قرأ كتاب «ما بعد الطبيعة» لأرسطو أربعين مرة دون أن يفهم ما فيه حتى قرأ كتاب الفاربي في «أغراض ما بعد الطبيعة» فعندئذ انفتح عليه ما كان غامضاً. وسئل الفارابي: من أعلم أنت أم أرسطو؟ فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه. وقد لُقب الفارابي بـ «المعلم الثاني»، لأن أرسطو كان قد لقب بـ «المعلم الأول». ومن مؤلفات الفارابي المتعلقة بالتراث اليوناني نذكر: كتاب «شرح كتاب المجسطي» كما شرح كتب أرسطو مثل كتاب «البرهان» و«الخطابة» و«القياس» وغيرها.
4 - ابن سينا (ت 428 هـ)، درس ابن سينا كتب المنطق الأرسطي وكتب إقليدس وبطليموس وغيرها، بحيث لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره حتى استوعب كتب الفلسفة اليونانية بكل فروعها. ويقول أحد الباحثين «لقد صب ابن سينا التراث الطبي اليوناني ومعارف العرب الطبية في كتابه الضخم «القانون في الطب» وهذا الكتاب يُعد مفخرة التفكير العربي المنظم ونهاية ما وصل إليه من عبقرية». ولا يسعنا المجال للحديث عن أثر الفكر اليوناني في عدد آخر من الفلاسفة والعلماء المسلمين، أمثال: ابن الهيثم (ت 430 هـ) الذي لخص الكثير من كتب أفلاطون وأرسطو وأبقراط وجالينوس وأفاد منها. والبيروني (ت 442 هـ) الذي كانت ثقافته يونانية، وحذا في تأليف كتابه «القانون المسعودي» حذو كتاب «المجسطي» لبطليموس، وابن رشد (ت 595 هـ) الذي كان أعظم المتخصصين في فلسفة أرسطو في العصور الوسطى، حتى أن دانتي أطلق عليه في «الكوميديا الإلهية» لقب «الشارح الأكبر».
وامتد تأثير الفكر اليوناني في ميادين أخرى في الثقافة العربية مثل اللغة العربية نفسها، فالكتاب المنسوب إلى سيبويه في النحو إنما نشأ تحت تأثير منطق أرسطو، حيث نجده وقد رُتّب ترتيبا منطقيا، يبدأ بتقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف.. كما ظهر تأثير الفكر اليوناني في مؤلفات الجاحظ الذي كان مطلعاً عليه اطلاعاً واسعاً. وكان للبلاغة اليونانية أثر في علم البلاغة العربي.
كما كان للفلسفة اليونانية تأثير في مضمون الشعر العربي فقد اشتملت قصائد العديد من الشعراء العرب على معانٍ فلسفية وحكمٍ مقتبسة من الفلسفة اليونانية أمثال: الشاعر صالح عبدالقدوس وأبي تمام والمتنبي والمعري وغيرهم. كما أسهم التراث اليوناني في التكوين العلمي للمترجمين أنفسهم، حيث ألفوا بالعربية بالإضافة إلى ما ترجموه- كتبا في الكثير من ميادين العلم والمعرفة، تحت تأثير الثقافة اليونانية، وهذه المؤلفات أطلق عليها أصحابها تواضعا اسم: مقدمات أو مختصرات أو رسائل.. وقد اشتمل بعضها على إبداعات ذات قيمة علمية كبيرة، كما أنها ساعدت القراء العرب على استيعاب الفكر اليوناني استيعاباً صحيحاً، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
1 - ألف حنين بن إسحق كتباً كثيرة منها كتاب «الأغذية» و«عشر مقالات في العين».
2 - ألف إسحق بن حنين كتاب «الأدوية المفردة» وغيره.
3 - ألف قسطا بن لوقا كتاب «البلغم» و«المدخل إلى المنطق» وغيرهما.
4 - ألف ثابت بن قرة كتاب «اختصار المنطق» و«اختصار ما بعد الطبيعة» وغيرهما.
الخاتمة:
وبناء على ما تقدم يمكن القول إن نقل التراث اليوناني إلى العربية شكّل منعطفاً كبيراً في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وقد تجلّت آثاره العميقة في ما أبدعه الفلاسفة والعلماء العرب والمسلمون في معظم ميادين العلم والمعرفة. كما شكل هذا التراث نفسه بعد أن تُرجم من العربية إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي- عنصراً أساسياً في بناء النهضة الأوربية الحديثة.
* باحث وأكاديمي من سورية.
المصدر : مجلة العربي الكويتية
 
عودة
أعلى