أثر الحضارة العربية والإسلامية في الحضارة الأوربية عده الجزائري
09:19 - 2014/04/15
1. مقدمة: يذكر ابن خلدون في مقدمته أن بغداد كانت المركز الثقافي لبلدان الشرق وسوقا تجاريا عالميا تتعامل مع نيسابور وبخارى و طاشقند و القاهرة و القيروان و قرطبة , وكانت بغداد السوق المالية المزدهرة متحكمة في دينارها الذهبي ودرهمها الفضي , وفي الوقت نفسه كانت انهار الثقافة تتدفق على بغداد من ينابيعها القديمة في مصر وبابل والشام لتفجر بركان الأبداع في عاصمة الإمبراطورية الإسلامية حتى غدت منارا للإشعاع الفكري ورائدة للنهضة الثقافية , فقد ادخل الخليفة العباسي المأمون الى بلاطه اساطين العلم والمعرفة من شتى الأرجاء لينشروا ما عندهم ويترجموا الكتب اليونانية واللاتينية والفارسية و السنسكريتية والهندية والسريانية إلى اللغة العربية وبذلك اغنوا البلاد بعلمهم الوافر ومعرفتهم الواسعة و إبداعاتهم الخلاقة. و بينما كانت أوربا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما أقسى صنوف العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت أكثر من ألف عام، كانت العواصم في الوطن العربي الكبير كبغداد زمن العباسيين و القاهرة زمن الفاطميين و قرطبة زمن الأندلسيين تطفح بالأزدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب بل جاوزتها إلى البلدان الأوربية ودخلت جامعاتها. 2. أوربا خلال القرون الوسطى:
العصور الوسطىهي فترة من تاريخ أوروبا بدأت بسقوطالإمبراطورية الرومانية الغربية، و استمرت حتى القرن السادس عشر الميلادي. اختفت فيتلك الفترة أقوى الحكومات التي أسسها الرومان، و حلت محلها دويلات و ممالك صغيرة.
و أصبحت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، القوة الوحيدة صاحبة أوسع نفوذ في القارة،ليس في الأمور الدينية فحسب بل في ميادين السياسة و الفنون و العلم أيضًا.
كانت القرون الأولى من العصور الوسطى، خاصة من القرن الخامس إلى أواخر القرنالعاشر الميلاديين أقرب إلى أن تكون مظلمة لذا سميت بالقرون المظلمة، حيث أصيبت حضارة غربي أوروبا بالانحطاط،و لم يتبق من معرفة الرومان القدامى سوى ما بقي في قلة قليلة من مدارس الأديرةو الكاتدرائيات و البلاط. أما المعرفة التي نُقلت عن اليونانيين فقد اندثرت تقريبًا.و كان الذين تلقوا علمًا فئة قليلة من الناس، كما ضاع الكثير من المهارات الفنيةو التقنية القديمة. و أمسى الكُتّاب، في جهالتهم، يتقبلون الحكايات الشعبية و الشائعاتعلى أنها حقيقة.
ظلت معظم دول أوروبا تعاني من الفقر وقلة السكان طيلة الفترة الواقعة بينالقرنين الخامس والعاشر الميلاديين. كما لم يكن في الإمكان استغلال المساحاتالشاسعة التي تغطيها المستنقعات و الغابات الكثيفة في الزراعة. و لقد أدى تفشيالأمراض و انتشار المجاعات و نشوب الحروب و انخفاض معدل المواليد إلى عدم زيادة عددالسكان، بالإضافة إلى أن معدل عمر الإنسان الأوروبي أصبح لا يتعدى الثلاثين عامًا. بينما كانت أوربا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما أقسى صنوف العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت أكثر من ألف عام، كانت العواصم في الوطن العربي الكبير كبغداد زمن العباسيين و القاهرة زمن الفاطميين و قرطبة زمن الأندلسيين تطفح بالازدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب بل جاوزتها إلى البلدان الأوربية ودخلت جامعاتها. 3. الحضارة العربية الإسلامية: مرت الحضارة العربية الإسلامية بمراحل ثلاث قبل أن تنضج وتبدع وتسهم في بناء حضارة الإنسان أولها مرحلة الترجمة و الاقتباس و التمثل التي دامت طوال العصر العباسي الأول وتلتها مرحلة الإبداع والخلق أما المرحلة الثالثة فكانت حقبة العالمية حين أخذ الغرب ينقل إلى لغاته العلوم التي حصلها العرب والتي أبدعوها . ففي العصر الأموي بدأت حركة ترجمة فردية محددة على يد الأمير خالد بن يزيد الذي دعا بعض علماء مدرسة الإسكندرية إلى دمشق لكي ينقلوا له بعض كتب الإغريق في الطب والفلك والكيمياء ويقول ابن خلكان: كان خالد عالما بالطب والكيمياء وكتب في هذين العلمين وتعلم الصنعة من الراهب اليوناني (مريانوس) . ويؤكد صاحب الفهرست بأن هذه الترجمات هي الأولى من أية لغة منذ ظهور الإسلام. ثم أمر الخليفة عمر بن العزيز بترجمة كتاب طبي من السريانية هو كناش (أهارون) لضرورات عملية بحتة. وبعد نصف قرن استؤنف هذا العمل على نطاق أوسع و أعم جعل من القرن التاسع عصرا فريدا من نوعه في تاريخ الإنسانية. ففي نهاية القرن الثامن الميلادي لم يكن بحوزة العرب من الثروة العلمية إلا ترجمة لموسوعة طبية وكتب فلكية ولكن لم ينته القرن التاسع إلا وقد تمثلوا كل علوم اليونان وأصبح لديهم علماء من الطراز الأول. فقد تعرفوا على مدرسة جنديسابور التي لعبت الدور الرئيسي في الحركة العلمية التي كانت بغداد مسرحها كما زودتها بخميرة حركت العالم الإسلامي برمته. لقد انتشرت الكتب التي ترجمت بين الناس فتداولوها و نسخوها و قرءوها و أنشأت الدولة دورا للكتب في كل مكان. ففي عام 891م أحصى مسافر عدد دور الكتب في بغداد فكانت أكثر من مائة. وكان في سوق الكتب عند بوابة البصرة ببغداد أكثر من مائة متجر لبيع الكتب. فمن هذا الوسط التجاري برز علماء ألفوا الكتب و صنفوها، على رأسهم محمد بن إسحق بن النديم البغدادي صاحب الفهرست، الكتاب الذي يحوي أسماء جميع الكتب و الترجمات التي ظهرت خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى. فلقد شجع الخلفاء المسلمون هذه الحركة العلمية الشاملة بدافع من حبهم الشخصي للعلم و شعورهم بالمسئولية تجاه الدين الذي يحث على طلب العلم و يرفع من منزلة العلماء. و يقول الدكتور فؤاد سيزكين في هذا المعني: لا بد من فهم موقف الدين الإسلامي من العلم، و موقفة هذا كان المحرك الكبير لا للحياة الدينية فحسب بل للحياة الإنسانية من جميع جوانبها و موقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي و وراء العلوم و فتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية و لولاه لانحصرت الترجمة في الأشياء الضرورية للحياة العملية وحدها، و لعل أكبر دليل على أن رغبة المسلمين في العلم لم تنبع من حاجاتهم المادية هو انكبابهم على تحصيل العلوم النظرية البحتة منذ بزوغ شمس هذه الحركة في عهد المنصور فقد ذكر حاجبي خليفة أن المنصور أرسل سفراء إلى القسطنطينية جلبوا منها كتب إقليدس وكتبا بالفيزياء ترجموها وقرءوها بسرعة فائقة. و من أوائل العلوم التي طرق العرب بابها و أبدعوا فيها الكيمياء و هي بلا شك وليدة مدرسة الإسكندرية و قد وجدت بدمشق أرضا خصبة فقد تعهدها رجلان ينتميان إلى أشرف البيوت خالد بن يزيد و الإمام جعفر الصادق الذي أنجب تلميذا ارتبط اسمه مع الكيمياء أبد الدهر و هو جابر بن حيان الذي يعتبر بحق أول رائد لهذا العلم، و من العلوم التي شغل فيها العرب مركز الريادة علم الحساب إذ أن ترجمة كتب كبار العلماء اليونان كإقيلدس و بطليموس و هيرون و غيرهم أثار في نفوس العرب الرغبة في استكشاف مجاهل العلوم الدقيقة، ففي نهاية القرن العاشر أصبح العرب على علم تام بحساب براهماكوبتا الهندي و بالجبر و استعملوا الصفر و النظام العشري الذي أحدث ثورة في عالم الرياضيات،, كما أن كلمات الجبر و الكيمياء و اللوغاريتم و الصفر كلها ذات أصول عربية صريحة. فقد وضع العرب أسس الهندسة التحليلية و المثلثات المسطحة و الكروية التي لم تكن معروفة من قبل الرياضيين الإغريق . إذ نشر الخوارزمي منذ عام 825م أعماله الهامة المتعلقة بالجبر وسماها "كتاب حساب الجبر و المقابلة" و أهداه إلى الخليفة المأمون. أما في الفيزياء فلم يكتف العرب بإعادة النظر بنظريات الإغريق و توضيحها بل إنهم أضافوا إليها الكثير من مكتشافتهم فابن الهيثم المولود في البصرة عام 965م كان بلا شك أكبر فيزيائي عربي فقد عارض في كتابه "البصريات" إقليدس و بطليموس في تصورهما الخاطئ بأن الشعاع البصري يخرج من داخل العين إلى الأشياء الخارجية و بذلك قلب النظرية اليونانية بالنسبة لوظيفة "الحجرة المظلمة" كما درس انكسار الضوء و في علم الحيل " الميكانيك " عرف مبدأ العطالة التي صاغها فيما بعد إسحاق نيوتن في قانونه المتعلق بالحركة. لقد أصبح كتاب المناظير لابن الهيثم أساس جميع البصريات في القرون الوسطى خصوصا أعمال روجيه بيكون في القرن الثالث عشر. أما في عصر النهضة فقد تأثر به ليوناردو دافنتشي ويوهان كيبلر. ومن بين العلوم التي برز فيها العلماء العرب و أنتجوا و أفاضوا على غيرهم مما أبدعوا من معارف علم الجغرافيا فقد ظهر من بينهم منذ بداية القرن التاسع رحالة و جغرافيون طافوا العالم المعروف في زمانهم كالخوارزمي و سليمان تاجر صيراف اللذين بلغا الهند و الصين و لحق بهما ابن جبير في القرن الثاني عشر و ابن بطوطة في القرن الرابع عشر. و بين الخوارزمي وابن بطوطة ظهرت أعداد من الرحالة و الجغرافيين و الخرائطيين و مؤلفي المعاجم الجغرافية جمعت أعمالهم في موسوعة من ثمانية مجلدات تحت اسم المكتبة الجغرافية العربية قام بهذا العمل الجليلM.J. GOEJE في ليدن بهولندا في عام 1870 . هذا و تعد أعمال الشريف الإدريسي المولود في سبتة بالمغرب الأقصى أهم ما أنتجه العرب في حقل الجغرافيا لأنها بقيت حتى عصر النهضة، المراجع التي اعتمد عليها الأوربيون في إغناء معلوماتهم الجغرافية. وبعد زمن الإدريسي بقليل قام الرحالة ابن جبير برحلته إلى مشرق العالم العربي دون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى لأنه حسن الملاحظة وصريح العبارة. كما ظهرت في القرن الثالث عشرة معاجم جغرافية جمع فيها ياقوت و القزويني كثيرا من المعلومات الجغرافية رتبوها على الحروف الهجائية. لم يكتف علماء المسلمين بترجمة كتب علماء العصور السابقة بل تعدوا ذلك إلى تصنيف المؤلفات، حتى أنه صار لهم في كل مجالات الحياة مؤلفات و إنجازات صارت فيما بعد مراجع للحضارة الأوربية المعاصرة. 4. أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية:
اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة الإسلامية كان لها آثار بالغة في الحضارة الغربية، و نستطيع أن نجمل هذه الآثار في ميادين أربعة رئيسية: ·ميدان العقيدة والدين ·ميدان التشريع ·ميدان اللغة والأدب ·ميدان العلوم التطبيقية أ- ميدان العقيدة و الدين:
قد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته و روبوبيته و أسمائه و صفاته، و تنزيهه عن التجسيم و التشبيه و التعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته و صلته مع الله و فهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته، كان عاملاً كبيراً في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق و الغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله و عباده، و يدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين و مراقبتهم، و يؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن للعلماء المسلمين من آراء في العقيدة و الوحي، و قد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية . ب- ميدان التشريع: لم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية على العقيدة و الدين و العلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل"الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي.
ت- ميدان اللغة والأدب: فقد تأثر الأوروبيون و خاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثراً كبيراً، فقد دخل أدب الفروسية و الحماسة و المجاز و التخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص، يقول الكاتب الأسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية و لا تدين بآدابها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس و انتشار فرسانهم و أبطالهم في أقطار الجنوب"، كما تأثرت اللغات الأوروبية على اختلافها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة حتى أنها لتكاد كما هي في اللغة العربية، كالقطن والمسك و الشراب و الجرة و الليمون و غير ذلك مما لا يحصى. ث- ميدان العلوم التطبيقية:
في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس و الجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقاً و غرباً، وكثرت المكتبات و امتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب و رياضيات و كيمياء و جغرافيا و فلك. اجتذبت هذه المدارس و الجامعات و المكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، و كانوا شديدي الإعجاب و الشغف بكل ما يدرسون و يقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية و مؤلفاتهم عن دوران الأرض و كرويتها و حركات الأفلاك و الأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات و الأوهام عن هذه الحقائق كلها، و من ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، و غدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية. ث-1) الكيمياء
اعتمد علم الكيمياء الغربي تمامًا على المصادر العربية، فقد كانت الترجمات اللاتينية لأعمال جابر بن حيان في الكيمياءالمرجع الأساسي لعلماء الكيمياء الأوروبيين. إلا أنه ما زال الإسناد الدقيق لهذه الأعمال إلى مؤلفيها مثار بعض الجدل، فبعضها دون شك ترجمات من العربية لأعمال لجابر بن حيانومنها كتاب الكيمياء(الذي ترجم في أوروبا بعنوان كتاب تراكيب الكيمياء)بالإنجليزية:(Book of the Composition of Alchemy))، الذي ترجمه روبرت من شيسترعام 1144، وكتاب الرسائل السبعينالذي ترجمه جيراردو الكريموني(قبل عام 1187)و بغض النظر عن من كتب تلك الكتب، فأنها بلا شك كانت ذات تأثير عظيم على علم الكيمياء في أوروبا العصور الوسطى كما ترجمت الأعمال الكيميائية للرازيإلى اللاتينية في القرن الثاني عشر تقريبًا. و ترجع أصول العديد من الكلمات التقنية الكيميائية إلى كلمات عربية مثلalkali (قلوي)، و التي انتقلت إلى العديد من اللغات الأوروبية و أصبحت جزءً من المصطلحات العلمية. ث-2) الفلك والرياضيات:
ث-3)الطب و الصيدلة: كانت ترجمة كتابالقانون في الطبلابن سيناأحد أعظم أعمال الترجمة لكتب طبية، و الذي ترجم إلى اللاتينية، ثم طبع و انتشر في أوروبا. ظل هذا الكتاب المرجع الأساسي في الطب في أوروبا، حتى بداية العصر الحديث، و خلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر و حدهما، طبع الكتاب أكثر من 35 مرة،لاحظ ابن سينا ظاهرة نقل العدوى لبعضالأمراض المعديةالتي تنتقل عبر الهواء من قبل شخص مريض، و شرح كيفية اختبار بعض الأمراض الجديدة حينها.و قد كتب ابن سينا أيضًاكتاب الشفاء، و الذي كان بمثابة موسوعة عامة في العلوم و الفلسفة، و قد حظي هذا الكتاب أيضًا بشعبية في أوروبا. كتبأبو بكر الرازيكتابالحاوي في الطب، و الذي وصف فيه بعناية بل و ميّز بين مرضيالحصبةو الجدري، و قد كان لهذا الكتاب أيضًا أثره في أوروبا. كما كتبالزهراويكتابالتصريف لمن عجز عن التأليف، و هو موسوعة طبية اشتهرت بسبب قسم الجراحة بها. تضمن هذا الكتاب وصف و رسوم لأكثر من مائتي جهاز جراحي، العديد منها من اختراع الزهراوي نفسه. و قد ترجمجيراردو الكريمونيجزء الجراحة في الكتاب إلى اللاتينية، و استخدم من حينها فيكليات الطبالأوروبية لقرون، و ظلوا يصدرون منه الطبعات حتى نحو عام 1770.
ث-4) الفيزياء:
كان كتاب المناظرلابن الهيثم من أهم الأعمال الفيزيائية التي ترجمت، لما كان لهذا الكتاب من أقدمية في إجراء التجارب المبنية على منهج علمي، و فيه وضع نظرية في الرؤية و الضوء فنّدت نظريةكلاوديوس بطليموس (تفترض نظرية بطليموس بأن الضوء ينبعث من العين، بينما أصر ابن الهيثم بأن أشعة الضوء هي التي تدخل العين)، و التي تعد أهم حدث علمي في هذا المجال حتى عصر يوهانس كيبلر، لذا فيعد كتاب المناظر نقطة انطلاق مهمة في تاريخ المنهج العلميو تاريخ علم البصريات. أثرت الترجمات اللاتينيةلكتاب المناظر في الكثير من أعمال العلماء الأوروبيين اللاحقين، و منهم روجر باكونو يوهانس كيبلر، كما أثر الكتاب في جوانب أخرى في الثقافة الأوروبية. ففي الأدب، على سبيل المثال، أشاد جيوم دي لوريه بكتاب المناظر في روايته Roman de la Rose. و في الفن، وضع كتاب المناظر أسس تقنيات الرسم المنظوري، و ربما أثر في استخدام العوامل المساعدة البصرية في فن عصر النهضة، استخدمت نفس التقنيات في الخرائط الجغرافيةالتي رسمها رسامي الخرائط أمثال باولو توسكانيللي خلال عصر الاستكشاف.
ربما أثرت نظرية الحركة التي طورها ابن سينا من الفيزياء الأرسطيةنظرية قوة الدفعلجان بوريدان (التي سبقت مفاهيم العطالةوزخم الحركة). أيضًا أعمال جاليليو جاليلي في الميكانيكا الكلاسيكية (و التي أبطلت الفيزياء الأرسطية) تأثرت بكتابات الفيزيائيين المسلمين كابن باجة.
لم يكتفي الأوربيون بنقل العلوم فقط عن الحضارة الإسلامية بل تعدى ذلك إلى كل مجالات الحياة م لباس و فنون و زراعة و صناعة و غيرها حيث عرفت أوروبا عددًا من تقنيات الزراعية الجديدة لبعض الفواكهو الخضروات في العصور الوسطى على أيدي المسلمين، بعضها منقول من الصينو الهند، و منها الخرشوفو السبانخو الباذنجان.
كما نقل المسلمون تقنيات جديدة في الملابس و المواد كالنسيج الموصليو التفتةو الساتان. كما كان فن الزخرفة الإسلامي من الواردات ذات القيمة العالية إلى أوروبا طوال العصور الوسطى. في الفترة الأولى، كانت المنسوجات ذات أهمية خاصة، و تستخدم لأثواب الكنيسة و الأغطية الواقية و الستائر و ملابس النخبة. كما كان الفخار الإسلامي عالي الجودة يلقى رواجًا بين الأوروبيين، نظرًا لزخارفه و مشاهد الصيد الصغيرة المنقوشة عليه و ما شابه ذلك. و لأنها لم تكن مفهومة النقوش حينئذ، فلم تكن تلك الأشياء تسيء إلى مشاعر المسيحيين،وكان فن العصور الوسطى في صقلية مثار اهتمام، نظرًا لنمطه الذي يخلط بين الثقافات النورمانية والعربية و البيزنطية في مجالاتكالفسيفساءو التطعيمات المعدنيةو النحتو الأعمال البرونزية.
5. أهم معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا:
كانت نقاط التواصل بين أوروبا و الأراضي الإسلامية متعددة، فقد انتقلت المعارف الإسلامية بكثافة إلى أوروبا عن طريق صقليةو الأندلس، و بالأخص في طليطلة (على يد جيراردو الكريموني بعد أن استولى الإسبان المسيحيون على المدينة عام 1085). و في صقلية، بعد ضم المسلمون الجزيرة عام 965، و استعادها النورمان مرة أخرى عام 1091، تولّدت ثقافة نورمانية عربية، التي رعاها حكام أمثال روجر الثاني ملك صقلية، الذي كان لديه جنود و شعراء و علماء مسلمين في بلاطه. و يعد كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي كتبه العالم الجغرافي الإدريسي للملك روجر أحد أعظم المخطوطات الجغرافية في العصور الوسطى.
كان للحملات الصليبية أيضًا دورها في تبادل المعرفة بين أوروبا و بلاد الشام، و بالأخص الجمهوريات البحرية التي لعبت دورها في هذا التبادل، حتى أن مدنًا كأنطاكية اختلطت فيها الثقافتين العربية و اللاتينية بشدة.
خلال القرنين الحادي عشر و الثاني عشر، رحل العديد من المسيحيين إلى الأراضي الإسلامية لطلب العلم، أمثال ليوناردو فيبوناتشيو أديلارد أوف باثو قسطنطين الإفريقي. أيضًا خلال القرون الحادي عشر إلى الرابع عشر، درس العديد من الطلبة الأوروبيين في مراكز العلم الإسلامية لدراسة الطب و الفلسفة و الرياضيات و العلوم الأخرى. أ) بلاد الأندلس: فتح المسلمون الأندلس ووجدوا أهلها يعيشون في جهل مطبق فنقلوهم إلى رحاب العلم وعمروا الأرض وأحيوا الأرض الميتة و زرعوها بأنواع الفواكه و الثمار التي لم تكن موجودة عندهم، و قاموا بإحصاء السكان، و مراقبة الأسواق و ازدهرت التجارة، و قاموا بتصنيع أنواعاً من الصناعات، حتى بلغت الذروة في القرن العاشر الميلادي، و أصبحت عاصمة الخلافة قرطبة يضرب بها المثل في بنائها و الخدمات التي رافقت البناء و حدائقها الغناء وسواني المياه النقية، و قد نالت اللغة العربية إعجاب أهل شتى البلاد المجاورة فأخذوا يتحدثون بها. و قد قام الأوروبيون بترجمة الكثير من مؤلفات المسلمين إلى اللاتينية كما ترجموا كتب جالينوس وأفلاطون وأرسطو وغيرهم. مما سهل نقل العلوم والمعارف العربية الإسلامية إلى أوروبا. ب) جزيرة صقلية: كانت صقلية المعبر الثاني للحضارة الإسلامية إلى أوروبا في العصور الوسطى فعندما فتح المسلمون الجزيرة و دخلوا مدينة بالرمو نشروا فيها العلم و المعرفة و شقوا الترع و زرعوا الأرض بالقطن و قصب السكر، و استخرجوا من المناجم الفضة و الحديد و النحاس و الكبريت و نشطت الصناعة و التجارة، و شاعت اللغة العربية في أنحاء صقلية و لا تزال المساجد والآثار شاهدة على حضارة العرب هناك. ت) بلاد الشام و الحروب الصليبية: شن الغرب حروبه الصليبية على بلاد المسلمين وكان هجوماً استعمارياً نتيجة أوضاع أوروبا الدينية و الاقتصادية و المعاشية التي كانت تعيشها أوروبا، و تاريخ الحروب الصليبية كان في نهاية القرن الخامس الهجري وكان الغرض من هذه الحملة السيطرة على حوض البحر المتوسط و الطمع في خيرات العالم الإسلامي، علماً بأن أغلب المجندين كانوا قد خرجوا هروباً من الواقع المعاش و لم يكن همهم طلب العلم إنما قدموا للقتال و الحرب، و قد ساهمت المدن الإيطالية بمد الحملات الصليبية بالمال، وكان الصليبيون همهم السيطرة على العالم الإسلامي بدليل إنهم أقاموا إمارات لهم في أنطاكية و الرها و طرابلس و مملكة بيت المقدس. و أحدثت الحروب الصليبية احتكاكاً بين المسلمين و الصليبين بحكم تواجدهم في وسط العالم الإسلامي حيث اكتسبوا الكثير من العادات و المصطلحات العربية و نقلوا إلى أوروبا طرق القتال و وسائل البريد كالحمام الزاجل و المتاريس و المدن المحصنة إضافة على أنواع البذور و الثمار كالأرز و السمسم و الليمون و غير ذلك؛ مما كان له الأثر الكبير في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا.