صحيح ملا خلونا نهدروا على الدين شوية ويكون الموضوع هو الايمان بالقضاء والقدر ومشكورة على التذكير والنصيحة
انا راح نبدأ وشكرا على المبادره الطيبة منك ....نتمنى انكم اكل تقراوها بجد ودون ملل وتضمر
أهمية الإيمان بالقضاء والقدر:
أ- منزلة الإيمان بالقضاء والقدر بين بقية أركان الإيمان:
ترجع أهمية هذا الركن ومنزلته بين بقية أركان الإيمان إلى عدة أمور:
الأول: ارتباطه مباشرة بالإيمان بالله تعالى، وكونه مبنياً على المعرفة الصحيحة بذاته تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته الكاملة الواجبة له تعالى. وقد جاء في صفاته سبحانه صفة العلم والإرادة والقدرة والخلق، ومعلومٌ أن القدر إنما يقوم على هذه الأسس.
ولا شك أن الإقرار بتوحيد الله وربوبيته لا يتم إلا بالإيمان بصفاته تعالى، فمن زعم أن هناك خالقاً غير الله تعالى فقد أشرك، والله تعالى خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد.
الثاني: حين ننظر إلى هذا الكون ونشأته وخلق الكائنات فيه ومنها هذا الإنسان نجد أن كل ذلك مرتبط بالإيمان بالقدر فأول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: ربّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والإنسان يوجد على هذه الأرض، وينشأ تلك النشأة الخاصة، ويعيش ما شاء الله في حياة متغيّرةٍ فيها الصحة والسقم، والغنى والفقر، والقوة والضعف... وينظر الإنسان من حوله فيرى تفرّق هذه الصفات على الناس؛ فلا يجد إلا العقيدة الصحيحة، وعلى رأسها الإيمان بالقدر.
الثالث: الإيمان بالقدر هو المحكّ الحقيقيّ لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القويّ لمدى معرفة الإنسان بربّه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال.
وقد كثر الاختلاف حول القدر، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره، بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمان يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين، ودسّ الشبهات حوله، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلاّ من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، مسلِّماً الأمر لله، مطمئنَّ النفس، واثقاً بربه تعالى، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً، وهذا ولا شك أكبر دليل على أهمية الإيمان به بين بقيّة الأركان[1].
ب- الإيمان بالقدر في الأديان السماوية:
لم يختصّ المسلمون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالقدر، بل كان الإيمان به قديماً في الأديان السماوية، وهذه بعض صوره كما ورد في القرآن الكريم.
1- في قصة نوح عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى: {قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود:32-34].
فقوله: {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَاء} أي: إن اقتضت مشيئته وحكمته أن ينزله بكم فعل ذلك، وأنا ليس بيدي من الأمر شيء. وقوله: {إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ}: أي: إرادة الله غالبة، فإنه إذا أراد أن يغويكم لردكم الحق، فلو حرصتُ غاية مجهودي، ونصحت لكم أتمَّ النصح، وهو قد فعل عليه السلام، فليس ذلك بنافع لكم شيئاً، {هُوَ رَبُّكُمْ} يفعل بكم ما يشاء، ويحكم فيكم بما يريد[2].
2- وفي قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام لما أراد ذبحه بأمر بالله، يقول تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} [الصافات:102]، فقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ}: أي العمل كما قال ابن عباس، أو المشي. والمعنى: مشى مع أبيه كما قاله قتادة[3]. وقوله: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} قال ابن سعدي: "أخبر أباه أنه موطِّن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى؛ لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى"[4].
3- وفي قصة يوسف عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ يأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّى حَقّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسّجْنِ وَجَاء بِكُمْ مّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ} [يوسف:100].
قال ابن كثير: "{إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء}، أي: إذا أراد أمراً قيّض له أسباباً ويسره وقدّره، {إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ} بمصالح عباده، {ٱلْحَكِيمُ} في أفعاله وأقواله وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده"[5].
فيوسف عليه السلام كان مؤمناً بالقدر، موقناً أن ما جرى ويجري له ولغيره إنما هو بقضاء الله وقدره[6].
4- وموسى عليه الصلاة والسلام، ذكر الله عنه إيمانه بأن الهداية والإضلال بيد الله وهما تحت مشيئته فقال تعالى في معرض قصته: {وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لّمِيقَـٰتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ وَإِيَّـٰىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِى مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَـٰفِرِينَ} [الأعراف:155].
فقوله: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ وَإِيَّـٰىَ} ذكر ابنُ جُزي احتمالين في تفسيره، الاحتمال الثاني: أن يكون قال ذلك على وجه التضرع والاستسلام لأمر الله، كأنه قال: لو شئت أن تهلكنا قبل ذلك لفعلت، فإنا عبيدك وتحت قهرك، وأنت تفعل ما تشاء[7].
5- ويقول تعالى عن زكريا ومريم: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].
فقوله: {إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} الراجح أنه من كلام مريم[8].
وهو يفيد التقرير بأن الله قد يرزق بعض عباده بغير حساب، وأن ذلك مرتبط بمشيئته سبحانه[9].
6- قصة الرجل صاحب الجنتين، قال تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ...} [الكهف:39].
قال الزجاح والفراء: "الأمر ما شاء الله، أو هو ما شاء الله، أي: الأمر مشيئة الله تعالى"[10].
7- قصة خسف قارون، قال تعالى: {وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ} [القصص:82].
فقوله: {يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} إقرار منهم بأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لبعض عباده ويضيّقه على بعضهم، فله الأمر، يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى[11].
فهذه النصوص تدل على عدّة أمور:
أحدها: أن الأصل في البشرية التوحيد خلافاً لنظريّة تطوّر الأديان.
الثاني: أن الإقرار بالقدر جزء من هذا التوحيد الذي هو دين أبينا آدم، ودين الرسل من بعده.
الثالث: وحدة دين الرسل من جهة العقيدة وإن اختلفت شرائعهم، والإيمان بالقدر جزء من هذه العقيدة