الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد
.
فيكون الإنسان متوكلاً على الله؛ بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل؛ حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس : ( يا غُلام ! إني أُعلّمُكَ كلماتٍ، احفظِ الله؛ يحفظك، احفظ الله؛ تجِدهُ تُجَاهكَ، إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنتَ؛ فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 1/293 ) من حديث عبد الله بن عباس، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/203 ) من حديث عبد الله بن عباس . (15)] .
بهذه العقيدة يكون الإنسان معتمدًا على الله جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه .
ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا - سواء كانت شرعية أم حسية - هي من تمام التوكل، ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المتوكلين - كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب؛ لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أُحد لبس درعين (16).
فهؤلاء الذين يزعمون حقيقة التوكل تكون بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع خاطئون؛ فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به .
ولهذا؛ لو قال قائل : أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي، لا أبحث عن الرزق ! قلنا : عن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيًا؛ فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [ الملك : 15 ] .
ولو قال قائل : أنا سأتوكل على الله في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يسع في طلب الزوجة وخطبتها ! لعده الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله عز وجل .
ولو أن أحدًا أكل السم، وقال : إني أتوكل على الله تعالى في ألا يضرني هذا السم ! لكان هذا غير متوكل على الله حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ النساء : 29 ] .
والمهم أن فعل الأسباب، التي جعلها الله أسبابًا، لا ينفي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به، بل مما نهى الله عنه.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
.
فيكون الإنسان متوكلاً على الله؛ بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل؛ حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس : ( يا غُلام ! إني أُعلّمُكَ كلماتٍ، احفظِ الله؛ يحفظك، احفظ الله؛ تجِدهُ تُجَاهكَ، إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنتَ؛ فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 1/293 ) من حديث عبد الله بن عباس، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/203 ) من حديث عبد الله بن عباس . (15)] .
بهذه العقيدة يكون الإنسان معتمدًا على الله جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه .
ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا - سواء كانت شرعية أم حسية - هي من تمام التوكل، ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المتوكلين - كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب؛ لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أُحد لبس درعين (16).
فهؤلاء الذين يزعمون حقيقة التوكل تكون بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع خاطئون؛ فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به .
ولهذا؛ لو قال قائل : أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي، لا أبحث عن الرزق ! قلنا : عن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيًا؛ فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [ الملك : 15 ] .
ولو قال قائل : أنا سأتوكل على الله في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يسع في طلب الزوجة وخطبتها ! لعده الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله عز وجل .
ولو أن أحدًا أكل السم، وقال : إني أتوكل على الله تعالى في ألا يضرني هذا السم ! لكان هذا غير متوكل على الله حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ النساء : 29 ] .
والمهم أن فعل الأسباب، التي جعلها الله أسبابًا، لا ينفي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به، بل مما نهى الله عنه.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم